تأخر سن الزواج عند المرأة، قهري تفرضه الظروف الاجتماعية والاقتصادية للرجل أم إرادي اختارته المرأة فتغيرت نظرتها بتغير المعطيات، فلم يصبح الرجل مهما في حياتها بقدر أهمية وضعها المالي والاجتماعي الذي يحقق لها ما عجز عن تحقيقه آدم، العيش الكريم، الأمان والاستقرار··· إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي منا الوقوف عند الأسباب الحقيقية للعنوسة، هذه الظاهرة التي تعرف تناميا كبيرا في السنوات الأخيرة. فحسب المعهد الوطني للإحصاء، فإن عالم العنوسة تدخله سنويا حوالي 200 ألف فتاة أي ما يعادل إلى غاية سنة 2008 أكثر من 11 مليون عانس منهن خمسة ملايين فوق سن 35 سنة، كما تحال مليوني فتاة على عنوسة دائمة، اعتبارا أن الشاب إذا بلغ سن 35 فما فوق لا يتزوج بمن تماثله سنا ولكن يتجه إلى الصغيرة التي يتراوح عمرها من 18 إلى 25 سنة· المختصون في هذا المجال يرجعون سبب تأخر سن الزواج أو العنوسة إلى أسباب تقليدية كضعف رواتب الرجال، المغالاة في المهور، الهجرة وتفضيل الزواج بالأجنبية، البطالة، السكن... وهي أسباب -حسب نظرتهم- قديمة لم يعد لها معنى في ظل توفير الدولة للسكن وخلق مناصب شغل· وقد تكون الأسباب إرادية من اختيار المرأة، وهو ما يطلق عليه الباحثون الأسباب الحديثة الناتجة عن تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي دفعت بالمرأة إلى اقتحام عالم الشغل بمختلف قطاعاته، حيث أن اليد العاملة النسوية ارتفعت من 625 ألف عاملة سنة 1996 إلى مليون و400 ألف سنة 2005 لتقارب المليونين سنة .2008 ففي القطاع العام بلغت نسبة النساء الموظفات 49 بالمائة وهي مرشحة للزيادة في السنوات القادمة، قطاع الصحة 54 بالمائة و73 بالمائة من صيادلة الجزائر نساء، القضاء 34 بالمائة، المحاماة 40 بالمائة، الفلاحة 11 بالمائة مما سمح بظهور نساء يملكن مؤسسات في هذا المجال ويعرضن مناصب عمل، بالإضافة إلى تولي المرأة الجزائرية بعض المناصب والوظائف القيادية في الدولة، مع تأكيدات المعهد الوطني للإحصاء، وكذا التحقيق الذي قامت به وزارة الصحة أن نسبة 76 بالمائة من النساء العاملات هن من الجامعيات، حيث أثبتت دراسة تحليلية حول وضعية المرأة في الجزائر أنجزها فرع منظمة ''ابارت'' الألمانية بالجزائر، أن نسبة التأهيل العالي عند النساء العاملات أعلى منه عند الرجال مع ملاحظة أن غالبيتهن عازبات· فانشغال المرأة بالحياة العملية في محاولة منها لإثبات قدراتها وتحقيق ذاتها جعلها تنسى حياتها الشخصية وينصرف تفكيرها عن الزواج والاستقرار· مؤشرات -- 11 مليون عانس في الجزائر -- خمسة ملايين عانس فوق 35 سنة --اليد العاملة النسوية تقدر ب 2 مليون سنة 2008 --76 بالمائة من النساء العاملات جامعيات --49 بالمائة موظفي القطاع العام من النساء شهادات و تصريحات قصد الاقتراب أكثر من هذه الشريحة نزلت ''الجزائر نيوز '' إلى الشارع العاصمي، حيث التقت ببعض العينات منها، فكانت هذه الشهادات··· الآنسة (ل· ف) 40 سنة، دون وظيفة: ظروفي الاجتماعية هي التي أخرت زواجي أنا ماكثة بالبيت، توفيت شقيقتي وتركت لي ثلاثة أطفال، اضطررت للتفرغ لتربيتهم حتى كبروا وأصبحت الآن أفكر في زواجهم ونسيت نفسي، وأؤكد لكم أنني لست نادمة، بل بالعكس لديّ قناعة تامة بأنني أديت واجبي في الحياة بتربية أبناء لم أنجبهم، وهذا هو سندي في الحياة· الآنسة (ج· ي)، 47 سنة، طبيبة: اخترت هذا الوضع عن قناعة إذا كان الزواج هو ضمان وأمان واستقرار، فالحمد لله لديّ سكن وسيارة وراتب محترم يضمن لي الحياة الكريمة بعد تقاعدي، فما هي حاجتي للرجل؟ الآنسة (ص· ن) 35 سنة، موظفة: تجارب زميلاتي الفاشلة في الزواج هي سبب التأخري في الحقيقة، تجارب زميلاتي اللاتي تزوجن أكثر من مرة ليجدن أنفسهن في الشارع ومسؤولات عن عدد من الأطفال، هي التي جعلتني مترددة ومتخوفة من الزواج كلما تقدم شخص لخطبتي، وأنتم تلاحظون اليوم حجم معاناة المرأة المطلقة وعراكها مع الحياة. الآنسة (ي· م) 31 سنة، طالبة سنة أولى ماجستير: أريد ''رجل شيك'' يوقع على بياض أنا أفضّل السعادة وحدي بدلا من الشقاء والتعاسة مع شخص يشركني حياتي وأحيانا مرتبي، وإذا قررت الزواج فلن يكون إلا من رجل غني أو مقيم بالخارج، بلغة العصر رجل شيك يوقع على بياض· الآنسة (ز· ب) 55 سنة، إطار ببنك : أتأسف جدا ولن أسامح أهلي حين كنت في العشرينات من عمري، تقدم الكثيرين لخطبتي، لكن أهلي كانوا يغالون في مهري ويشترطون السكن الخاص والسيارة وأحيانا خادمة بيت، لأنني كنت جميلة جدا، واليوم ذهب الجمال والشباب ولم يعد أحد يتقدم لخطبتي، أتأسف كثيرا، أنا نادمة، والله يسامح أهلي· بالمقابل يرى الرجل ''أن المرأة لا تحبه لشخصه فقط، بل تحب فيه نفسها، فإن كان من أرباب العمل أحبت فيه زينتها ولهوها، وإن كان من أرباب الجمال أحبت فيه رغبتها، وقليلات هن من يتحمّلن ويقدرن الظروف القاسية التي تحاصر الرجل في عصر اختزل فيه مفهوم الزواج في مشروع اقتصادي أساسه المصلحة، فتأخر سن الزواج عند المرأة إرادي، خيار اختارته هي لأنها لم تعد بحاجة إلى استقرار وزواج''. هذا مختصر آراء استقتها ''الجزائر نيوز'' من مجموعة طلبة من كلية علم الإجماع وعلم النفس، بجامعة الجزائر· ومهما تعددت الآراء، فالسبب ليس واحدا، فللحب دور في فرض وجود المرأة وإثبات ذاتها من خلال تربية أبناء وتكوين أسرة، وهي رسالة الحياة، كما جاء على لسان الآنسة (و. ش) 42 سنة، تاجرة ملابس بالجملة، التي قالت لنا ''مهنتي وحبي لها أعاقت زواجي، لكن يبقى الأمل موجود، فرغم وضعيتي المالية الميسورة إلا أن الصحة غير مضمونة والوحدة صعبة، فأنا في أمسّ الحاجة لتكوين أسرة، والحقيقة تقال إن المرأة لا يمكنها الاستغناء عن الرجل والعكس صحيح، لأنها سُنة الحياة، والمرأة التي تقول غير ذلك تحاول أن تداري ضعفها·