ما الجديد في الثورات العربية الراهنة؟! عندما انطلقت حركة كفاية بمصر التي كانت بمثابة المقدمة الفكرية والسياسية للثورة المصرية، بدت مختلفة عما سبقها من حركات احتجاجية في بلد نجيب محفوظ، لقد أرادت أن تكون خارج الإطار التقليدي للمعارضات والاحتجاجات الشعبية عندما لم ينخرط نشاطها ضمن الرؤية الحزبية، وضمن قداسة الزعيم أو البطل الشعبي، لقد أصرت هذه الحركة على أن تكون حركة جامعة لكل الحساسيات الثقافية والسياسية وفي الوقت ذاته متخلية عن هويات هذه الحساسيات، وكانت الأرضية التي تأسست عليها مطالبها، أرضية مرنة، حيوية ركزت أهدافها أساسا، في قطع الطريق أمام التوريث الذي كان يسعى إليه نظام مبارك لأن يتحول إلى تقليد سياسي، بعد أن نجح حافظ الأسد في تأسيسه بسوريا عندما تسلم ابنه بشار الأسد السلطة بمساعدة الحرس القديم.. وبالرغم أن حركة كفاية تعرضت إلى القمع، فلقد تمكت من خلق حالة ثورية من طراز جديد عندما فتحت الطريق أمام جيل جديد من الشباب الذين أبدعوا أشكالا جديدة ونوعية من من النضال في سبيل الحرية، وكان هذا الجيل حاملا لمشروع غير إيديولوجي تقليدي ولخطاب سياسي جديد استند إلى وسائل الاتصال الجديدة من حيث نشر الوعي والتجنيد في صفوف فئات الشبان والطبقة الوسطى من المتعلمين والنشطاء الاجتماعيين والثقافيين.. بحيث انتفى الموروث التقليدي في الزعامة وفي أسلوب المطالبة والاحتجاج.. وكان الأمر كذلك لما حدث في تونس.. فلقد كانت حادثة البوعزيزي بمثابة الشرارة التي أطلقت ثورة مدنية ضد نظام وأسرة بن علي، وكانت قوتها التاريخية هذا الجيل الجديد من الكوادر والمثقفين والمتعلمين من الطبقة الوسطى.. وهو ما جعل هذا النموذج الجديد مثيرا للتساؤلات لدى عدد من النضاليين التقليديين العرب، لكن أيضا في أوساط الدوائر الاعلامية والسياسية الغربية التي أربكها هذا الحراك غير المنتظر.. من قبل المراقبين التقليديين للعالم العربي ومن قبل خبراء الثينك ثانك في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا.. لكن هذه الدهشة التي أحدثتها هذه الحركة العربية الجديدة سرعان ما أثارت تساؤلات من نوع آخر حول أصالتها وقوتها ومستقبلها بعد أن أدت على أرض الواقع إلى نتائج معاكسة، تمثلت بلجوء المجتمع العربي بدول الربيع العربي في صعود الإسلاميين إلى السلطة.. ولقد كان لذلك جانبا سلبيا على تلك الحماسة التي أشعلتها هذه الثورات وعلى ذلك التفاؤل الذي جعل عديد المثقفين العرب يشككون في أدوات تحليلهم ومساراتهم النضالية.. وما عمق مثل هذا التشاؤم هو المثال السوري الذي تحول إلى حجر عثرة أمام انتصار التفاؤل بالثورات العربية.. إذن هل نحن أمام وهم أم أمام لحظة جديدة ليس من السهل أن تتضح ملامحها بحكم تجند القوى المحافظة التي استيقظت من أثار الصدمة التي أحدثتها ثورة مصر، وثورة تونس؟! يتقاسم الساحة العربية اليوم، اتجاهان، اتجاه ينظر إلى هذه الثورات التي دخلت في لحظة حرجة وعسيرة على أنها مخطط مسبق غايته التآمر على مستقبل الشعوب العربية، ومن بين ممثلي هذا الاتجاه، اليسار الستاليني والمتحجر الذي أصبح بحكم إخفاقاته حليفا للمحافظين الرافضين لكل تغيير جذري للبنيات والآليات والثقافات المهيمنة، والإسلام الشيعي المتحالف مع الأنظمة التسلطية التي كانت في السابق ممثلة لحركات التحرر العربي والإسلامي المعادي للتوجهات الهيمنية الغربية، واتجاه منقسم على ذاته، يرى في عملية التغيير ضرورة تاريخية، لكن هذا الاتجاه يفتقد إلى حلفاء موضوعيين أقوياء، مما يجعله يقدم تنازلات لذات القوى الغربية التي ساندت وأبقت لعقود رموز الحكم التسلطي في المنطقة العربية تماشيا مع مصالحها.. وبين التشاؤم والتفاؤل، وبين مشروع الأمل والإحباطات المولدة للمخاوف والشكوك، تبقى المعركة النقدية والفكرية على الجبهة الثقافية الضامن الحقيقي لاجتياز هذه الثورات مرحلتها الأولى واختراق الحدود القائمة لكسب ميزان القوة على أكثر من صعيد وذلك من أجل الدخول إلى مرحلة أكثر جدة وإبداعا..