في العالم الغربي تشغل حرية المرأة حيزا كبيرا من التفكير، وهم يعتقدون أن مشكلة المرأة وعدم تحررها صادرة بصورة رئيسية من حقيقة عدم حصولها على حقوقها من الرجال الذين يحرمونها هذه الحقوق ويعتبرونها غير مساوية لهم. وقد كان لكتابات الأديبة الفرنسية سيمون دي بوفوار (1908-1986) الأثر البارز في المطالبة بتحرير المرأة وإنعتاقها. وقد رسمت تخوم نظرتها الأخلاقية منذ 1947 “محاولة من أجل أخلاق الإبهام"، حيث نقرأ في الفقرة الخامسة التصريحات الآتية: “لما كان وضع الإنسان مبهما فإننا نجده يسعى إلى إنقاذ وجوده عبر الإخفاق والفضيحة". ومعنى هذا أن كل فعل الغرض منه إنقاذ الوجود هو ثورة، حرية شخصية، تحرير وفضح للأخلاقي، وهذا ما فعلته سيمون، حينما ألفت كتابها “الجنس الثاني" المنشور في فرنسا سنة 1949 وفي و. م. أ 1953، فقد مثل هذا الكتاب فضيحة في نظر الكثيرين، وحاولوا جاهدين تعطيل عمليات بيعه لكن بالرغم من ذلك بيع من الكتاب مليون نسخة في و. م. أ و22000 نسخة في فرنسا منذ الأسبوع الأول. وفيه تفضح أبشع “ضروب الاسترقاق"، استرقاق المرأة. وانطلقت من التساؤل التالي: ماهي المرأة؟ فهي تقول إن الرجل يعتبر جسمه كما لو كان كائنا مستقلا يتصل مع العالم اتصالا حرا خاضعا لإرادته هو، بينما يعتبر جسم المرأة حافلا بالقيود التي تعرقل صاحبته، ألم يقل أفلاطون: الأنثى هي أنثى بسبب نقص في الصفات. إن الإنسانية في عرف الرجل شيء مذكر، فهو يعتبر نفسه يمثل الجنس الإنساني الحقيقي أما المرأة تمثل في عرفه “الجنس الآخر"، وهنا تتساءل سيمون قائلة: كيف تمكن فقط أحد الجنسين من فرض نفسه كجوهر وحيد منكرا وجود كل نسبية تربطه بالآخر معرفا إياه بأنه الآخر؟ وفي هذا، لخصت الأديبة الأسباب التي زعم الباحثون أنها تشكل فوارق تحول بين ما تدعيه المرأة من مساواة مع الرجل، والتي سنشير إليها في نقاط دون الاسترسال في عرض النظريات، أولا أسباب بيولوجية جسمية تتعلق بتركيب المرأة العضوي وأنها أضعف من الرجل وأقل نشاطا هيكلها العظمي أصغر... وهنا تقول لنا سيمون إن جسم المرأة هو أحد العناصر الأساسية من وضعها في هذا العالم إلا أنه لا يكفي وحده لتعريفها. ثانيا مدرسة التحليل النفسي سيڤموند فرويد الذي جاء بنظريته الجنسية من تحليلات استنتجها من شعور المرأة بما تلاقيه من احتقار ذاتي كونها امرأة فافترض أن كل امرأة من ولادتها حتى موتها ترغب بصورة لا شعورية في أن تكون رجلا، وهو ما يسميه بمركب النقص. وفي هذا ترى، سيمون، أنه لا يمكن أيضا تعريفها على أساس الشعور الذي يمتلكها بأنوثتها إنها تشعر بأنوثتها ضمن مجتمع هي أحد أعضائه. ثالثا المادية التاريخية، ترى أن ما يلاحظ من فوارق ليس سوى واقع اجتماعي تاريخي فرضته عوامل متنوعة قد يكون في مقدمتها على ما يقول انجلز العوامل الاقتصادية التي استعبدت المرأة كما استعبدت العبد والعامل، إن الاضطهاد الذي مارسه الذكر ضد المرأة إنما هو حصيلة ونتيجة لتقسيم العمل الذي فرض على المرأة أن تكون مجرد اداة لانجاب الأولاد، لا تنكر، سيمون، أهمية هذه النظرية فشعور المرأة يعكس وضعا يتعلق بالتكوين الاقتصادي للمجتمع، إلا أنها ترى أنه وراء تاريخ الانسانية الاقتصادي يوجد أساس وجودي يسمح وحده بأن نفهم هذا الوضع لذلك هي تقول نحن ندرس المرأة من زاوية وجودية من خلال وضعها الكلي. من هذه الاراء التي أشرنا إليها حول دونية المرأة، اجتهدت سيمون، ضمن كتابها إلى بيان انعدام وجود فدر بيولوجي أو نفسي او اقتصادي يرسم الصورة التي تتبناها المجتمعات عن الأنثى محاولة بذلك نفي وجود طبيعة ما أنثوية ما قبلية تسوغ التفرقة بين الجنسين، وبهذا حوصلت أفكارها “لا نولد نساء ولكننا نصبح كذلك"، فهيمنة الرجال القائمة على أفكار وضعها الرجل ونسب بعضها إلى الطبيعة والعلم والله وإلى آخر ما هنالك من مؤسسات إنما هي كلها من صياغة الرجل وسيادة المجتمع الذكوري، هذا المجتمع اعتبر المرأة دائما موضوعا جنسيا فقط، وهنا تقدم لنا الكاتبة كلمة ساخرة لبرناردشو وهو يصف وضع الزنوج في أمريكا: “الأمريكي الأبيض يهبط بالزنجي إلى مستوى ماسح الأحذية ليستنتج من ذلك أن الزنجي ليس صالحا سوى لمسح هذه الأحذية"، من ذلك تتساءل سيمون كيف يمكن للكائن الانساني في ظروف مثل ظروف المرأة أن يستكمل ذاته؟ ترى أديبتنا هنا، أن وضعية التحرر التي تبحث عنها المرأة مازالت غير مكتملة، وذلك بسبب النظرة للمرأة، كما أوضحنا سابقا، بالإضافة إلى التقاليد التي تتحكم بوضعها، أيضا النساء لايزلن -إلى الآن- في حالة تبعية، فكونهن للرجل عنصر جوهري من عناصر وضعهن، حصر المرأة في العمل المنزلي، استعبادها لوظيفة التناسل، إلى غيره من الأسباب التي تذكرها سيمون، والتي تجعل المرأة في نزاع مستمر من أجل الحصول على حريتها، إلا أن الحرية تستطيع تحطيم هذه القيود تقول سيمون “فلنعط للمرأة مسؤوليات فإنها تنهض بها. ولتحقيق تحررها عليها أن تسعى إلى تحطيم تفوق الرجل بتفوقها والأهم من ذلك أن تحررها رهين بمدى استطاعتها تغيير الصورة التي ينظر بها الرجل إليها (الجنس الآخر) ولخصائصها الجسدية والنفسية، وهذا الدور منوط بالمرأة الكاتبة التي تستطيع التبليغ والتحسيس بوضعية المرأة، ذلك أن الرجل يهيمن عن طريق الكتابة الوظيفية التي تجعله يسيطر على مجالات السلطة والمعرفة، حيث تعتبر اللغة هي فضاءه لفرض سيكولوجية السلطة الذكورية والدور الحقيقي للمرأة الكاتبة هو مدى استطاعتها أن تثور على هذا النسق القيمي المهيمن وتنكر له". هنا يبدو أن سيمون تركز أو تخص في مشروعها تحرير المرأة على المرأة المثقفة والأكثر من ذلك الحاملة لمشروع والتي تختار طريق الثورة وتعمل على تحرير نفسها من خلال استقلالها الاقتصادي فالعمل يستطيع -على حد تعبير كاتبتنا- ضمان حرية واقعية ملموسة وأن تشعر بالنتيجة بمسؤولياتها بواسطة الأموال، ولكنه لا يعني أبدا الحرية ما لم تنتج عنه الأهداف المرغوبة. وتعرف المرأة بالنسبة إلى أديبتنا ككائن إنساني يبحث عن القيم ضمن عالم من القيم، وعليها أن تختار بين رغبة الارتقاء وبين اعتبارها كغرض ومتاع، فهي تختار بين دورها (الجنس الآخر) وبين مطلبها في الحرية. وهي تقول “كل شخص يعمل على تأكيد نفسه تأكيدا فعليا ملموسا من خلال المشاريع والأهداف ولا يحقق حريته إلا بارتقاء مستمر" وهذا معناه أن فلسفة الحرية ليست فلسفة ركود، بل فلسفة فعل. بذلك نظرت سيمون إلى قضايا المرأة من زاوية مختلفة وخارج إطار الأمومة ومكانة المرأة الاجتماعية كأم تقول الزواج والأمومة مؤسستان فرضتا على المرأة للحد من حريتها، ونادت بحق المرأة في الخصوبة وحقها في الاجهاض، رافضة كل الاعتبارات التي من شأنها تكريس النظرة الدونية للمرأة. وطالبت بحرية المرأة الجنسية وحق تمتعها اللامشروط بشهواتها. في الأخير، يبدو أن طرح، سيمون، لقضية حرية المرأة فشل في تحقيق أي سعادة حقيقية تذكر للمرأة، بل على العكس دفعها إلى أقبح حالات النقص وهي محاولة تجاوز واقعه التكويني ومهماته، والواقع أن الأوروبيات غير سعيدات بالحرية التي حصلن عليها حتى أن دي بوفوار تقول إن “النساء اللواتي يألفن الحريم أسعد من النساء العصريات اللواتي يتمتعن بحق الانتخاب".