أكد محمد شريف إيلمان، إطار سابق في البنك المركزي الجزائري وأستاذ اقتصاد حاليا، أنه من 1969 إلى 2012 لم يبق من قيمة الدينار الجزائري سوى 5%، وقال في ندوة ب “المجاهد"، صبيحة البارحة، أن الحلول السياسية لن تقاوم تقلبات الأوضاع الاقتصادية داخليا وخارجيا. زميله عبد الرحمن عمور، قال إن الجزائر استرجعت سيادتها على عملتها الوطنية سنتين بعد الاستقلال، أي في أفريل 1964. إستعرض، إيلمان محمد شريف، المحافظ بالنيابة في البنك الجزائري سابقا، في مداخلته بعنوان “النظام المصرفي في الجزائر 62-2012"، احتضنها منتدى “المجاهد" بمناسبة الذكرى ال 49 لإنشاء العملة الجزائرية، أن التغيرات الجذرية التي مست العملة الوطنية، ومن خلال القطاع الاقتصادي الذي عرف مرحلة التأسيس في فترة 62-72 والتي عرفت تأميم قطاعات سيادية، أبرزها المناجم والبنوك (1966)، وإنشاء مؤسسات عمومية، إضافة إلى وضع مخطط للتسيير الموجه مركزيا. علما أنه بعد الاستقلال كان يجب حصر المال العام ضمن سياسية تسيير مركزية، ففي سنة 62-63 كانت المالية الجزائرية قائمة على معطيات اقتصادية جد هشة، كان عليها قبل كل شيء تلبية حاجات مجتمع خرج توا من سنوات طويلة من الاستعمار وقرن ونيف من الحرمان. يرى، إيلمان، أنه في هذه المرحلة، كانت الدولة تمول الاستثمارات وتمنح القروض الخارجية بنسبة 100 % ما مكنها من مراقبة كل الأموال المخصصة للمشاريع المسطرة. إلا أن الحمل الملقى على عاتق المؤسسات، أثقل كاهلها، بالنظر إلى المسؤولية الموكلة إليها، والمتمثلة في مساعدة الجماعات المحلية على النهوض بحالها. بدأت المرحلة الثانية من تطور النظام المصرفي الجزائري، حسب المحافظ بالنيابة، من الإصلاح المالي لسنة 1971، حيث أصبح القطاع المالي الجزائري يتميز بالتمركز، هيمنة دور الخزينة، التخصص الوهمي للبنوك التجارية. ضمن هذا الإطار تم إرساء القواعد الأساسية لتمويل قطاع الإنتاج، حيث أصبحت الخزينة تلعب دورا أساسيا في هذا المجال، وأصبح هناك اعتماد كلي عليها، إذ تتكفل بتحديد مصادر تمويل مختلف الاستثمارات المخططة. أما المرحلة الثالثة فتخص إصلاحات سنتي 1986 و1990. وليختصر كل هذه المراحل، خلص، إيلمان، إلى نتيجة مفادها: “إن البنك المركزي أصبح، اليوم، يصدر نقودا دون أن يراقبها"، بعدما تغيرت “وظائفه بين القطاع العمومي والخاص"، حيث يعمل كل واحد على نظامين مختلفين. ويذهب إيلمان بعيدا في ردوده بالقول: “الدينار الجزائري تراجع عندما تراجعت قدرتنا على إنتاج السلع والخدمات"، مؤكدا في السياق ذاته، أنه “لا داعي للاعتماد على الحلول السياسية" وأن الايمان في نجاعتها “خطأ" كبير، تماما كما الاعتقاد بأن “البترول يمكن أن يساعد الدينار على استرجاع مكانته". وبلغة الأرقام يوضح، أستاذ الاقتصاد، بقوله: “من 1969 إلى 2012 لم يبق من قيمة الدينار الجزائري سوى 5 % أي أنه فقد 95 % من قيمته المكتسبة سنة 64". عبد الرحمن عمور: “بن بلة اختار الدينار بدل الدرهم" عاد عمور (إطار سابق بالبنك المركزي)، إلى تاريخ إنشاء العملة الجزائرية، بمناسبة مرور 49 عاما على تحولها من الفرنك الفرنسي إلى الدينار الجزائري. قال إن الجزائر استغرقت سنتين كاملتين لتفصل في عملتها السيادية، أي منذ جويلية 62 إلى غاية 10 أفريل 1964: “كان لزاما علينا أن نثبت لفرنسا أن الجزائر مستقلة تماما وأنه بعد استرجاع السيادة على الأرض والثروات يجب أن تكون لنا عملتنا النقدية التي كان يتعامل بها الأمير عبد القادر تحت اسم النقود المحمدية". أول خطوة إجرائية قامت بها السلطة انذاك، حسب عمور، هي “إنشاء البنك المركزي الجزائري في 13 ديسمبر 1962، من مهامه إصدار الأوراق النقدية، شراء وبيع الذهب والعملة الصعبة، تسيير احتياطي الصرف". كان على رأس هذه المؤسسة، صغير مصطفاي، وحوله عدد من الإطارات تناقشوا حول اسم العملة الدرهم أم الدينار؟ قبل أن يفصل لصالح الدينار: “كان قرارا سياديا اتخذته أعلى السلطات في الدولة انذاك، وكنا مجرد منفذين على مستوى البنك المركزي"، يوضح عمور، قبل أن يخبرنا بأن “بن بلة هو الذي فصل في النقاش بين الجماعتين"، علما أن الدرهم والدينار أصلهما يوناني للأول وروماني للثاني، وكلاهما وردا في القرآن الكريم، وقد قدرت قيمة الدينار ب 18 غرام من الذهب وهي قيمة مساوية للفرنك الفرنسى آنذاك. وعلى ضوء قيمة الفرنك الفرنسي، تقرر إصدار أوراق 100 دج - 50 دج - 10 دج و5 دج، إلا أن مشكلة تصميم وتصوير (ماكيت) العملة واجهت إطارات البنك المركزي، لما تستغرقه من وقت، وكذا النقش الذي كلف 6 أشهر من الزمن وعليه يروي عمور: “عملنا على النقوش التي تركتها فرنسا الاستعمارية لنختصر الوقت"، وبتعبير آخر: “النقود التي أصدرت في أفريل 64 كان أصلها استعماري". إسياخم... كان الأفضل دائما اسياخم محمد، اسم ارتبط بالعملة الجزائرية أيضا، وكان الفنان الذي قبل أن يتعامل مع البنك المركزي الجزائري، ويمتثل للإجراءات التقنية والفنية المطلوبة منه، يقول لنا عمور: “اقترحنا المشروع على أكثر من فنان معروف انذاك، على غرار يلس واسياخم، إلا أن الأول رفض أن نتدخل في طريقته التعبيرية، أي في الرسم الذي سنطبعه على الورق النقدي، فرفض، بينما وجدنا في اسياخم كرم الإصغاء وحسن التعامل، ولم ينزعج من التعامل معنا بصفتنا مؤسسة بنكية بالدرجة الأولى... إسياخم كان الأفضل دائما". الجزائر أول بلد عربي وإفريقي يطبع عملته يؤكد عمور، أن وضع العالم خلال الحربين العالميتين لعب دورا لصالح الجزائر، ليكون لها مطبعة نقود، بعد أن تعذر على فرنسا حماية مطبعتها في قلب باريس، عقب غارات ألمانية النازية حينذاك: “نقلت المطبعة المتطورة إلى الجزائر، لأنها مكان آمن في فترة 1925-1930، مقرها رويسو، إلا إنها كانت تشغل الفرنسيين فقط"، ويضيف: “بعد استرجاعها عند الاستقلال كنا نطبع من 50 إلى 60 ألف ورقة في اليوم"، وأشار إلى أن الجزائر هي “البلد العربي الأول والافريقي الذي طبع عملته النقدية"، متقدمة بذلك على مصر ودول الجوار المغرب وتونس، وقد ساعدت في طباعة عملات أخرى فيما بعد، على غرار العملة الموريتانية والغينية.