لو سألت أي جزائري عن أبرز الأشياء الإيمانية التي يتذكرها في زيارته لمكة فسيقول لك أشياء كثيرة مثل منظر الناس التي تطوف بهدوء حول الكعبة والحمام الذي يحوم فوق الحرم والأماكن التاريخية التي تشعره بعمق المكان الذي انطلق منه الإسلام، ومن المؤكد أنه لن ينسى تلاوة الشيخ عبدالرحمن السديس إمام الحرم كإحدى هذه الذكريات التي لها وقع إيماني كبير. تهتز لقراءته القلوب، وترتعد الفرائص، وتسيل الدموع.. وتتحرك لخطبته المشاعر، وتقشعر لها الأبدان.. ذو صوت مؤثر يعرفه جيدا كل من زار البيت الحرام بمكةالمكرمة حاجا أو معتمرا، وكأنه أوتي مزمارا من مزامير آل داود يحرك به دموع الفرح في سواكنهم، وينهش أفئدتهم بعبق الذكريات، ومن الصعوبة البالغة إيقاف دمع عينيك الذي سينزل رغما عنك عندما ترى نفسك مخلوقا ضعيفا جدا أمام عظمة الله وجبروته. وُلِدَ الشيخ “عبدالرحمن السديس" إمام وخطيب الحرم المكّي الشريف في “الرياض" عام 1962.. ويرجع نسبه إلى قبيلة “عنزة" المشهورة، من محافظة “البكيرية" بمنطقة “القصيم" بالمملكة العربية السعودية. حفظ القرآن وعمره لم يتجاوز الثانية عشرة، ولم تنخفض تقديراته في جميع مراحله الدراسية عن درجة “ممتاز".. التحق الشيخ السديس بمدرسة المثنى بن حارثة الابتدائية، ثم بمعهد الرياض العلمي، وتخرج فيه عام 1979 بتقدير “ممتاز".. ثم التحق بكلية الشريعة بالرياض، وتخرج فيها عام 1983، وعُين معيداً في قسم “أصول الفقه"، واجتاز المرحلة التمهيدية “المنهجية" بتقدير “ممتاز". وفي عام 1988، حصل على درجة “الماجستير" بتقدير “ممتاز" من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية “قسم أصول الفقه". وحصل على درجة “الدكتوراه" من كلية الشريعة بجامعة أم القرى عام 1995 بتقدير “ممتاز". كان يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من ماي 1984 يوما تاريخيا في حياة الشيخ السديس، حيث أمّ آلاف المصلّين في الحرم المكي لأول مرة في صلاة العصر، أما أول خطبة له على منبر المسجد الحرام فكانت في الخامس عشر من رمضان لنفس العام. ونال “جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم لعام 2005". عُيِّن الشيخ عبدالرحمن السديس رئيسا عاما لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمرتبة وزير بأمر ملكي أصدره خادم الحرمين الشريفين في شهر ماي الماضي. ويقضي الشيخ يومه بشكل اعتيادي حيث يسكن في جنوبمكة وتحديدا في حي العوالي، بين أرفف مكتبته، ومسجده الجامع، فضلا عن محاضراته العلمية التي يلقيها في جامعة أم القرى بين طلابه والناهلين من علمه، كونه يعد من المهتمين علمياً بطرق التدريس والتصنيف، وله العديد من الأبحاث والدراسات والتحقيقات والرسائل المتنوعة في هذا الخصوص. أما الجانب الدعوي لدى الشيخ، فهو لا يتوقف، فقد قام بكثير من الرحلات الدعوية في داخل المملكة وخارجها شملت كثيرا من الدول العربية والأجنبية، وشارك في عدد من الملتقيات والمؤتمرات وافتتاح عدد من المساجد والمراكز الإسلامية في بقاع العالم.