تحتل السيدات الأولى، أي زوجات الرؤساء أو شريكات حياتهم مكانة مرموقة في بلادهن، هذه قاعدة عامة ولكنها تكتسب قدرا من الخصوصية عندما يتعلق الأمر بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فما هو الدور الحقيقي للسيدة الأولى في البيت الأبيض وما هي حقيقة نفوذها؟ ندعوكم في هذه الحلقات للغوص في كواليس البيت الأبيض عبر دور زوجات الرؤساء الأمريكيين وذلك انطلاقا من «مارتا واشنطن» زوجة الرئيس جورج واشنطن وحتى ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما. أبصرت فلورانس النور في الخامس عشر من أوت عام 1860 بماريون بولاية أوهايو. والدها مصرفي وتاجر العقارات والآلات الحديدية، تلقت تعليما بالمدارس الابتدائية، ثم التحقت بمعهد لتكوين الأطر التعليمية في العلوم والآداب، وبعد ذلك بالمعهد الموسيقي لمدينة سينسيناتي لإتقان العزف على آلة البيانو، وهو ما جعلها عازفة حفلات معترف بها. في الوقت نفسه كانت فلورانس تساعد والدها منذ طفولتها في محل بيع المعدات الحديدية. في عام 1890 ربطت بين فلورانس (30 سنة) ووارين هاردنغ، صاحب مطبوعة “ماريون ستارز"، الذي يصغرها بخمس سنوات، علاقة غرامية توجت بالزواج في 8 جويلية من عام 1891. بعد أربع سنوات من زواجهما عانى وارين من مشكل نفسي وغادر ماريون صوب مشيغان طلبا للعلاج بأحد المستشفيات هناك، لتتولى فلورانس إدارة شؤون مطبوعة “ماريون ستار" وتطويرها فنيا وتقنيا، حيث اقتنت آلة طباعة جديدة وخلقت خدمة التوصيل المجاني للمطبوعة ومدت العاملين بصفارة تُعلم كل قارئ بأن مطبوعته قد وصلته وهي تحت باب منزله. كما استعانت بجان ديكسون، أولى صحافية في ولاية أوهايو، الأمر الذي ساهم في رفع مبيعات “ماريون ستارز". ورغم عودة وارين استمرت فلورانس في منصبها مسيرة للمطبوعة، فيما صار زوجها مدير النشر. نجاح “ماريون ستارز" أدى بالثنائي هاردينغ إلى عقد صداقات مع رجال الساسة، وهو ما جعل فلورانس تحث زوجها على الانخراط في عالم السياسة ليتمكن بالفعل من أن يصبح سيناتورا منذ عام 1900 ثم حاكما عاما عام 1906. عانت فلورانس من مرض في الكلى عام 1905 مما جعلها تخضع لعملية جراحية. الصحافة ودعم مسار الزوج في عام 1914 سيغادر الثنائي هاردينغ ماريون صوب واشنطن بعد أن انتخب وارين عضوا بمجلس الشيوخ الأمريكي، ولم يفوت فرصة نشر مقالته بمطبوعة ال “واشنطن بوست". وفي عام 1921 أصبح وارين الرئيس التاسع والعشرين للولايات المتحدةالأمريكية، ودخل البيت الأبيض. وقد ساهمت فلورانس في نجاح زوجها من خلال تصريحاتها الصحفية الداعمة لزوجها بأهم الصحف الأمريكية، من بينها “نيويورك تايمز". وكانت أولى زوجة مرشح للرئاسة تدلي بأحاديث صحفية من هذا النوع. وبعد فوز زوجها صرحت بأنها تريد من المرأة الأمريكية أن تفهم أكثر من يحكمها، لذلك فتحت باب البيت الأبيض ليس فقط للنساء السياسيات، بل أيضا للعاملات والأمريكيات من أصول إفريقية وطالبات المدراس، وطالبت بحق التصويت للمرأة. واستقبلت أيضا العالمة ماري كوري. قادت فلوارنس حملة لمقاطعة شراء السكر عندما أصبحت أسعاره باهظة الثمن بالنسبة لمعظم الأسر الأمريكية، كما دعت إلى الاهتمام بوضعية المرأة السجينة وأطفالها وعدم اختلاطهم بالمساجين الرجال، وهو ما أدى إلى إنشاء إصلاحية الدرسون، التي تعد أولى إصلاحية حصرية للنساء في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولطالما كرست فلورنس هاردينغ قدراً كبيراً من الجهد والوقت لأسر العسكريين المحتاجة، حيث كانت تدافع عن حقوق قدامى المحاربين العائدين من الحرب العالمية الأولى. في عام 1923 حين كان الرئيس عائدا من زيارة لولاية ألاسكا، فأصيب بوعكة صحية توفي على إثرها بفندق بشيكاغو. شك المحيطون بالرئيس أن يكون تعرض لتسمم وطالبوا بإجراء تشريح لجثته، لكن زوجته فلورانس رفضت ذلك بإصرار. وبعد مراسيم الدفن غادرت أرملة الرئيس البيت الأبيض وعادت إلى مدينة ماريون، لكنها سرعان ما عادت إلى العاصمة واشنطن، وبعد فترة ستغادرها بعد تورط صديق لها في قضايا رشوة، وكانت وجهتها أوربا، حيث ستحل ضيفة على سفير أمريكا بإسبانيا. عادت فلورانس إلى ماريون في السنة نفسها، حيث ستتضاعف معاناتها مع مرض الكلى وتسلم الروح عام 1924.