تكتب المرأة نصوصها الإبداعية بشكل عام لمجابهة السائد من العادات والتقاليد الباليّة، ولرفض الوظائف التقليدية التي برمجت لها منذ قرون طويلة من الزمن، في سياق منظومة فكرية واجتماعية حدّدت أدوارها الرئيسية في المنزل وحسب، وهي تفعل ذلك لرفض الصورة النمطية التي أفرزتها الثقافة الذكورية البطريركية، وتأمل في أن تساهم نصوصها الوليدة في نقد المنظومات القانونية، السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية. إنها تفعل ذلك من أجل التحرر وإثبات الذات والهوية وتغيير الواقع، وكذا التركيز على مسألة أن المرأة لم تعد موضوعا للخطاب فحسب، بل أصبحت هي الصانعة له أيضا، وبإمكانها وفقا لهذه المكانة أن تلد الأفكار وتغير التاريخ، وتفضح ممارسات الماضي العنصرية، التي استبعدت النساء من حقل النشاط الفكري ومن المسرح الاجتماعي والسياسي، تحت دواع عنصرية وتبريرات مغلوطة. ولكن مسؤولية الكتابة عند المرأة، تتعاظم وتتعقد أكثر عندما يتعلق الأمر بالكتابة الفلسفية، ويصبح الانتقال من الكتابة الفلسفية عن المرأة (والتي كانت على مدى التاريخ الطويل صناعة ذكورية بامتياز) إلى الكتابة الفلسفية للمرأة (حيث تتموقع الكاتبة) مغامرة كبرى محفوفة بالمخاطر والمعوقات والمثبطات، والجدل الواسع المرتهن أساسا إلى التراث الفلسفي الذكوري الذي فرض هيمنة مفاهيمه ومضامين خطاباته وسطوتها على البنى الفكرية منذ الفلسفة اليونانية، مع أفلاطون وأرسطو، إلى الفلسفة الحديثة، وحسم أمر التفلسف للرجال فقط؟ إن إثارة النقاش في مسألة علاقة المرأة بالكتابة بشكل عام، وبالكتابة الفلسفية بشكل خاص، هو محاولة لطرح التحديات الكبرى التي تجابه هذا الفعل الذي يسعى بلا هوادة في سبيل تغيير الصورة السائدة في الذاكرة التاريخية، وفي الوجدان الجماعي ليؤكد مشروعية الانخراط في سؤال الفلسفة الذي يحركه خطاب المرأة في هذا الحقل المعرفي، وكذا لترسيخ فكرة إمكانية إنجاز نصوص تعمل على نقد الخطابات الفلسفية الفائتة، وتصنع في الوقت نفسه فلسفة جديدة عنوانها الرئيسي: نقد النص بغض النظر عن جنسه. فالاهتمام بالخطاب الفلسفي الذي تنتجه المرأة المبدعة، اليوم، ولفت الانتباه إلى جملة من الخطوات التي من شأنها أن تجذر الفعل الفلسفي النسوي في الجزائر وتفتحه على إمكانيات حبلى بالمستقبل، بات، اليوم، أكثر من ملح في ظل التحديات العالمية الجديدة التي تطرحها المرحلة التاريخية، خاصة وأن ثمة كوكبة من الباحثات الأكاديميات يشتغلن في حقل الفلسفة ويبشرن بمستقبل واعد لهذا التخصص في الجزائر. قد لا يكون الحصاد منتظرا على المدى المنظور، ولكن قد يأمل المرء الكثير على المدى البعيد، متى تراكمت التجارب والخبرات، وانضوت تحت مؤسسات علمية، ومجلات متخصصة، ووحدات للبحث في الجامعات والمراكز العلمية، والمعاهد العليا، على أن يلقى هذا المسعى العلمي الثقافي والحضاري الاهتمام والتشجيع المادي والمعنوي. هذا ويعد تفعيل تجاربنا مع خبرات غيرنا مسألة غاية في الأهمية والفائدة، سواء تعلق الأمر بجيراننا في المغرب العربي، أو في الوطن العربي إجمالا، وفي هذا السياق يجب التأكيد أيضا على مسألة أهمية ‘'التثاقف'' / المثاقفة مع التجارب الغربية، ولا ينصب هذا المسعى البتة في كون همومنا الفكرية تحمل المضامين نفسها، جملة وتفصيلا، بل ينصب في إطار استراتيجية للمزيد من التموقع الفعال والجاد، ومن أجل الإلمام بالمستجدات التي تحدث في مباحث الفلسفة وفي منظومات التفكير بشكل عام، في تلك البيئات المختلفة عنا: جغرافيا، دينيا، عقائديا.