سيظل مسرح سيدي بلعباس الجهوي، الذي يتوسط مدينته الجميلة، مفتوحا على رياح تعبيرية فنية، إلى غاية الرابع عشر من أفريل الجاري، حيث ستشعل أضواء الخشبة على فرق من ولايات الغرب والجنوب الغربي، جاءت لتقتطع تأشيرة المرور إلى المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالعاصمة. طاقات شابة متنوعة المشارب، تتحرّك حول المكان في حماس ظاهر على كل واحد منهم، يحملون هموم حبهم لسيد الفنون، مشاكلهم، صعوباتهم، آمالهم وإرادتهم في تجاوز حاجز بعد الآخر، لأن الوصول حليفهم لا محالة. حسان عسوس، مهموم هو الآخر بمجريات حفل الافتتاح، لا يقعد في مكان مع اقتراب السادسة مساء موعد إشعال الأضواء وإطلاق العنان لدليلة نوارة ومحمد جهيد اللذان تكفلا، بنجاح، بتنشيط السهرة. وحينما حانت دقيقة وقوف المحافظ أمام الجمهور لإلقاء كلمته قال: ''إن المهرجان الثقافي المحلي للمسرح المحترف، هو فضاء مؤسس ومدعم من قبل وزارة الثقافة''، وإنه ''فضاء مفتوح على الإبداع المسرحي الحديث''، وبالتالي ليس مغلقا في وجه التيارات الفنية بكل أطيافها: ''فضاء لنقاش التجارب والاتجاهات المسرحية الحديثة.. لبلوغ مسرح حديث يعنى بعلاقة الفرد بالمجتمع.. ضمان للامتداد في النسيج الحضاري والإنساني''. قبل أن يختم مداخلته القصيرة، أطلق عسوس رسالته الواضحة جدا للفرق وللفاعلين في حقل الفن الرابع حيث قال: ''مسرح حديث تحكمه آليات وجماليات تؤسس لبعد فني راقٍ. مسرح قوي يساعد مسرح ضعيف يزعج''. شكل المنشطان ثنائيا ناجحا فوق الخشبة، وجنبا الحضور عناء تحمّل الطرق الكلاسيكية في التنشيط، فكانت الممثلة دليلة نوارة أنيقة في لغتها وسلسة في أفكارها، بينما تقمّص جهيد دور المنشط الفكاهي، لولا أنه سقط في ما أسميته شخصيا ب ''الحالة السكتورية''، أي تقليده لعبد القادر السكتور في طريقة رواية النكت وسرد المواقف. التكريمات.. اعتراف للأحياء وترحّم على الراحلين فكر القائمون على التظاهرة أن يكرّموا فاعلا مسرحيا لا يظهر فوق الخشبة، وإنما يقف دائما خلف الستار، يعيش لحظات العرض بكل تفاصيله إلا أنه يبقى غير معروف. فنون المسرح ليست فقط التمثيل أو الإخراج أو الموسيقى أو السينوغرافيا، هي أيضا رجال نعرفهم ب ''الماشينيست'' أو ''الآلاتيين'' الذين يتحكون في كل الأدوات المساعدة على الفرجة المسرحية. محمد عسو واحد من هؤلاء، سيقطع في 12 أفريل الجاري عامه ال 89 في هذه الحياة، دون أن يكلّ من حب المسرح. ناداه مكرموه ليمنحوه شهادة تقديرية، فأخرج لهم علبة فجائية بها مجسم مصغر لمسرح بلعباس أهداه إلى الأمين العام للولاية وإلى عسوس مدير المسرح الجهوي، وكأنه لا ينتظر التكريم، بل مازال قادرا على العطاء. وعلى معزوفات قصيرة من كمان نجله عمر عسو، صفق الحضور كثيرا لهذا النموذج النادر. تتابعت الاعترافات وصعد على المنصة أسماء منحت من وقتها وجهدها للفعل الثقافي في المدينة، وكان الدور على كل من يحيى عبد القادر، سيهم بلعباس الذي شارك في مسرحيات عدة على غرار ''نور في ظلام'' و''اللعبة'' و''بائع الخضراوات'' للمخرج إسماعيل الحاج. ثم جاء الدور على محمد شوار للتكريم، وبعده الصوت الإذاعي جلول جدي، والثنائي الزوج إبراهيم وفضيلة حشماوي. أشعلت القاعة الشموع ساعة بث فيلم قصير، يستذكر تباعا الوجوه الفنية التي رحلت في الفترة الأخيرة، لم ينس المهرجان أحدا: قارة عفيفة، كمال كربوز، شرادي محمد، خلادي محمد، عمي قندسي، حبار إسماعيل وتوفيق ميميش، رحمة الله على الجميع.