عشرات القتلى في يوم، المئات في أسبوع، الآلاف في شهر، الشعب العراقي المنسي يسحل منذ شهور يسحق ولا أحد يسأل أو يندد أو يتأسف. العراق ينحدر بأقصى سرعة إلى الهاوية، ما يجري في بقاعه فاق ببشاعته والضراوة ما حصل في عامي الفتنة 2006 و2007. الموت لافتة تخيم على كل شارع وحي وقرية. شعب العراق صار شعوبا ومللا وطوائف حولتها قياداته السياسية المتخمة بالعبق العصبوي، قطعانا تولد في حظائر مذهبية وتعيش حتى نهاية العمر، موتا طبيعيا، أو اغتيالا، أو قتلا بسيارة مفخخة تفجر مسجدا أو مقهى أو مدرسة أو سوقا شعبيا. صمد ألفي عام وتعاقبت عليه حضارات قبل أن يعود في العراق الجديد إلى عهود ما قبل التاريخ. بلد ابتلى بديكتاتور تلذذ بممارسة استبداده، ثم دمره احتلال خلخل بنيانه وهتك تاريخه وفسخ وحدته بعدما نشر فيه بذور الفتنة والموت المتنقل ووضعه على سكة التقسيم والنهب والفساد، ثم تركه لقمة سائغة لديوك الطوائف والمناطق المتاجرين بدماء العراقيين في سوق المحاصصة. كذلك لأمراء التكفير والتهجير وزمر العصابات والمنافقين. وجه من وجوه مشكلته الحالية يتمثل في برلمان ينهمك في تشريع الفساد وتكريس التقاسم، أما الوجه الآخر فيتمثل في حكومة تؤسس بسياساتها لشلال دم لا يتوقف. إدارة سياسية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حل في بلادها لأنها لا تفكر إلا في جيوبها وعروشها، وكل من مكوناتها تحرص على حصّتها لتبقى حصّة العراق في النهاية صفراً. وزر ما يجري في العراق اليوم لا يلقى فقط على العراقيين بل على كل دول الإقليم والجوار. عروبة العراق لا تعني العرب شيئا، فهي ليست إلا شعارا لحربهم المفتوحة مع إيران التي لا يرون غيرها حربا بعدما تجاهلوا وجود إسرائيل، وحقوق الشيعة العراقيين ليست بالنسبة إلى طهران سوى الجسر الذي تمشي عليه من أجل خطف هوية العراق والوصول إلى قلب سوريا ولبنان وفلسطين. فهذا يمول ويسلح ويفجر وذاك يحذو حذوه وأكثر. العراق اليوم في قلب حرب مفتوحة، هي نمط جديد من الحروب الأهلية التي لا تشبه مثيلاتها في الدول الأخرى. وهذا النمط يتطور بسرعة نحو الفوضى الشاملة والخراب. حرب معطوفة على ما يجري في جارتها سوريا وربما فاقتها دمارا ومأسوية وزادت ضراوة وتعقيدا على وقعها. ثمة خوفأان ينتهي العراق، يتلاشى، يتبخّر، وقد يدخل في سجل الممالك البائدة التي لم يعد لها وجود إلا في كتب التاريخ. *نقلاً عن "النهار" اللبنانية