البويرة: عرض مسرحية حول حياة الفنان صالح سعداوي بامشداله    غضب جماهيري في سطيف وشباب بلوزداد يكمل عقد المتأهلين..مفاجآت مدوية في كأس الجزائر    اجتماع تنسيقي حول بطولة المدارس الإفريقية لكرة القدم    مولودية الجزائر : بن يحيى يجهز خطة الإطاحة بأورلاندو بيراتس    الجزائر- قطر: التوقيع على الاتفاقية النهائية للمشروع المتكامل لانتاج الحليب المجفف    الإذاعة الجزائرية.. زخم ثقافي وفني وفكري في رمضان    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    الاحتلال يخطط لتفكيك مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم : استشهاد 174 امرأة و322 طفلا في غزة خلال 8 أيام    قيادة الدرك الوطني : مخطط أمني وقائي خاص بعيد الفطر    مؤسسة "نات كوم" بالعاصمة: تسخير 4200 عون و355 شاحنة خلال أيام عيد الفطر    المنيعة.. ربط أزيد من 13 حيا سكنيا بشبكتي الكهرباء والغاز    منظمات حقوقية: على فرنسا التوقف فورا عن ترحيل الجزائريين بطريقة غير قانونية    وزارة الشؤون الخارجية : نائب القنصل العام المغربي بوهران شخص غير مرغوبا في الجزائر    العيد ربيقة: الجزائر تشق طريق الانتصارات بقيادة الرئيس تبون    المجلس الأعلى للشباب : اجتماع تقييمي حول مدى تجسيد برنامج قطاع الشباب    المجلس الوطني لحقوق الانسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالجزائر : اتفاقية تعاون لدعم إنشاء الشبكة الوطنية للنساء الوسيطات    توجيهات وزير الصحة لمدراء القطاع : ضمان الجاهزية القصوى للمرافق الصحية خلال أيام عيد الفطر    تمنراست: جثمان عضو مجلس الأمة عبد الله مسك يوارى الثرى بمقبرة قرية تبيربيرت    سكيكدة : استحداث وحدة خاصة بجراحة الأسنان لفائدة أطفال التوحد و التريزوميا 21 و غير المتكيفين ذهنيا    المغرب : مظاهرات في عدة مدن للمطالبة بوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني    البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية ونصرة الشعب الفلسطيني    رئيس مجلس الأمة يعزي في وفاة الفنان حمزة فيغولي    تعليمات صارمة للرؤساء المديرين العامين للموانئ لتسريع معالجة حمولات البواخر    مسابقة تاج القرآن الكريم: اختتام الطبعة ال14 بتتويج الفائزين    فلسطين تطالب الأمم المتحدة بالتحرك لوقف الإبادة الصهيونية في غزة    حملة تحريض منظّمة ضد المقاومة في غزّة..    تنظيم حفل ختان جماعي    الجيش الوطني يواصل دحر الإرهاب    البطاقة الذهبية ستتحوّل إلى كلاسيكية    دعوة إلى الالتزام الصارم بالمداومة    عمورة ثاني أفضل هدّاف بعد صلاح    الجزائر تُكرّم حفظة القرآن    حشيشي يتفقد الوحدات الإنتاجية    وزارة التربية تتحرّك..    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    أوقفوا العُدوان على غزّة..    إطلاق أول ناد يهتم بصحة الشباب ومحاربة المخدرات    تكريم المتفوّقين في المسابقة لحفظ وتجويد القرآن الكريم    مخزون كبير في المواد الغذائية    صور من الغث والسمين    عمق العلاقات الزوجية وصراعاتها في ظل ضغوط المجتمع    تتويج فريق القناة السادسة بالطبعة الرابعة    خالدي وبن معزوز يمنحان تأهلا سهلا ل"سوسطارة"    إبراز دور القيم المهنية للصحافة في الدفاع عن الوطن    تسويق 238 ألف كيلوغرام من اللحوم المستوردة    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    وفاة شخص بصعقة كهربائية    حجز أكثر من 160 كلغ من الأسماك الفاسدة    "سوناطراك" فاعل رئيسي في صناعة الغاز عالميا    أعيادنا بين العادة والعبادة    خطة عمل مشتركة لرقمنة قطاع الفلاحة    إرث جمال مناد سيظل خالدا في الذاكرة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    كأس الجزائر: تأهل اتحاد الجزائر ومولودية البيض إلى الدور نصف النهائي    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيّتها الثورة.. ماذا بعد قطع رأس الملك؟
نشر في الخبر يوم 09 - 11 - 2012

نستطيع أن نقرأ الانتفاضات العربية الأخيرة باعتبارها إنجازا سياسيا في المقام الأوَّل، أتاح الإطاحة بأنظمة حكم فاسدة ومستبدّة وتابعة لم تحقّق التنمية الشاملة، ولم تحترم حقوق الإنسان ولم تصن الاستقلال الوطني بكل أوجهه.
لقد كانت- بمعنى ما- انقلابات مدنية شرعية جسَّدت حنق الشعوب العربية على فشل الأنظمة التي ولدتها حركات التحرير الوطني والانقلابات العسكرية؛ وقادت بلداننا، منذ عقود، على هدى بوصلة البناء الوطني وتحقيق الوحدة والتنمية. ولكننا نعرف أن الرُبَّان العربيّ لم يعد بإمكانه أن يمسحَ الصدأ عن بوصلته فاقدة الصلاحية، في مُحيط العالم الذي شهد تغيّرات جذرية على جميع المُستويات، منذ بزوغ فجر العولمة؛ ولم يعُد بإمكانه أن يلهجَ بالخلاص التاريخيّ لأمتنا من العطب الحضاريّ، ومن حضور هيمنة الآخر الإمبريالي على مصائرنا. فلم تكن إطلالتنا على العالم المُعاصر دخولا في التاريخ وانسلاخا عن نظام المعنى المُفارق للزمنية والتغيّر والصيرورة. لم تكن إطلالتنا اكتشافا لمركزية الناسوت ورعب التاريخ وقد أفاق على خواء السماء الآفلة وسردياتها الخلاصية القديمة. وفي كلمة، لم تكن ولادتنا الحديثة طبيعية بل ولادة قيصرية، وتمّ الزجُّ بنا في أتون تجربة المغامرة التاريخية ولم نمتلك أبجدياتها العقلية والإنسانية.
قد نتفقُ على كون السلطة ليست شخص الحاكم. ورُبما أتيحَ لنا أن نُقدّر بصيرة ميشال فوكو وهو يعلمنا ضرورة التفكير حول السلطة بمعزل عن شخص الملك. ولكنَّ الفكرَ العربيّ ظلّ مسكونا بهاجس التغيير الانقلابيّ، ولم يلتفت إلى الأسُس التي ظلّت تغذّي كلَّ أشكال التسلّط والقمع في تاريخنا. إذ كنّا- في أحسن الأحوال- نحمّلُ النخب الحاكمة، أو الطبقات المسيطرة أو الغرب الإمبريالي، مسؤولية فشلنا في دخول العصر والارتقاء بالإنسان العربيّ. قد يكونُ ذلك من الأسباب المؤكّدة لكبْوتنا الحضارية؛ ولكننا لم نلتفت بصورة جدّية، أيضا، إلى البنيات الفكريّة الماضوية المضمرة، وإلى سطوة تاريخنا الباطنيّ وهُو يُعيدُ إنتاجَ نفسه إلى ما لا نهاية، عبر نظامنا الاجتماعيّ البطريركيّ وعبر زمننا الثقافيّ الرّاكد. لم نلتفت بما فيه الكفاية إلى ضرورة اجتراح آفاق النقد الثقافيّ لذاتنا التاريخيّة المنهكة، وإنّما ظللنا نعتصمُ بالحديث عن الهوية المُهدّدة، وعن مخاطر الطريق إلى الحداثة. لقد ظلَّ أولادُ حارتنا يلهجون دومًا بذكر ''الجبلاوي'' وينتظرون رجعتهُ المُظفرة. وها هي الثورات العربية الأخيرة تطرحُ علينا أسئلة كثيرة، بعد أن احتفينا بها ورأينا فيها خلاصا من سلطة الوصاية والاستبداد في شكله السياسيِّ المُباشر؛ وبعدَ أن رأينا فيها إيذانا بمقدم عهد الديمقراطية والتعدّدية ونهاية عهد الأحادية والقهر. وها نحنُ نُسارعُ إلى الاحتكام لصناديق الاقتراع كي نُعجِّلَ بميلاد نظام حياتنا الديمقراطي الحديث. كأنَّ الديمقراطية لعبة انتخابية، أو كأنها شكلٌ فارغ دون مضمون ثقافيّ وإنساني وفلسفيّ قدِّر له أن يُدشّنَ ميلاد زمن مركزية الإنسان ومرجعيته السياسية والأخلاقية خارج وصاية المقدّس الدِّيني التقليدي. كأنَّ الديمقراطية- بمفهومها الشامل والعميق- يُمكنها أن تزدهرَ في ''مدينة الله''، وتحت رقابة الجبلاوي ومُؤسَّساته العتيقة. كأنَّ الديمقراطية ستُولدُ مع قطع رأس الملك، لا بعدَ انتصار الروح التنويريّة في الفضاء السوسيو- تاريخيّ.
فهل كانت ثوراتنا تتويجا لمسار نضاليّ وتقدّم معرفيّ ورغبة في النقد الذاتيّ لمُجتمع لم يعُد مُؤسَّسة تكفلُ لأبنائها جميعًا الحياة الكريمة الحُرَّة؟ هل كانت ثوراتنا، فعلا، نشدانا للديمقراطية بوصفها نظامَ عمل مُجتمع يقومُ على مركزية الإنسان والمُساواة الحقوقية بين الأفراد، بعيدًا عن أشكال العصبيّات والانتماءات الطائفيَّة والمذهبيَّة السَّائدة؟ هل كانت ثوراتنا مُحاولة في تأسيس ''عقد اجتماعيّ'' جديد يتجاوز منطق العلاقات القائمة عندنا، إلى اليوم، بين ''الرَّاعي والرَّعية''؟ وما تفسيرُنا لنوستالجيا العودة إلى البدايات، ورفض منطق الأنسنة والتقدّم، من خلال الحلم بنموذج الخلافة القروسطي والرغبة في ''تطبيق الشريعة''؟ ما تفسيرُ ذلك الحنينَ الذي لا ينتهي إلى ''تطبيق الشريعة''- عند من ينتفضُ ضدَّ نظام الحكم العربيّ- سوى بوصفه ردَّ فعل المُجتمع التقليديّ/الذكوريّ على تحديث متوحّش لم ينجح في بناء مُجتمع المُساواة الحديث على أنقاض مُجتمع الفحولة والوصاية والإخضاع؟ ثمَّ كيف يُمكننا أن نفهمَ ''ثورة'' تُطالبُ بالرّجوع إلى ما قبل الحداثة الحقوقيّة والسياسية؟ كيف يُمكننا أن نكونَ ثوَّارًا ونحنُ لم نُنجز، بعدُ، ثورتنا الثقافيَّة والفكرية/النقدية لموروثنا، من خلال نقد الذات ومُراجعة نظام عمل ثقافتنا، التي لم تعُد على موعدٍ مع التاريخ؟ هل يُمكنُ أن يكونَ ديمقراطيّا من لا تكونُ مرجعية حقوق البشر- بمعزل عن انتماءاتهم الدينيّة- في قلب نضاله ومُمارساته السياسيَّة؟
نقولُ هذا ونحنُ نشهدُ عودة الإسلاميّين إلى ساحة العمل السياسيِّ في البلدان العربيَّة المنتفضة، من خلال صناديق الاقتراع. هذا ما يدعونا، بإلحاح، إلى مُراجعة مصائر انتفاضاتنا الشعبية، التي لم تكن محصّنة جيدا ضدَّ إمكان سقوطها في حلم الأصوليّة والشمولية. لقد هلَّلنا لقطع رأس الملك قبل أن نشهدَ ميلادَ حركة النقد الجذريِّ الشامل للثقافة العربيَّة والمُجتمع العربيِّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.