يتواصل إضراب سائقي القطارات، لليوم الثاني، احتجاجا على طرد أحد زملائهم من الشركة بسبب حادث وقع يوم 22 أوت 2011، الأمر الذي أثار غضب العمال الذين دخلوا في إضراب من الممكن أن يتوسع إلى كامل التراب الوطني إذا لم يتم إلغاء قرار الطرد الذي وصفه المضربون بالتعسفي، حيث هددوا بالتصعيد، حتى وإن كانت المديرية العامة لشركة السكك الحديدية قد أقرت ببطلان هذا الإضراب كونه غير قانوني باعتبارها لم تتلق أي إشعار بالإضراب ولم تتسلم أي لائحة مطالب، إلا أن القبضة الحديدية التي حدثت في السكك الحديدية لم تمر كالعادة دون أن تزيد من متاعب المواطنين الذين يظلون في كل الحالات الأكثر تضررا بل وكبش فداء باعتبارهم وجدوا أنفسهم رهينة خلافات ومشاكل لا دخل لهم فيها إلا أن نتائجها السلبية انعكست عليهم مباشرة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقدر حجم التذمر الذي نال من المسافرين الذين اعتادوا ركوب القطار كوسيلة مفضلة ومريحة في تنقلاتهم اليومية، إذا لم نقف على حجم معاناتهم التي بدأت، أول أمس. وقد سمحت لنا زيارة بعض محطات توقف القطار بالعاصمة بتسجيل مدى التذمر الذي نال من جموع المواطنين الذين قصدوا محطات الركوب وعادوا خائبين بعد أن أغلقت الأبواب في وجوههم وملّوا من ساعات الانتظار علّهم يفلحون في ركوب بعض القطارات التي بقيت تؤدي الحد الأدنى من الخدمة. محنة الطالب القادم من مستغانم لقد كانت وجهتنا الأولى المحطة الرئيسية ب “آغا" وهناك وجدنا عديد المواطنين من مختلف الأعمار، شيوخا وشبابا، نساء ورجال ينتظرون حينا ويغادرون بعد طول الانتظار، في حين فضل البعض منهم التريث لعل ساعة الفرج تأتي ويسمعون دوي محركات القطارات وهي تتوقف في المحطة لنقلهم إلى مختلف الوجهات المعروفة التي اعتادوا السفر إليها. ولا يجد الزائر إلى محطة آغا أي عناء لأخذ انطباعات وآراء بعض هؤلاء المواطنين، حيث استطعنا في ظرف وجيز للغاية الحديث إليهم ونقل تذمرهم ومعاناتهم وأسفهم الشديد، بعد أن ظلوا لساعات طويلة ينتظرون ساعة الفرج. وبالصدفة استوقفنا أحد الشباب وهو يهم بمغادرة المحطة، كانت ملامح اليأس والقنوط تعلو محياه، وكان يوحي لمن يراه بأنه طالب، كونه يحمل محفظة، في البداية ظننا أنه يقطن العاصمة وهو بصدد الانتقال إلى إحدى الجامعات، غير أن أولى الكلمات التي نطق بها جعلتنا نتيقن بأنه جاء من المدن الداخلية وبالتحديد من الغرب الجزائري وهو ما تأكدنا منه وهو يسرد عليها حكايته مع إضراب القطارات “أنا أقطن مدينة مستغانم وجئت إلى العاصمة للإنتقال إلى مدينة بومرداس، وقد اضطرني الحال إلى السفر عبر الحافلة نهار أمس، والعودة إلى العاصمة ثم المبيت في فندق، وما زاد من معاناتي هو الإضراب الذي تعرفه الإقامات الجامعية ببومرداس، الأمر الذي لم أتمكن معه من المبيت هناك"، وقد استخلصنا من كلام هذا الطالب المغترب في العاصمة أن سبب انتقاله إلى بومرداس كان بغرض التسجيل في أحد المعاهد هناك، وهو ما أفصح عنه وهو يشرح لنا انشغالاته التي قادته عبر رحلة طويلة من مستغانم “أنا أدرس منذ ثلاث سنوات بمعهد المحروقات ببومرداس، ولما كان الموسم الجامعي على الأبواب فقد انشغلت هذه الأيام مثل بقية الطلبة بالتسجيلات، وهو ما يفسر تواجدي اليوم بالعاصمة". تركنا هذا الطالب لحاله بعد أن تمنينا له إقامة أحسن من التي يعيشها هذه الأيام بالعاصمة، وغير بعيد عن المكان الذي كنا نتواجد به عند الباب الخارجي لمحطة آغا التي أرغمنا على الوقوف عندها بدل التواجد بداخلها ، رمقنا سيدة تبدو في عقدها الخامس، عائدة من المحطة خائبة، تتمتم بعض الكلمات، في البداية ترددنا في الحديث إليها خشية ردة فعل عنيفة وهي التي بدت لنا في قمة غضبها، لكن لباقتنا وحسن تعاملنا مع ما تعانيه ساعدنا على معرفة ما يختلج في صدرها من معاناة وكره ويأس “منذ نهار، أول أمس الثلاثاء، توقفت عجلات القطارات، الأمر الذي حتم علي المجيء إلى العاصمة عبر الحافلة، فأنا قاطنة ببومرداس ومضطرة للانتقال إلى العاصمة في إطار مهنتي، ولا يمكنكم تصور الإزدحام الذي تعرفه الحافلات حاليا بسبب إضراب سائقي القطارات، إننا نعاني من ضغط كبير وأنا الآن عدت إلى محطة آغا علني أجد بعض القطارات التي ما تزال عجلاتها تسير في إطار ما يسمى بأدنى الخدمة التي ما تزال الشركة تقدمها للمواطنين، لكني كما ترون عدت خائبة ولست أدري ما سأفعل للعودة إلى بومرداس". حكايا هذه السيدة مع القطارات المتوقفة لا تنتهي، فقد ذكرت لنا أنها كانت بصدد الذهاب إلى مدينة الرغاية، أول أمس، في مهمة مهنية إلا أنها لم تستطع وعادت من حيث أتت. مواطنون لم يهضموا ما يحدث إذا كانت يوميات المواطنين الذين يترددون يوميا على محطات القطارات قد تحولت، خلال اليومين الأخيرين، إلى كابوس حقيقي، فإن أغلبهم لم يترددوا في طرح بعض الأسئلة التي تنبعث منها براءة وعدم معرفة تفاصيل الأزمة التي تعرفها شركة السكك الحديدية، وهو ما حاول أحد المواطنين إيصاله لنا عبر كلماته الحزينج التي تفوه بها وهو يتحدث إلينا عما يختلج في نفسه من مشاعر “حقيقة لم أفهم ماذا يحدث في هذا البلد، فلا يمر يوم إلا وتطالعنا المستجدات عن مشاكل جديدة تضاف إلى تلك التي اعتدنا عليها منذ سنوات، فأنا شخصيا، لم أفهم سبب هذا الإضراب وتعقيدات هذا البلد". نفس الإنطباع لمسناه من رد فعل طالب جامعي يدرس بجامعة البليدة، حيث اضطره إضراب سائقي القطارات، أول أمس، إلى عدم التنقل إلى العاصمة لقضاء حاجاته الدراسية، وخلال اليوم الثاني للإضراب ساعدته الظروف بعد أن دارت عجلات قطار في إطار تقديم الحد الأدني من الخدمة، غير أنه لا يدري إن كان سيستعمله عند العودة أو يلجأ إلى وسيلة نقل أخرى، وكم هي صعبة “كل محطات الحافلات أو الطاكسيات تشهد إقبالا كبيرا للمواطنين بسبب إضراب سائقي القطارات، ولهذا لم أقرر بعد بل ولم أختر وسيلة المواصلات التي تعيدني إلى مدينتي البليدة". محطة باب الزوار خالية على عروشها لقد دفعنا فضولنا الصحفي إلى الإنتقال إلى محطة القطارات بباب الزوار للوقوف على الأوضاع هناك ومشاكل المسافرين، وللأمانة فقد وجدنا المحطة خالية على عروشها ماعدا الصخب الذي ينبعث من المقهى الوحيد الموجود بها ولم نستطع الحديث إلا مع طالبين وجدناهما جالسين على مقاعد الإنتظار بمحاذاة خط السكة الحديدية، حيث علمنا منهما بأنهما قدما من مدينة بومرداس لتسجيل نفسيهما في معهد الكيمياء وهندسة الطرائق الصناعية ولحسن حظهما قدما إلى باب الزوار على متن القطار الذي خصص لتقديم أدنى الخدمات الذي انطلق من بومرداس في الصباح الباكر، غير أن هاجسهما الكبير أصبح يكمن في مسألج عودتهما إلى بومرداس “منذ الساعة العاشرة ونحن بالمحطة ولم يمر أي قطار ولسنا ندري ماذا سنفعل لأننا لا نملك إلا هذه الوسيلة، لأن محطة الحافلات بعيدة جدا عن محطة القطار ولا نستطيع الإنتقال إليها". تركنا الطالبين جالسين في مكانهما وغادرنا محطة باب الزوار لأننا لم نستطع التحدث إلى مواطنين آخرين لأن المحطة كانت خالية.