«الفيلسوف يسعى لإنقاذ معنى وقع ضحية لسوء التفاهم، ولتحقيق هذه الغاية يجب الفصل بين معنى اليوتوبيا والخرافة" يرأس ميغوال أبينصور المولود سنة 1993 الكلية الدولية للفلسفة، ويسير منذ 1974 السلسلة المعروفة "نقد السياسة" في دار نشر بايوت التي تنشر في فرنسا أعمال وأفكار مدرسة فرانكفورت.صاحب عدة مؤلفات تقف فيها الديمقراطية ضد الحكومة مثل "ماركس والزمن الوصولي"، "يوتوبيا توماس مور لوالتر بنجامن"، "لأجل فلسفة سياسية أنقد".. في الحوار التالي يشرح أبينصور "ما يعتبره" الروح اليوتوبية الجديدة. بدأت هذه الانتقادات في سنوات 1840، كما تعلم 1830 كانت ثورة مخادعة، فعوض إحيائها للحلقة الثورية، عمقت ما يسميه "غيزوت" (القوات العظمى/ القدرات العالية) السياسية والاقتصادية. هاتان الأخيرتان أكدتا أنه بما أن الثورات هي التي أوصلتهما للسلطة، فلا داعي لقيامها مجددا... هذا النظام أو الفكر الذي بقي في تصاعد مستمر مقارنة بالنظام البورجوازي الجديد الذي تم استبعاده ونبذه لأنه حس يوتوبي مبتذل ونتاج خيالي غير ممكن تحقيقه. هذه المجموعة التي تقف ضد اليوتوبيا (والتي سيكون لها دور حساس خلال كبت 1848) تجاوزت مرحلة البورجوازية وتاريخها منذ وصولها إلى السلطة (وعلى إثر هذه الأخيرة) ظهر في القرن ال 20 التعريف الخاطئ لليوتوبيا على أنها واحدة من صور القوى الشمولية. أجل، وهذا التعريف لا دليل له تاريخيا لأننا إن أخذنا بعين الاعتبار مقومي المذهب الشمولي وخاصياتهما، فسنجد خيارين: - إما لا وجود لليوتوبيا والحركات التحررية في ذلك الوقت، وإما تم اقصاء اليوتوبيا وكل ما يتعلق بها من قريب أو بعيد. تحدثنا عن النازية ك "يوتوبيا جسدية" ولكن هذا المبدأ الذي يعتبر تسلسل "التقيد بالجسم" ويعتبره كواحد من أرفع أشكال الكمال المعطاة للبشرية، هو في الحقيقة يقيد الحرية ويحكم عليها بالموت. على عكس "الشمولية الستالينية" التي ترعرعت على فكرة أن كل ما أتت به الثورة السوفياتية هو يوتوب، فمشورة الفلاحين، العمال، الجنود... الخ كانت مناسبة لإقامة النظام المكسور، إذن ليست اليوتوبيا من مهّد الطريق وفتح الأبواب للمذهب الشمولي بل العكس صحيح، المذهب الشمولي كان نعشا لليوتوبيا. هناك طريقة ميثولوجية حديثة في استخدام الأساطير والوهم في الوقت الحاضر، وهذه الطريقة رجحت كفة إقامة المذهب الشمولي، ولكن مرة أخرى، هذا لا علاقة له باليوتوبيا. لقد أخلطنا بين الخرافة واليوتوبيا، أو أن هذه الخرافات أو الأساطير المأخوذة من الحقائق المحرفة حول اليوتوبيا عادت لتنقلب ضدها لاحقا ساعية إلى تحطيمها. إذا لم نلق الضوء الآن على هذه الإشكالية سنكون مذنبين بتجاهل معالم اليوتوبيا الأصلية وإخفائها عن تاريخ البشرية. أحد المواضيع التي لا تزال محافظة فيما يخص موضوع اليوتوبيا هو "اليوتوبيا الأزلية" (جمهورية بلاتون: فوريي وموريس)، أما بالنسبة لمور، فيبقى دائما يدور حول نفس المواضيع، في كتاباته فهو يكتب إما عن قانون المجتمعات المنغلقة، أو الطغيان اليومي على الأجساد والأرواح شخصيا أفضل كتاباته حول "الوثوقية". القراءات العقائدية لليوتوبيا تستند على الكتاب الثاني دون إعطاء أي انتباه للأول، هذا الأخير يشير إلى إمكانية تقديم المشورة للأمير. "مور" وصديقه "بيير جيلز" حاولا لفت انتباه "هيثلودي" إلى هذه النقطة، وهو الذي يرفضها مصرا على أن الفلسفة يجب أن تبقى محضا ولا يجب أن تنخرط في هذه المجالات، بينما قدم مور وجها آخر للفلسفة، نوعا مغايرا للفلسفة المدرسية أو الفلسفة العقائدية. فلسفة تعليم الحياة التي تتكيف مع مسرح الحياة وتروي الحقائق بطرق ملتوية. طبعا، فطريقة كتابة اليوتوبيا تحدد طريقة قراءتها، فقراءتها سطحيا كأنها مجرد خريطة أو بطاقة توجيه ستؤدي بصاحبها إلى الانحراف العقائدي. بعيدا عن كونها برنامجا سياسيا أو نموذجا اجتماعيا، اليوتوبيا بالنسبة لمور هي انتهاج السبيل البديل للقضاء على الأفكار المسبقة لإنارة القلوب وإيقاظ الأرواح النائمة، هذه الطريقة لها طابع يميزها عن باقي أنواع اليوتوبيا. ألم يقل "فوربير" أنه يجب قراءة هذا الكتاب can grono solio بالتفصيل؟، والأغبياء فقط هم من أخذوا كلماته بمعناها الحرفي. في سنوات 1970، اخترت هذه العبارة لنوايا جدلية، في الماضي أفكار "النوسير" اعتبرت كأرضية قامت عليها السياسة و«ماركسيزم" الروح العلمية الجديدة. التنافر بين العلم واليوتوبيا أنتج (روحا يوتوبية جديدة) أكدت العكس، أنه يوجد جانب يوتوبي عند ماركس سماه "لابريولا" (التوقع المورفولوجي) وأنه عبر البحث عن مجتمع أعلى، يمكننا مناقشة وتحليل المجتمع الحالي ونقده. بعدها لاحظت أنه يمكننا جمع ما جاء بعد ما يسمونه "موت اليوتوبيا" بعد 1848 تحت هذا المصطلح. هذا الاختفاء (اختفاء اليوتوبيا) خاطئ تاريخيا، لأنه بعد 1848 ظهرت موجة جديدة من اليوتوبيا، أتى بها كل من "بيير ليروكس"، "جوزيف ديجاك"، "ايرنست كورديروي" ... وغيرهم، هذه الموجة ارتكزت على منافع وانتقادات اليوتوبيات العظمى السابقة في القرن 19... يوتوبيات "القديس سايمون"، "فوريير"،"اوين"... كأنه عبر حركة رد فعل لا إرادي ونقدي، حاولت هذه الموجة إنقاذ اليوتوبيا وخلق أنواع جديدة منها، حركة ثانية لهذه الروح الجديدة تنمو داخل أشخاص مثل "ويليام موريس" الذين اعتبروا أن النقد الماركسي لليوتوبيا لم يؤد إلى اختفائها ، ولكن طورها إلى يوتوبيا سلسة، منفتحة للتجارب. ظهرت في القرن العشرين حركات نظرية لأشخاص مثل "ايرنست بلوخ"، "مارتن باربر"، "والتر بنجامين" "ايمانويل ليفيناس" كأن (نقتبس من كتاب بلوخ) "روح اليوتوبيا" استمرت تحت فلسفة جديدة، أين نستخلص خلالها مبدأ واحدا ووحيدا، وحده تفكير اليوتوبيا يؤذيها، باحتوائها للنقد الذي تعرضت له للمدة الزمنية الكافية أو اللازمة، حيث استطاعت أن تباشر بالقضاء على الوهم الذي حطمها. نعم أعتقد أنه يوجد اهتمام باليوتوبيا في كتاب "الطرق"، الملاحظ أنه في المعرضين اللذين أقامهما بنجامين في 1935 و1939 بأخذ الاعتبار أن لكل فترة زمنية أبعادها الحالمة، "بنجامين" يعطي مساحة كبيرة وأهمية عظيمة لليوتوبيا، التي يصفها ب "الحلم الجماعي". اليوتوبيا لم تعد تلك الظاهرة الجانبية الشاذة التي يخلفها الفرد وراءه. لكن -حسب بنجامين- في قعر هذه الأحلام الجماعية نستطيع رؤية مخلفات اليوتوبيا، والأهم من ذلك هو اختلافها مع "أراغون" عندما اتهم كاتب "فلاح فرنسي" أنه بقي يدور في الوهم والخرافة. أيضا فإن عمل بنجامين مزدوج: الاعتراف بأهمية اليوتوبيات العظيمة، هذه البنيات الحالمة التي ترافق كل فترة تاريخية، وفي نفس الوقت ضرورة "شحذ فأس المنطق" للتخلص من الإشاعات القائلة أن الحلم اليوتوبي "هذيان وهم أو خرافة". في لب أعماله نجد هذه الفكرة القائلة أن اليوتوبيا مجموعة مركبة، فباعتبارها "الحلم الجماعي" هي دائما محصورة تحت ضغط كبير، بين الانحراف والسقوط في الوهم والخرافة، أو الاحتمال المعاكس والذي يتمثل في فصلها عن الوهم والخرافة وتحويلها إلى ما سماه "الصورة الجدلية" والتي تنتمي - بالنسبة إليه- إلى مجموعة النهضة. نلاحظ هنا وجود النمط التحليلي في عمل "بنجامين"، (اليوتوبيا "كحلم جماعي" تقارن بالنوم والحلم، إلا أنها أيضا تتجه نحو النهضة والاستيقاظ)، لهذا قلت مقتبسا كلام "فيكتور هيغو" في عمله (الرجل الضاحك)، أن "بنجامين" كان متربص الأحلام الذي – مثل الفيلسوف سينيك- يجيد كشف العملة المزورة في الأحلام في قرنه، فجانبها الخارق الذي يغرقنا في سبات هو الذي يوقظنا ويحررنا من كابوس قرننا، بطريقة ما هي اليوتوبيا ضد الكارثة... خلال عملي في الثمانينيات حول "ليفانيس"، اكتشفت أنه يمكننا اعتبار بعض نصوصه كحوار مع "بلوخ"، الأمر الذي يمكننا من دراسة اليوتوبيا بطريقة أخرى. بالنسبة لبلوخ، ما أسميه "استمرار اليوتوبيا" يأتي من أنتولوجية الفرد غير المكتمل والمدفوع نحو الكمال. ليفانيس يستمد اليوتوبيا من كل ما يندرج في التنبؤ بقانون تاريخي أو سوسيولوجي، لأخذها بعين الاعتبار، هذا الدليل على التفاهم، هذه المطابقة، تعطينا منبعا آخر لاستمرار اليوتوبيا، وهذه بلاشك ليست طريقة شائعة لقراءة ليفانيس، ولكن تبدو لي صحيحة ومناسبة. العديد من نصوص ليفانيس تؤدي إلى اكتشاف العلاقة بين الفينومينولوجيا (الظاهرتية)، وما اعتبره تدقيقا ل "أطروحة العالم" التي تجبرنا على العودة إلى أصل الشيء ثم اليوتوبيا. في واحد من نصوصه "ليفانيس" يقول أن الجهة المرئية للتحديد التي – بالنسبة إليه- تخص الفرد، وعمله ومثابرته، البحث عن مجتمع أفضل، الانتقال نحو هذا المجتمع. إذا عكسنا المعادلة نكتشف أنه لن يكون لليوتوبيا وجود دون تحديد العالم كما هو وكما لن يكون، وفي النهاية الأمر يتعلق أيضا بالفرد، كل هذا يلقي نوعا آخر من الضوء على اليوتوبيا: فعندما نتناولها من جانب النهضة، نصل إلى فكرة معاكسة للفكرة الكلاسيكية التقليدية، فهذه تربط دائما اليوتوبيا بالإيديولوجية، وبالتالي بالوهم، بينما لو اخترنا الزاوية التي أشرت إليها، اليوتوبيا ستكون جزءا من النهضة، للخروج من الوهم نحو الوعي، ومن الواضح أن هذا الأمر لا يطاق وغير مقبول بالنسبة للاتجاه المحافظ.