لاشك أن المواثيق المكتوبة والدساتير والقوانين تأتي لتعكس حالة أو درجة النضج لدى المجتمع الذي أعدها وناقشها وأقرها بطريقة من الطرق المتعارف عليها ديمقراطيا. ومن هذا المنطلق، لا ننتظر أن تكون هذه المواثيق مبادئ لجمهورية أفلاطون ولا المدينة الفاضلة للفارابي المثاليتين، لأن هذا تصور الفلاسفة وما نعيشه يحمل تناقضات البشر وصراع القوى ومصالح الطبقات والتنافس على السلطة الذي تدخل فيه الوسائل التي تسيئ للديمقراطية المنشودة والأخلاقيات السياسية نفسها بالرغم من أن هناك من يدعي أنه لا أخلاق في السياسة، وهؤلاء هم من يلجأون إلى الضرب تحت الحرام متسترين وراء هذا التبرير الذي يسيئ إلى السياسة أكثر مما يخدمها. والديمقراطية الحقة باعتبارها حالة فكرية ووعيا سياسيا واجتماعيا، فإن موقعنا منها يحدده هذا الوعي وهذه الحالة الفكرية التي تستطيع أن تكشف عن القواسم المشتركة بين التوجهات التي تبدو في ظاهرها متناقضة فتتفق على أهدافها وتتفاوض على أساليب عملها وأدوات تحقيق هذه الأهداف. وبما أننا جزء من العالم الثالث اقتصاديا واجتماعيا وعلميا وسياسيا فإن تقدمنا يبقى نسبيا في هذا الميدان الذي نسعى إلى تحسينه يوميا وليس مناسباتيا، بنشر الوعي ودعم الفكر والإنتاج الفكري بمفهومه الواسع، خاصة إذا علمنا أن الديمقراطية المثالية التي يعد بها البعض لا يمكن أن تتحقق إذا كان كل أفراد الشعب على درجة واحدة من الوعي والثقافة يستحيل معهما وجود فئة تستطيع أن تضلل وأخرى ينطلي عليها هذا التضليل، وهذا شرط يستحيل توفره في أي مجتمع متخلف كان أو متقدم، وبالتالي فإن الديمقراطة مشروع يسعى المجتمع بمؤسساته إلى الاقتراب منه قدر المستطاع ويستحيل عليه تحقيقه في الواقع لأنها مشروع مستمر.