الحديث عن الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار في شهر مارس له مذاق مختلف، ليس لأن النساء يحتفلن في هذا الشهر بيوم خاص بهن، بات ربما يومهن الوحيد في السنة؟ وقد يكون أسوأ أيام العمر المحسوبة عنهن؟ وإنما لأن هذا الشهر دونا عن أشهر السنة الباقية يشعرك بأن الحياة تخلق فيه وبشكل مختلف، فبعد أشهر طويلة من كآبة الخريف وقسوة الشتاء تزهر الورود مرة أخرى وتعلن عن عودة الصفاء مجددا وتلتحم الكائنات فيه بشكل رهيب، شكل لا يمكن إلا أن يكون إعلانا حقيقيا عن استمرار الحياة بمجذافين لا يمكن الاستغناء عن أحدهما هما ''الأنثى والذكر''، هذا الثنائي الذي كثيرا ما يشتكي من بعضه، لكنه يرفض الانفصال، دي بوفوار في العام 1949 نشرت أشهر كتبها ''الجنس الثاني''، الذي تذكر الزميلة حنان بن موسى تفاصيله في مقالها في ملف الأثر لهذا الأسبوع، هذا الكتاب الذي كان صادما في ذلك الوقت للمجتمعات، حول نظرتها للمرأة وعلاقتها بالرجل وتسلّطه عليها والدور الذي يلعبه في مختلف السياقات لتتحول ''الأنثى'' إلى ما يصبح يعرف لاحقا بالمرأة، هذا التحول الذي كثيرا ما يجني عليها وخصوصا على حريتها التي هي المعنى الحقيقي لكل كائن في نظر كاتبة وجودية كسيمون، الغريب أن هذه المناضلة النسوية التي كانت تبحث دائما عن هوية للمرأة بعيدا عن تأثير الرجل، لم تنطلق من الصراع لأخذ الاعتراف بالوجود، لأنها عاشت واحدة من العلاقات النادرة والأكثر استقرارا مع الجنس الآخر، من خلال ارتباطها لسنين طويلة بالفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر الذي ودعت علاقتها به من خلال كتاب ''وداعا سارتر''، الذي اعترفت فيه ''كنت أشعر كأنني النصف الذي يكمل النصف الآخر، أخذت منه وأخذ مني'' وربما من هنا جاءت أفكار سيمون الثائرة على قهر الرجل، لأنها ذاقت التكامل معه، ولذلك على كل نساء العالم التنازل عن يوم الثامن مارس والبحث عن سارترهن لاكتشاف قوة الحياة.