تشكل الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، والتي انتهت أمس الإثنين، فرصة مميزة لتبديد عدد من الملفات العالقة في مجرى العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلا عن كونها قد تشكل بداية مرحلة جديدة للدفع بهذه العلاقات إلى أعلى والوصول بها إلى مرحلة جديدة أقل ''تشجنا'' في ظل وصول الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند إلى قصر الإليزيه. ويمكن قراءة تطمينات واضحة للتأكيد على المجرى الإيجابي الجديد في علاقات البلدين، من خلال التصريحات التي أدلى بها وزيرا خارجية البلدين خلال ندوة صحفية مشتركة نظمت، مساء أول أمس، بالجزائر العاصمة، فضلا عن تلك التي أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي لدى حلوله بالجزائر، أول أمس الأحد، وكذا تلك التي أدلى بها نظيره الجزائري مراد مدلسي الذي كان في استقباله بمطار هواري بومدين الدولي. وكان لموضوع ''الذاكرة'' مكانة بارزة في تعاطي كلا الوزيرين مع هذه التصريحات، خلال الندوة الصحفية المشتركة، حيث أبرز مراد مدلسي بهذا الشأن أن مسألة الذاكرة التي تعتبر حاضرة ليس فيها أذهان المسؤولين فحسب بل وأيضا في أذهان المواطنين، لا يمكن نسيانها، وفق ما جاءت به وكالة الأنباء الجزائرية على لسان وزير الخارجية الجزائري. ويبدو أن باريس تريد فعلا أن يشكل الوصول إلى توافق مع الجزائر بخصوص هذه المسألة، ستعمل مستقبلا على حلها قدر الإمكان ومن أجل يكون ذلك عتبة يمكن الانطلاق منها نحو ترقية الملفات الاقتصادية وتلك المتعلقة بالأمن. وهذه النظرة التي يبدو أن قصر الإليزيه يتبناها في الوقت الحالي، هي التي عكسها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في تصريحاته خلال الندوة الصحفية المشتركة، أول أمس، عندما تحدث عن الإرادة في معالجة الماضي بكل موضوعية وتبصر دون إخفاء أي شيء. لقد كان الاقتصاد دائما هو الهدف الأول بالنسبة لفرنسا في علاقاتها مع الجزائر. أما السياسة، فقد شكلت دوما أداة للوصول إلى هذا الهدف. ومن الواضح أن باريس تعمل حاليا على تبديد كافة خلافاتها السياسية مع الجزائر ضمن هذا السياق. والملفت للنظر أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عبّر، أول أمس، أيضا عن تأييده لتصريحات مدلسي بخصوص أهمية الحل السياسي والحوار من أجل الأزمة في مالي. وكانت الجزائر قد تمسكت بمنحى الحل السياسي في هذا البلد منذ اندلاع الأزمة به، وسيطرت حركة الأزواد وحركات إسلامية مسلحة أخرى على أرجاء واسعة من شمال هذا البلد. وفي منظور الجزائر، فإن التدخل العسكري الأجنبي لحل هذا الملف قد يفجر الوضع الأكثر ويعطي مبررا أقوى لهذه الحركات من أجل مقاومة ما قد تعتبره غزوا أجنبيا. وعلى العكس من ذلك تقريبا، عملت باريس خلال الأسابيع الماضية على تجنيد المجتمع الدولي والسعي إلى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي للتدخل عسكريا في شمال مالي، وذلك عن طريق جيوش مجموعة دول غرب إفريقيا أساس، وحدث ذلك قبل أن يسجل بعض التراجع في موقف باريس بهذا الخصوص عندما أعرب وزير الخارجية الفرنسي عن تأييده لتصريحاته مدلسي بخوص طرح ''الحل السياسي'' لأزمة مالي حيث ذكر فابيوس بالوضع ''المعقد'' الذي يسود هذا البلد الذي ينبغي -كما قال- الحفاظ على سلامته الترابية. كما تطرق لوران فابيوس إلى تهديد الإرهاب في منطقة الساحل من خلال انتشار جماعات مسلحة ذات صلة بالشبكات الإرهابية وبالمتاجرة بالمخدرات، وقال في هذا السياق إن ''هذا يشكل تهديدا بالنسبة للسكان المحليين والمنطقة والعالم بأسره''. وكان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، قد أكد خلال زيارته أيضا، أول أمس، على إرادة البلدين في الانتقال إلى مرحلة جديدة في علاقاتهما، مشيرا إلى كون إعطاء دفع جديد والانتقال إلى مرحلة جديدة وشراكة مميزة... ليست جوفاء بل إنها تنم عن إرادات ملموسة تحذو الطرفين الفرنسي والجزائري. وقال لوران فابيوس، أول أمس، وخلال اليوم الأول من زيارته أيضا، إن المحادثات كانت مجدية ومسيرة على الصعيدين الثنائي والدولي، حيث تم الإتفاق -كما قال- على كافة المواضيع التي تم التطرق إليها وذكر بهذا الخوص مواضيع الأرشيف والاقتصاد والأمن والدفاع وتنقل الأشخاص. كما أعلن فابيوس عن الزيارة التي سيقوم بها قريبا إلى الجزائر وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس من أجل التطرق إلى المجال الإداري، وأضاف لوران فابيوس إن الجزائر وفرنسا إتفقا ليحضرا سويا للفترة 2012 - 2016 ملفا يختصر -كما قال- مختلف عناصر التعاون، وهو الملف الذي قال بشأنه وزير الخارجية الفرنسي إنه سيكون جاهزا قبل نهاية شهر أكتوبر حتى تتم الزيارة التي من المقرر أن يجريها الرئيس فرانسوا هولاند قبل نهاية السنة الجارية ,2012 وذلك على أساس عمل تمهيدي ودقيق يسمح بالمضي قدما. وكان وزير الخارجية الفرنسي قد حل، أول أمس، بالجزائر حيث كان في استقباله بمطار هواري بومدين وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي، حيث عقد الطرفان محادثات ثنائية تخص عددا من المواضيع التي تهم البلدين. وأشارت وكالة الأنباء الجزائرية في وقت سابق إلى كون الزيارة ستكون مناسبة لتبادل وجهات النظر والتحاليل حول عدد من مواضيع الساعة على الساحتين الإقليمية والدولية لاسيما مسار دفع بناء الصرح المغاربي والوضع في منطقة الساحل والتنمية في الفضاء المتوسطي، بالإضافة إلى مسائل أخرى ذات الاهتمام المشترك.