بقدر ما خلّف الإقصاء المر والمبكر للمنتخب الوطني في مغامرته الإفريقية تذمرا كبيرا لدى الجماهير الجزائرية، بقدر ما أفرز عدة حقائق ومعطيات ميزت المرحلة التي أشرف فيها المدرب حليلوزيتش على التشكيلة الوطنية منذ عامين تقريبا. ولا يمكننا تحليل النتائج التي سجلت في عهد هذا المدرب دون الإشارة إلى التغييرات الكبيرة التي أحدثها على المنتخب الوطني، من خلال اعتماده على جيل جديد غابت عنه الوجوه المعروفة التي لعبت كأسي إفريقيا والعالم سنة 2010. إذ في الوقت الذي فضلت بعض العناصر الانسحاب واعتزال اللعب، وجدت فرديات أخرى نفسها في خانة غير المرغوب فيها على منوال زياني، عبدون وجبور، فيما حالت المتاعب الصحية بقية الرعيل السابق دون التواجد مع التشكيلة الحالية للمدرب حليلوزيتش، والنتيجة كانت أن سافر المنتخب الوطني إلى جنوب إفريقيا بلاعب واحد فقط سبق له المشاركة في العرس الإفريقي، وهو حليش الذي ما يزال يفتقد إلى المنافسة. وبالعودة إلى النتائج الفنية التي حققها المنتخب الوطني في عهد المدرب حليلوزيتش، علينا الإشارة إلى أن جلها كانت أمام منتخبات متواضعة على منوال منتخب تانزانيا الذي فرضنا عليه التعادل على أرضه (1 -1) في إطار تصفيات كأس إفريقيا وكذا الفوز على إفريقيا الوسطى (2 - 0) قبل أن نخوض مواجهة فاصلة مع المنتخب الليبي، حيث هزمناه ب (1 - 0) ذهابا وإيابا، وكسبنا ورقة المشاركة في الكأس الإفريقية الحالية، أما بالنسبة لتصفيات كأس العالم، فقد فزنا على رواندا وخسرنا أمام مالي (2 - 1). خيارات المدرب محل جدل واستنادا إلى هذه النتائج، يتبين لنا بأن منتخب حليلوزيتش لم يتم اختباره سوى في لقاء واحد صعب أمام مالي وخسره، فيما حقق فوزا (1 - 0) أمام تونس وخسارة أمام البوسنة (0 - 1) وديا، وكان الجميع ينتظر خرجة الخضر في العرس الإفريقي للوقوف على العمل الذي أنجزه البوسني في ظرف عامين كاملين، ولا داعي هنا للعودة إلى المردود الذي قدمه منتخبنا أمام تونس والطوغو، الذي بقي محل جدل لدى المختصين والصحافة وحتى الجمهور الكروي، إذ في الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن العرض الذي قدمه رفاق حليش يستحق التقدير، يرى البعض أن هناك نقاطا سلبية كثيرة كانت وراء الإقصاء المخزي لمنتخبنا على خلفية خيارات المدرب حليلوزيتش سواء تعلق بالأمر بقائمة ال 23 التي اختارها أو التشكيلة الاساسية التي اعتمد عليها ضد تونس والطوغو، فيما رأى البعض الآخر من الناقمين على المدرب عدم توجيه الدعوة لبعض اللاعبين المخضرمين الذين سبق لهم المشاركة في المغامرة الإفريقية أمثال زياني، مطمور وشاوشي. وفي خضم ردود الفعل العديدة والمتنوعة التي حاولت إيجاد التفسيرات المقنعة للإقصاء المبكر للخضر، لم يتوان حليلوزيتش في الدفاع عن خياراته التي وصفها بالصحيحة، وأنه وظف عدة مقاييس لتحديد القائمة التي رحل بها إلى جنوب إفريقيا. ولا يمكننا الحديث عن الأسماء التي نالت إعجاب المدرب دون التطرق إلى الأسماء العديدة التي استدعاها خلال إشرافه على المنتخب الوطني منذ عامين، حيث جرب العديد من الفرديات المحلية والمحترفة إلى أن اهتدى إلى القائمة التي كان لها شرف الدفاع عن الألوان الوطنية. وإذا عرجنا على التشكيلة الأساسية التي لعبت ضد تونس والطوغو ولم تستطع تسجيل ولا هدف واحد رغم السيطرة التي فرضتها خلال اللقاءين واستحواذها على الكرة في أغلب الفترات، وهو ما طرح العديد من الأسئلة حول العقم الهجومي الذي لازم الخضر. ولا نتحدث عن الخط الأمامي للخضر دون التطرق إلى ما لقيته الخطط التكتيكية للمدرب حليلوزيتش الذي وصف بالتقني الذي يلعب ورقة الهجوم ولا يحبذ اللعب الدفاعي، وهو بالتالي يخالف كثيرا طروحات المدرب السابق للمنتخب الوطني رابح سعدان الذي عرف بميله إلى اللعب الدفاعي والاعتماد فقط على الهجمات المعاكسة، غير أن النزعة الهجومية للمدرب حليلوزيتش لم تجدِ نفعا بعد أن صام مهاجمونا عن التهديف. وإذا تحولنا إلى أسلوب اللعب الذي طبقه منتخبنا خلال اللقاءين، فإننا نجد أن السمة الغالبة كانت الكرات الطويلة التي اعتمد عليها لإيصال الكرة إلى القاطرة الأمامية، وهي طريقة لم يسبق لمنتخبنا أن وظفها طالما وأن الكرة الجزائرية تعتمد على التمريرات القصيرة والتوغل في الوسط وعلى الأطراف. حليلوزيتش استفاد من كل الإمكانات ونحن نتحدث عن النكسة التي ألمت بالكرة الجزائرية ،لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نمر مرور الكرام على الامكانات المادية والبشرية التي وفرتها الفاف للمنتخب الوطني، سواء تعلق الأمر بالظروف الملائمة جدا التي حضّر فيها الفريق أو التشجيعات المادية التي استفاد منها اللاعبون وطاقمهم الفني، ناهيك عن الدعم المطلق الذي لقيه حليلوزيتش من الرئيس محمد روراوة الذي وضع ثقة عمياء فيه واستجاب لكل طلباته، بل وخصّه بمعاملة فريدة من نوعها عندما صرح في إحدى المرات قبيل انطلاق الكأس الإفريقية بأنه سيحتفظ بالتقني البوسني مهما كانت النتائج التي يسجلها، ولسنا ندري اليوم هل سيبقي روراوة على هذه الثقة في المدرب أم سيغير رأيه؟! تصريحات متناقضة للمدرب إذا حاولنا التذكير بالتصريحات التي أدلى بها المدرب حليلوزيتش عندما كان الفريق يجري استعداداته للعرس الإفريقي لوجدناها متناقضة، حيث تراوحت بين التشاؤم والتفاؤل، ولنبدأ بأول هذه التصريحات حيث قيل للرأي العام الكروي بأن روراوة طالب مدربه ببلوغ الدور نصف النهائي وهو الأمر الذي وافق عليه حليلوزيتش في بداية الأمر، لكن سرعان ما تغيرت اللهجة والأهداف مع اقتراب الحدث الإفريقي، حيث فاجأ المدرب عشاق الكرة بالتأكيد على أن خروج الجزائر في الدور الأول لا يعتبر مفاجأة، لأنه لا يملك فريقا قويا يستطيع فرض نفسه أمام أقطاب الكرة الإفريقية. وفي الوقت الذي اقتنع الكل بما ذهب إليه حليلوزيتش من تشاؤم مفرط، عاد مرة أخرى وعبر عن تفاؤله ببلوغ الدور الثاني ونصف النهائي ولما لا النهائي والتتويج بالكأس الإفريقية، وجاء ذلك عقب اللقاءين الوديين اللذين أجراهما الخضر بجنوب إفريقيا. وآخر تصريح أدلى به البوسني كان عقب خروج الخضر من المنافسة، حيث أكد على أنه يتحمل مسؤولية الكارثة وأنه أخطأ الهدف والخطة التي طبقها، ولم يتوان كذلك في توجيه أصابع الاتهام لعناصره. ونكتفي في الأخير بما علل به الانهزامين عندما أكد على أنه لعب بخطة لا تتلاءم مع خصوصيات الكرة الجزائرية، وكذا الأسماء التي يملكها في تشكيلته التي اختارها بكل حرية.. ومسؤولية؟!