يكتب المصور الإيطالي، كارمينيه كارتولانو، يومياته في مصر، في كتابه ''مصريانو'' الصادر مؤخرا عن دار العين، مصر التي جاءها سائحا عام ,1999 وقرر أن يصبح مواطنا مصريا لا يمت لتوصيف ''الخواجه'' بالكثير، تسعفه العربية التي تعلمها في المعهد الأورينتالي بنابولي في التوحد مع الكينونة المصرية، هو مدفوع بحب مصر التي أحبها فاستوطنها منذ عشر سنوات. عتبات يوميات كارمينيه تبدأ من عمارة متهالكة في حي شعبي، تدور أغلبها في مقاهي القاهرة، متنقلا فيها، عبر سيارات الأجرة التي تحتل من مساحة الكتاب الكثير، سائق الأجرة ليس مجرد شخص، بل هو كيان من مجموع الكيانات المصرية التي يسرق من خفة دمها كارمينيه، ويعرّف نفسه في كتابه بالقول إنه ''مصور''، وإن كان عمله الحالي يدور في فلك تدريس اللغة الإيطالية بمصر، والاشتغال على بعض الترجمات. كارمينيه مازال يصور، لا تهم العدسة التي يستخدمها، أو فلنقل إن العامية المصرية عدسة عالية الجودة، تضعك في الجو العام، ولا تغفل التفاصيل أبدا. هل يمكن تصنيف كتاب ''مصريانو'' في خانة كتب أدب الرحلة؟ من منطلق انطباعي بحت أجيب: لا، كارمينيه ليس سائحا، هو مقيم بمصر، ويومياته لا تختلف عن يوميات الكثير من أبناء البلد: قهوة، شيشة، وكثير من الشاي والرغي (الثرثرة). صحيح أن الكتاب يشتغل على الجزئيات المتعلقة بإيطاليته، والمفارقات الناتجة عن عيشه بمصر ومخالطته لأصناف بشرية متعددة، لكن هذا لا يعني أنه أدب رحلة بالمفهوم الشائع، إذن أين يمكن تصنيف كتاب كارمينيه؟ قد تبدو اليوميات كما وصف الكتاب هو الوصف الأقرب، مع هذا يبدو أن تصنيف الكتاب في صنف أدبي معين، قد يظلم التجربة الجريئة التي قبض فيها الكاتب على لحظات مصرية خالصة. ما الذي يجعل كتاب ''مصريانو'' مميزا؟ وما الذي يجعل يوميات كارمينيه تختلف عن يوميات أي سائح؟ إن الخصوصية تكمن في انخراطه في محادثات مع نماذج شعبية شائعة، سائق التاكسي يفاصل في السعر قبل الإنطلاق، لا مكان للعداد حينما يتعلق الأمر بزبون أجبني، كارمينيه يستخدم لهجته المصرية للمفاصلة وينجح في وضع السائق أمام الأمر الواقع، يصل إلى المقهى يجلس إلى غاية منتصف الليل وفي النهاية يتخاصم مجالسوه عمن يدفع ثمن المأكولات والمشروبات، يعود إلى البيت متعبا يتلقى إتصالا من عمر ''كازنوفا'' مصر، عاشق الأجنبيات، كارمينيه لا يشتغل مترجما من الإيطالية إلى العربية، بل يشتغل مترجما لكازنوفا المصري من العربية إلى الإنجليزية، يلقنه بعض الكلمات ليستعملها في معاكسة سائحة إيطالية، خدمة مجانية، نعم وقبلها عشرات الأسئلة الفارغة عن الأحوال تكون المستفيدة الوحيدة منها شركات الهاتف النقال، يضع الهاتف على الطاولة، يحاول أن يشتغل لكن دقات جرس الباب لا تنتهي، منظف العمارة يبدو أنه يصر على الحصول على إكرامية مقابل عمله ''التطوعي'' الذي لم يطلبه منه أحد، يسقط خائر القوى على سريره دون أن يتم عمله، جائعا لم يذق الطعام منذ البارحة، لاشيء في الثلاجة، كسول لا يحب التسوق، أصدقاءه لا يكترثون كثيرا لهذه الخصلة السيئة المزمنة، في المساء تكون الثلاجة قد امتلأت بما حمله إليه أصحابه، والكتاب الذي يشير إلى أنه يقيم مع صديقته في بيت واحد خارج إطار العلاقة الرسمية، لا يشير إلى مدى مهارتها في الطبخ، واستعدادها للف في الأسواق واقتناء ضروريات الحياة، مع هذا يطرح كارمينيه مجموعة من الأسئلة عن مصر: يبدأها ب ''لو مصر أم الدنيا، مين أبوها؟''. الكتاب يحتوي على42 1 صفحة من القطع المتوسط، وهو من إصدارات دار العين للعام2012 ، مكتوب كله باللهجة العامية المصرية، يمزج ''الإيطاليانو'' ب''المصري''، ويقدمه لنا في وجبة كوميدية خفيفة الظل عنوانها ''مصريانو''... مصريانو فيرو بحق.