إرتبطت اليوتوبيا بحركة الفكر الإنساني الذي سعى إلى اقتراحها باعتبارها النموذج الأمثل الذي يجب العمل على تحقيقه، ويمكن تقسيمها على النحو التالي: 1 - يوتوبيا الفلسفة: وتقوم على الافتراض الفلسفي الذي يستند على حركة الفكر التجريدية في عملية بناء النماذج الافتراضية ومن أبرزها جمهورية أفلاطون، دولة المدينة لأرسطو والمدينة الفاضلة للفارابي. 2 - يوتوبيا الدين: وتقوم على الربط بين الوسيلة والغاية بحيث تكون طاعة الدين هي الوسيلة الإلهية الخالية وتمثل فكرة الجنة اليوتوبيا الدينية التي يسعى إلى الوصول إليها كل المتدينين في العالم. 3 - اليوتوبيا الأيديولوجية: تقوم على الربط بين الوسيلة والغاية ولكن بشكل مادي ومن أبرزها المجتمع الشيوعي الذي بشرت به الأيديولوجية الماركسية والمجتمع الرأسمالي الذي بشرت به الأيدولوجية الليبرالية. وعموما فاليوتوبيات الدينية ليست حكرا على اليهودية أو المسيحية أو الإسلام فهناك أكثر من 100 كتاب مقدس في العالم منها: كتاب الفيدا الهندوسي والأفيستا الزردشتي وغيرها من الكتب الأخرى. وبعضها الآخر لا يزال موجودا في الكثير من الأديان منها الكونفوشيوسية والبوذية. وكل كتاب من هذه الكتب المقدسة يبشر أتباعه بجنة خاصة ولن تتوقف ثقافة اليوتوبيا طالما أن الحلم كامن في أعماق النفس البشرية ولم يعد التبشير باليوتوبيا حصرا على الأديان والمصلحيين الاجتماعيين بل أصبح الأمر متعلقا بكيانات دولية عملاقة فالكيانات الرأسمالية الكبرى والعظمى تبشر الشعوب بيوتوبيا العولمة باعتبارها المخرج من الشقاء والمدخل إلى جنة النعيم والرفاهية والحياة السعيدة. إن اليوتوبيا حلم الفلاسفة والمفكرين أو كما يطلق عليها سلامة موسى أرض الأحلام وحتى في السياسة تعني رغبة ليس في الإمكان تحقيقها ويعد كونفوشيوس أول من نظر للمدينة الفاضلة فقد كتب في الأخلاق والسياسة مدينة مفترضة وبداية من كونفوشيوس وأفلاطون ومرورا بالفارابي، ففي العصر الوسيط تخيل القديس أوغسطين صراعا بين مدينة الله المبنية على أساس الفضيلة ومدينة الإنسان المبنية على أساس الغرور والشر وافترض أن النصر سيكون حليف المدينة الأولى كما تخيل الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون أطلنطا الجديدة التي رأى فيها مجتمعا إنسانيا يقوم على أساس العظمة الإنسانية وربما كانت الغاية من وراء هذه الرؤى المتخيلة للفلاسفة هو الحاجة إلى مجتمع تنطبق عليه المواصفات المثالية، والرغبة في التطلع إلى ماهو أفضل، كما أن الآراء الأخلاقية التي نظر لها الفلاسفة خاصة أفلاطون هي بمثابة مدينة أحلام. إن هذه الصورة الخيالية ماهي إلا محاولة ذهنية من جانب المفكر لرسم أوضاع مخالفة لما هو قائم ولا يمكن عد اليوتوبيا مجرد صورة ذهنية لرسم وضع مخالف للواقع فقط بل هي تنظير مستقبلي تنبؤي فعلى أساسها يبنى النظام المفترض ونقرأ في تنظيرات الفلاسفة وأفكارهم أساسا بنيت على أساسه دول كثيرة وهذا واضح في أفكار وليام جيمس، بيرس وديوي التي أصبحت أرضية للنظام البرغماتي وتبقى أعقد صور اليوتوبيا هي المدينة الفاضلة ومن هنا استعان أفلاطون برؤيته المعرفية في بناء صورة مثالية لدولة خيالية تتحقق فيها المثاليات العليا التي نادى بها سقراط سابقا ولقد أراد أفلاطون تحقيق صورة الدولة المثالية أن تتحقق فيها العدالة كأساس أولي. وحتى العقديين الأخيرين نلاحظ أن اليوتوبيا قد لفظت أنفاسها الأخيرة، وفي ذلك عوامل كثيرة حيث شهد هذا القرن حربين عالميتين وحروبا أهلية لا حصر لها وخيبة الأمل في الثورات والوعود التي بشرت بها الحداثة وعبر الفيلسوف الأنجليزي برتراند راسل عن ذلك بقوله بأن عصرنا لا يؤمن بأحلام اليوتوبيين وحتى المجتمعات المثالية التي يطفح بها خيالنا لا تعمل إلا على إعادة إنتاج الشرور، أما فيلسوف الأمل أرنست بلوخ (1875 - 1977) فقد طرح سؤالا مهما، وهو: هل يمكن أن يخيب الأمل في الأمل؟ فرأى بأن اليوتوبيات السابقة كالماركسية عبرت عن أمل يوتوبي غير دنيوي باستثناء بعض اليوتوبيات التي نظرت للواقع دون نضج إذ قامت بتصوير العالم بصورة مجردة فأقامت نسقا من التوقعات فقط. لقد ظلت اليوتوبيا حية داخل عقول كثيرة فألقت بمواعظها في أذان صماء رغم أن عالم الاجتماع ويلز قد عمل مع مجموعة من المفكرين عام 1940 على صياغة إعلان حقوق الإنسان الذي تبنته الأممالمتحدة لاحقا عام 1948 فكان ذلك من أعظم المنجزات اليوتوبية.