تحدث وزير الصيد البحري والموارد الصيدية، سيد أحمد فروخي، في هذا الحوار، الذي خص به “الجزائر نيوز"، عن المشاكل التي يعاني منها قطاعه، كما قدم شروحات بشأن عدد من الملفات من بينها مسح ديون الصيادين وارتفاع سعر السردين وقضية حرمان الجزائر من حصتها من التونة والتجميد المفروض على استغلال المرجان منذ أكثر من عشر سنوات.. سعر السردين الجيد وصل نهاية هذا الأسبوع، إلى 400 دينار، في حين كان في بداية شهر ماي ب 350 دينار. الإشكالية في هذه المسألة هي إلى متى سنبقى نتعامل مع هذه المادة الغذائية على أنها ليست موردا اقتصاديا؟ لأن أي ثروة تستدعي أن يتبع منتوجها القواعد الاقتصادية لطرحه في السوق، وسعر هذه المادة يعبر عن مختلف المراحل التي يمر بها المنتوج منذ استخراجه من البحر إلى غاية تسويقه ووصوله إلى المستهلك، كما أنه يتحكم في كل هذه المراحل عدة متعاملين كل يبحث عن هامش ربحه طبعا، بالإضافة إلى أنه منتوج فصلي مرتبط بعدة عوامل، وهذا ما يجعل سعره يختلف من فترة إلى أخرى. ومن العوامل المؤثرة في عملية توفيرالأسماك في السوق الوطنية الظروف المناخية، لا سيما في فصل الشتاء، حيث يخاطر الصيادون بأرواحهم في ظل افتقار الجزائر لسفن حديثة التقنيات وهذه العوامل تضاف إلى العوامل الاجتماعية التي يطالب الصيادون -كما تعرفون- بتحسينها منذ سنوات. المعدل الوطني يختلف من منطقة إلى أخرى، حسب قربها من الساحل، لكن عموما المعدل الوطني يتراوح ما بين 4 إلى 5 كلغ سنويا للجزائري، أما في المناطق الساحلية فيصل إلى 10 كلغ، وهو ما يمثل ضعف ما يستهلكه المواطن في المناطق الداخلية، والأمر راجع إلى عدة عوامل منها مشكل التسويق والتوزيع، بالإضافة إلى غياب ثقافة استهلاك المواد السمكية لدى سكان هذه المناطق بالرغم من أهمية فوائدها الصحية، علما أن المعدل الدولي لاستهلاك الأسماك يقدر ب 6 كلغ، وفي الجزائر تم تجاوز هذا المعدل في بعض المناطق إلا أن هذا يستدعي بذل المزيد من الجهود للوصول إلى المعدل العالمي. وبالمقارنة بدول مثل اليابان وأمريكا في مجال استهلاك البروتينات الحيوانية بمختلف مصادرها تصل الكمية إلى 100 كلغ سنويا لكل مواطن، ففي اليابان تشكل البروتينات ذات المصدر السمكي نسبة 70 بالمائة من هذا المعدل، أما بالنسبة لبلادنا فإن 20 بالمائة من البروتينات الحيوانية مصدرها الأسماك، فيما يصل حجم الاستهلاك الوطني سنويا من اللحوم البيضاء إلى 450 ألف طن، و800 ألف طن من اللحوم الحمراء. وبالنسبة لدول حوض المتوسط، فالمعدل هو 17 كلغ، علما أن دول مثل إيطاليا وفرنسا تلجأ إلى استيراد 500 ألف طن سنويا لكل بلد لتغطية استهلاكها الوطني، وفي الجزائر يتم استيراد 30 ألف طن فقط، أما الإنتاج الوطني للثروة السمكية فيقدر ب 125 ألف طن سنويا. وأشير هنا إلى أنه وبالمقارنة بالقدرة الإنتاجية لكل بلد في حوض المتوسط، تعتبر الجزائر من بين الدول الأولى المنتجة للسردين بثلث الكمية المنتجة من قبل دول المتوسط. وأحب أن أضيف هنا أن التوجه العام في الدول المتقدمة هو انتهاجها سياسة تقليص اليد العاملة في القطاع وتعويضها بسفن صيد عصرية لكن في الجزائر فإن الخيارات الوطنية تتجه نحو الحفاظ على اليد العاملة لضمان الاستقرار الاجتماعي وهو ما انعكس على أسعار المنتوجات السمكية. نعم، هناك عدة إشكاليات مطروحة في القطاع، ونحن بصدد معالجتها في إطار خارطة طريق، وطلبنا دعما للقطاع في إطار آليات دعم الدولة مثل “الأونساج"، حيث تم قبول أكثر من 2000 مشروع واستفاد 50 بالمائة منهم من الدعم ونجحوا في مشاريعهم والبقية ما زالت في فترة إتمام المشاريع المرتبطة بطبيعة المهنة التي يقل إنتاجها في فصل دون آخر. في سنة 2008، عرف القطاع تراجعا في القدرة الإنتاجية لكن، اليوم، عرف حالة من الاستقرار بعد مرور عامين أو ثلاثة على فترة تجدد الثروة السمكية في البحر المتوسط المعروف بخضوعه لمناخ متوسطي أطلنتي. بالنسبة للديون، هناك عدد من المتعاملين طالبوا بجدولة زمنية لتسديدها، ونحن حاولنا إدراج خصوصيات القطاع وأخذ طبيعة المهنة ضمن إجراءات دراسة الملف من قبل الحكومة، وهناك عدد آخر استغل دعم القطاع للحصول على قروض باسمه ولحسن الحظ، فإن عددهم قليل يقدر بنسبة ب 20 بالمائة من إجمالي المستفيدين، كما أنه لا يمكن إغفال الذين استفادوا من قروض ولم يسعفهم الحظ في إنجاح المشاريع، وسنعمل على إدراجهم ضمن المستفيدين من صندوق التضامن الخاص بالمخاطر الناجمة عن المشاريع، علما أن هذه القروض الممنوحة مكنت من تجديد 300 سفينة صيد. عالجنا المشكل في شهر نوفمبر الماضي، في اجتماع حضّرنا له جيدا، حيث كنا قبل ذلك في وضع غير مريح، بسبب الصعوبات التي واجهتها الجزائر وأدت إلى سحب كل “كوطتها"، ولم نتمكن إلا في 2011 من أخذ حصتنا من الصيد الذي توقف بسبب مشاكل طرحت لمدة عاما، وخلال هذه الفترة كانت “كوطة" الجزائر تقتسم بين باقي أعضاء دول المجموعة وما ساعدنا على استدراك حصة الجزائر المنزوعة منها هو وفرة الثروة السمكية، وتمكنت الجزائر في 2011 من استرجاع حصتها من التونة التي وصلت إلى 243 طن للسنتين، ولم يتبق لنا منها إلا 100 طن لاصطياده. والمكسب الذي تم تحقيقه خلال هذا الاجتماع بالمغرب، هو أنه تم قبول طلبنا بمناقشة رفع “كوطة" الجزائر بالعودة إلى الكمية المخصصة سابقا في الاجتماع المقبل، وقد أخذت هذه المسألة حيزا كبيرا من نقاشات الاجتماع وألحينا رغم الصعوبات التي واجهتنا من قبل بعض شركائنا في المجموعة الدولية لحوض المتوسط على ضرورة تدوين هذه التوصيات حتى لا يكون مآلها الفشل في اللقاءات القادمة، ونشير هنا إلى أننا رفضنا الاعتراف بالقرارات المتخذة في الاجتماع. القضية الموجودة حاليا، على مستوى العدالة، أضعفت الموقف الجزائري أمام المجموعة وكان المهم بالنسبة لنا هو كيفية قلب الأمور لصالحنا وتقوية صفنا وكان ردنا على الذين أرادوا استغلال القضية ضد الجزائر بعد حرمانها عاما كاملا من صيد حصتها، بأن المسألة مطروحة أمام العدالة وستتخذ ما تراه ملائما لمعاقبة المتورطين ولا يمكن ربط ما يجري بالداخل بأمر خارجي. ونشير هنا إلى أنه بالرغم من أن هذا النوع من الثروة السمكية غير مستهلك محليا نتيجة صعوبة اصطياده المكلف ماديا، فقد تقرر تخصيصه للتصدير، خاصة وأن التونة الحمراء غالية الثمن في السوق العالمية، علما أنه لا فائدة نجنيها من عملية توجيهها إلى الاستهلاك المحلي، إلا أننا أصرينا على انتزاع حق بلادنا ليس من باب الحفاظ على المداخيل التي تجنيها من تصدير التونة، بل لأن المسألة متعلقة بمبدأ، على اعتبار أن هذه الكمية تدخل ضمن حق الجزائر السيادي على أقاليمها والجزائر ترفض أن تسمح ولو بجزء قليل من حقها عندما يتعلق الأمر بمسائل سيادية. المرجان، كما هو معلوم، استغلاله متوقف حاليا بقرار حكومي منذ سنة 2000 بسبب الاستغلال المفرط لهذه الثروة الذي ألحق أضرار بها، إلى غاية إجراء دراسة وطنية شاملة بشأنه، وقبل تفعيل آليات استغلاله عقلانية، لا بد من إجراء تقييم لوضعية هذه الثروة على المستوى المحلي، ولا توجد إلى حد الآن أرقام بشأن عمليات نهبه إلا أننا نؤكد أن الجزائر كانت تنتج قبل سنة 2000 ما قيمته 9600 كلغ منه، وغالبيته موجود في الساحل الشرقي للبلاد خاصة “القالة". إنشغالنا هو كيفية جعل القطاع منتجا اقتصاديا ورؤيتنا للقطاع أوسع مما سبق طرحه. فأولى الخطوات هي ضرورة تنظيم مناطق الصيد لتنظيم وتحديد ما هو موجود في البحر، والأمر الثاني هو تحسين الخدمة على مستوى الموانئ، حيث تم في هذا المجال إبرام العديد من الاتفاقيات مع الجهات المعنية بتسيير هذه الموانئ. أما الأمر الثالث فمتعلق بتسويق المنتوج السمكي زيادة على تفعيل مختلف المهن، وجمعيات المهنيين في القطاع، وهذه الاستراتيجية الجديدة تستدعي مشاركة كل المتعاملين في إنجاحها، ونوضح في هذا المقام بأنه وفي إطار عمل الحكومة هناك الكثير من الاستثمارات تم الشروع فيها سواء الخاصة منها أو العمومية. وما أؤكد عليه كذلك، هو الجانب الاقتصادي للقطاع بإيجاد آليات الحفاظ على مناصب الشغل بطريقة اقتصادية وليس اجتماعية، لأن هذا الأمر تكفلت به دوائر وزارية أخرى، والمهم بالنسبة لنا أن نجعل ال 70 ألف منصب شغل في القطاع لها مردود اقتصادي، علما أن القطاع سيخلق فرص شغل جديدة تتراوح ما بين 20 إلى 25 ألف منصب بانطلاق ورشات تربية المائيات خلال ال 3 سنوات المقبلة، وإذا ربطنا هذه الورش بمناطق ساحلية معزولة فإنها ستضاعف من الإمكانيات بإعادتها لإحياء الأقاليم المعزولة، بالإضافة إلى المساعي الهادفة لتغيير الذهنيات العامة بشأن القطاع الذي يعتمد في طاقاته البشرية على غالبية شبابية تفتقر -للأسف- إلى المستوى الجامعي الأمر الذي أضر بالقطاع. وندعو من خلال جريدتكم إلى رفع عدد حاملي شهادة البكالوريا في التخصصات التي تخدم القطاع مع مراعاة إنشاء الجامعات في المدن المعنية بهذا الجانب، لا سيما التخصصات المتعلقة بمهندسي تربية المائيات وتوجيه المتخرجين منهم ممن يجدون أنفسهم في بطالة نحو هذه المجالات، للمساعدة على تطويرها، خاصة وأن هناك تخصصات جديدة في مجال الصيد البحري مرتبطة بقطاعات أخرى لا بد من فتحها لتنويع الخدمات في ظل آليات دعم الشباب الممنوحة من قبل الدولة لإعطاء الفرصة لخريجي الجامعات والمعاهد المتخصصة للاستثمار في الموارد الصيدية لمواكبة التطورات الاقتصادية مادام السوق موجودة والطلب يتزايد كل سنة بتزايد عدد السكان، من جهة، ويتزايد باتساع ثقافة المستهلك نحو الثروة البحرية، من جهة أخرى.