لم يعد مقبولا اعتقاد البعض أن قصيري القامة معاقون جسديا أو عاجزون عن أداء بعض الأعمال، لعدم امتلاكهم البنيات الجسدية الكاملة، بعد أن كسر الكثير منهم حواجز الشعور بالنقص، وتمكنت أغلبيتهم من إبراز مواهب فذة في مختلف المجالات الأدبية والعلمية والسياسية والفنية، والتاريخ يؤكد أن "كل قصير عظيم".. أو بالأحرى أن أغلب العظماء كانوا من قصار القامة، سواء من الزعماء أو القادة العسكريين أو الأدباء والمفكرين ومشاهير الفن والرياضة. وعبر هذه السطور.. نروي حكايات عدد من هؤلاء ومسيرة صعودهم، وكيف أصبحوا عظماء وإن اختلف البعض حولهم.. فتابعونا حلقة بعد أخرى. لا يتجاوز طول لاعب كرة القدم الأرجنتيني الشهير ليونيل ميسي 1.69 متر لكنه أصبح أسطورة أخرى في تاريخ اللعبة الأكثر جماهيرية في العالم . وبالرغم من أن "ميسي" كان قصير القامة كما يبدو من قياس طوله، إلا أن القصر لم يكن يمثل أي عقدة له ولم يؤثر مطلقا على أدائه المبهر في الملاعب. ولد ميسي في "24" جوان 1987 ليبدأ لعب كرة القدم وهو في الخامسة من عمره مع نادي "المدينة قراندولي" الذي كان يديره والده جورج في الأرجنتين، وبسرعة البرق التحق ميسي بفريق صغار "نيويلز أولد بويز" الذي كان يلعب فيه أخوه الأكبر رودريغو، واستمر تألقه مع النادي إلى أن لفت أنظار مسؤولي النادي الشهير "ريفر بليت"... أو نادي الملايين كما يطلق عليه. أثناء انتقال ميسي لنادي الملايين اكتشف الأطباء أنه مصاب بنقص في هورمونات العظم ما يؤدي إلى منع استمرارية النمو وقد كان المبلغ المالي المطلوب لإجراء العملية اللازمة له مرتفعا جدا ما منع النوادي الأرجنتينية من تحمل النفقات فيما لم يكن أهله قادرين على تحمل ذلك المبلغ الكبير أيضا فاتصل والد ميسي بأقاربه في منطقة "لييدا" في مقاطعة كاتالونيا. فانتقل ميسي مع والده إلى برشلونة بإسبانيا ليحاول بعد ذلك الانضمام إلى نادي برشلونة بالرغم من أن عمره 13 عاما فقط. وفي أول لقاء خاضه ميسي بقميص برشلونة تمكن من إحراز 5 أهداف وأظهر كل ما لديه من مهارة فانبهر المسؤولون في النادي الإسباني بمهاراته فقبلوه ليلعب مع نادي "برشلونة -B" الذي حقق معه انتصارات كثيرة بمعدل أكثر من هدف واحد لكل مباراة وسرعان ما وافقت إدارة النادي على تغطية مصاريفه العلاجية التي تواصلت حتى أصبح طوله 1.69 متر بعدما كان لا يزيد على 140 سم فقط. وفي أكتوبر العام 2004... دخل ليونيل ميسي التاريخ من أوسع أبوابه عندما سجل هدفه الأول مع نادي برشلونة (الفريق الأول) أمام الباسيتي بعد تمريرة متقنة من قبل اللاعب الشهير رونالدينيو ليسددها ميسي كرة ساقطة فوق حارس المرمى، وبهذا الهدف يصبح ميسي أصغر لاعب في تاريخ برشلونة يسجل هدفا وهو لم يتجاوز ال 17 عاما. وقبلها وفي جوان 2004 تقدم الاتحاد الإسباني بطلب لميسي لتمثيل المنتخب الإسباني وإعطائه الجنسية إلا أن ميسي معروف ولاؤه لوطنه حيث صرح أنه يود اللعب مع منتخب الأرجنتين. وبالفعل كانت الفرصة مناسبة لكي يثبت ليونيل ميسي نجوميته... عندما استدعاه المنتخب الأرجنتيني للشباب للمشاركة في بطولة كأس العالم للشباب وبها بزغ نجمه وظهر للعالم عندما ساند وساعد منتخبه للحصول على البطولة بعد مستويات رفيعة أذهلت الجميع وليس أدل على ذلك إلا حصوله على لقبي الهداف وأفضل لاعب ليؤكد أفضليته المطلقة. ألقاب كثيرة وفي العام 2005 حصل اللاعب اليافع الملقب ب "ليو" على جائزة أفضل لاعب شاب أو "الولد الذهبي" من مجلة "توتو سبورت" الإيطالية متفوقا بذلك على العديد من اللاعبين الموهوبين مثل "واين روني وكريستيانو رونالدو وروبينهو وغيرهم". في العام 2006 شارك ميسي مع ناديه برشلونة الإسباني في بطولة دوري أبطال أوروبا وساند فريقه بشكل جيد ولعل أشهر المباريات التي لعبها كانت اللقاء الأوروبي الكبير الذي جمع نادي برشلونة مع نادي تشلسي الإنكليزي والذي كان أحد مفاتيح الفوز في دور الذهاب وفي دور الإياب شارك لمدة "25" دقيقة فقط بعد إصابته في عضلة الفخذ الخلفية (العضلة الضامة) ولم يستطع متابعة اللعب ليخرج وهو حزين لعدم قدرته على اللعب بهذه الحالة وكان من المفترض أن تستمر إصابة ميسي "6" أسابيع كحد أقصى ولكن استعجاله بالعودة ضاعف من إصابته وأدى لغيابه لمدة "3" أشهر وبالتالي لم يشارك مع ناديه برشلونة الإسباني في نهائي دوري أبطال أوروبا. وكانت مشاركة ميسي في نهائيات كأس العالم 2006 بألمانيا مخيبة للآمال. لكن مسيرة ميسي المتألقة لم تتوقف في موسم 2006/2007 عند هذا الحد بل أحرز هاتريك تاريخيا في مرمى ريال مدريد. وفي نصف نهائي كأس ملك إسبانيا أحرز ميسي هدفا أسطوريا في مرمى خيتافي وكان هذا الهدف شبيها بهدف مارادونا أمام إنجلترا في كأس العالم 1986. وامتلأت صحف العالم بالمقارنات بين هذا الهدف وهدف مارادونا الأسطوري لدرجة أن الصحف الإسبانية وصفت ميسي ب "ميسيدونا". فلقد قطع ميسي "62" مترا متجاوزا "4" مدافعين مختلفين إضافة إلى الحارس ووضع الكرة في المرمى من الزاوية نفسها التي وضع منها مارادونا هدفه التاريخي. وعندما سجل ميسي الهدف الخرافي في مرمى خيتافي أيضا سجل هدفا تاريخيا في مرمى إسبانيول بيده يشبه هدف مارادونا بعد تمريرة من جولي ضربت من المدافع ثم ارتفعت في الهواء فمد يده ليسجل هدفا، ليبدأ في حصد الألقاب بالفوز مع برشلونة بلقب الدوري الإسباني خمس مرات، وفاز بكأس الملك مرتين، وكأس السوبر الإسباني خمس مرات، ودوري أبطال أوروبا ثلاث مرات، وكأس السوبر الأوروبي مرتين وكأس العالم للأندية مرتين. فيما حصد مع بلاده ذهبية أوليمبياد بكين 2008 وكأس العالم للشباب 2005. اعترف ميسي أن ظهوره على الساحة العالمية كان سريعا جدا وبأنه فخور بمقارنته بالأسطورة الكروية مارادونا لكنه أيضا لا يؤمن أن للمقارنات أهمية حيث قال: أن تقارن بمارادونا فهذا شيء كثير إنه أفضل لاعب أنجبته الملاعب وأنا ما زلت في مقتبل مشواري الكروي ... أنا ممتن جدا لكل من يقارنني بمارادونا لكن المقارنة تزعجني بعض الشيء. ومن المعروف أن من صفات ميسي أنه إنسان خجول لا يتكلم كثيرا لكنه يسمح لكرة القدم بالتكلم نيابة عنه.