"جرنان القوسطو" جرعة عالية من النقد والجرأة السياسية، أعتقد أنه فلتة فنية جيدة في ظل الانغلاق الإعلامي الذي تمارسه السلطة وفي حالة المغالاة في الضحك في برامج موازية، أظن وضع الشخصيات السياسية التي كانت تضع نفسها فوق النقد من وزراء ورؤساء ومسؤولين موضع سخرية سياسية ونقد لاذع، عمل جريء، شخصيا اعتبر أنها أكثر البرامج جدية، رغم الديكور الساخر والصورة الكاريكاتورية التي يحتضنها، أشعر أن هناك مستوى من الوعي بالفعل السياسي الراهن في "جرنان القوسطو"، في العدد الخامس هناك لقطة بالغة الدقة ورسالة سياسية عالية، عند حديث مبعوث البرنامج مع الجندي الفرنسي الذي كان يحفر في أرض مالية عندما اعترف أنه لا يبحث عن القاعدة ولكن يبحث عن النفط، هذه اللقطة أبلغ من برنامج كامل يخصص لبحث أسباب التدخل الفرنسي في مالي. كما أرى أن هناك مستوى جيد في قراءة السلوك السياسي للشخصيات العامة، علينا أيضا أن نحيي الشخصيات السياسية التي تعرض لها البرنامج بالنقد الساخر على الروح الرياضية في تقبل البرنامج وعدم استعدائه، الفريق المنشط للبرنامج يستطيع أن يقدم أكثر، ما يهم أيضا أن سنة واحدة في برنامج تلفزيوني مكنت الجزائر من اكتساب ستة أو سبعة ممثلين يمكنهم أداء أدوار مختلفة مع مزيد من الاحتكاك والتجربة. للأسف لم أتابع البرنامج، لكن تابعت النقاشات التي تدور حوله، وأعتقد أن ردود الأفعال هذه في حد ذاتها أمر مهم، لكن أريد فقط أن أشير إلى أن الجرأة مطلوبة وأمر إيجابي لكن يجب أن نحذر من تحولها إلى بذاءة أو مساس بحرية الناس الشخصية أو التجريح فيها، فيما عدا ذلك تكون إثارة القضايا بهذا الشكل أمر ممتع. وأعتقد أن سياسيا مثل الوزير الأول عبد المالك سلال مثلا بإمكانه استيعاب هذه الأمور، لأنه شخص يحب الدعابة ولا ينزعج من الفكاهة. علينا التعود على مثل هذه الأمور، لأن تكنولوجيا التواصل اليوم مفتوحة على كل الفضاءات والمجال الاعلامي أصبح مفتوحا، لذلك من الجيد تقبل هذه الأمور والتعامل معها بمرونة، خصوصا إذا ما كان الانتقاد بناء ويلقي الضوء على التسيير والحياة المهنية للشخصيات العمومية بعيدا عن حياتهم الشخصية. تابعت "جرنان القوسطو" لكنه لم يعجبني، وجدته فنيا كعمل فكاهي ثقيل، وهذا طبعا رأيي الشخصي كمتفرج، لكن مع هذا يجب أن نعترف أنه قدم عددا من المواهب الفنية في الكوميديا. بالنسبة لمسألة الجرأة، نعم، طرح مواضيع جريئة خصوصا وأننا غير متعودين على مثل هذا الأمر، فما كان يقدم من فكاهة في القناة الوطنية مثلا دائما ملتزم بشروط معينة وخطوط لا يسمح بتجاوزها، كما لا يجب أن ننسى أن هذه البرامج مجرد صورة تحسيسية عما هو موجود في المجتمع، لذلك يمكنها التأثير في الناس. فقط أريد هنا الإشارة إلى نقطة أعتقد أنها مهمة، وهي أن القنوات الخاصة في بلادنا إلى حد الساعة لا تعتبر قنوات جزائرية، لأنها ما زالت تعمل برخص وكأنها قنوات أجنبية، وهذا ما يجعلها تسير بخطى ثقيلة نحو الوصول إلى الكفاءة المطلوبة والاحتراف. "جرنان القوسطو" حافظ على الطابع الذي انطلق به، وأعتقد أنه أحسن البرامج الكوميدية التي نشاهدها بعد الإفطار، خصوصا وأنه يقدم بشكل ساخر لكنه هادف وملتزم بقضايا المجتمع، فهو يتعامل مع المواضيع بدون حرج، وعند المشاهدة يشعرك الممثلون أنهم لا يحسون بخوف مما يطرحونه من انتقاد لاذع للسلطة، في الماضي كان الجميع يكتفي بالتلميح - في أحسن الأحوال- لكن هذا البرنامج يسخر من المواضيع والشخصيات بالأسماء وينتقدها بشكل مباشر، وهذا أمر إيجابي جدا. أظن أن قوة البرنامج في طاقمه الذي ينتمي إلى الجيل الجديد الذي لا يؤمن بالرقابة ولا تعني له أي شيء، وهذا ما ظلت أجيال أخرى تفتقده وحتى عندما تمارس النقد فهي تمارسه بأشكال غير مباشرة. جمعتها: زهور. ش