شعرت بالغثيان، لكن بالأسى الشديد وأنا أتابع تعاطيكم مع أزمتكم حتى لا أقول أزمتنا الأخيرة في مصر، وإن سمحتم، فإني سأسميها مسألة مرسي... قد تسألونني لماذا الأسى والغثيان في نفس الوقت، فأقول إن ذلك يذكرني بما حدث في الجزائر عشية الانقلاب على الشرعية، ودفع الشاذلي بن جديد دفعا إلى مغادرة الحكم، وبالتالي إيقاف المسار الإنتخابي وحل حزب جبهة الإنقاذ.. وبالطبع لست مضطرا لأن أعيد عليكم رواية الحكاية كلها، بدءا من التجاوزات، إلى فتح أبواب السجون أمام مناضلي الجبهة أو اضطرار الكثير من الكوادر الإسلامية إلى الهروب خارج البلاد وإلى الدخول في السرية بعد أن تم اعتقال عدد من رموز جبهة الإنقاذ مثل عباسي مدني، علي بن حاج، علي جدي، كمال ڤمازي، حشاني عبد القادر وغيرهم، لقد أفرغت الساحة من الحكمة وفتح الباب على مصراعيه أمام العنف والمؤامرين، فوجدنا أنفسنا أمام مجانين الحرب على الضفتين... فأصبح عندها من سموا أنفسهم بالإستئصاليين والذين كانوا مناصري للحل الأمني الشامل وهم كثيرون، كانوا في صفوف الأحزاب العلمانية وغير العلمانية في اليمين والوسط واليسار وكانوا في صفوف المجتمع المدني من إعلاميين ومثقفين وكتاب وناشطين في جمعيات، ولقد توصلوا إلى وصف الجزائر على أساس أنها جزائران، والشعب الجزائري على أساس أنه شعبان... ماذا يعني ذلك؟ إنهم جميعا دفعوا دون أن يدروا ربما أن تخطو الجزائر بقوة وسرعة نحو حرب أهلية غير مسبوقة، وبالفعل عشنا حربنا الأهلية وراء أبواب مقفلة... وخرجنا منها جميعا بكل عائلاتنا السياسية والمذهبية والإيديولوجية منكسرين، مجروحين، مهزومين ولولا لطف الله بهذا البلد العزيز لكانت الجزائر في خبر كان... ولكان الأمر أشد رعبا وهولا... واليوم عندما أراكم أيها الزملاء تدعون إلى التشديد على وصف تنظيم الإخوان بالتنظيم الإرهابي، وعلى هجمتكم الشرسة ضد البرادعي لأنه لم يرد تزكية ما حدث في ساحة رابعة العدوية، فإنني أقبض على قلبي وأعض على شفتي خوفا على مصر من أن تغرق أكثر في مستنقع الجنون والدم، هل من المعقول ألا تتحرك قلوبكم، ولا تروا إلى أين أنتم ذاهبون بعد المجزرة الأخيرة التي حدثت في عملية فك الاعتصام؟! ألا تزون أنكم بتصريحاتكم المجنونة، وتعاطيكم الإعلامي غير المسؤول تدفعون ببلدكم لأن يسقط من جديد تحت الحماية الغربية، وبالتالي تفتحون الباب على مصراعيه لتدخل القوى العظمى في بلدكم... إنكم بهذا التصرف تخربون بيوتكم بأيديكم وأنتم لا تعلمون... أذكر، أنني منذ وقت التقيت ببعض الزميلات المصريات جئن إلى بلدنا وجرى بيننا حديث حول سنوات الإرهاب وسنوات التعددية في الجزائر، واكتشفت أن زميلاتي في الصحافة المصرية يجهلن الكثير عما حدث ببلادنا... وتأكد لي ذلك عندما التقيت في مناسبة ثقافية لما كنت في تغطية والتقيت ببعض المثقفين المصريين الذين جاءوا إلى بلدنا واكتشقت أنهم يجهلون ما حدث ببلدنا بشكل كبير ومطلق... وكم أنا اليوم متحسرة على هذا الجهل... لأنني تمنيت أنكم تتعلمون مما حدث لنا حتى لا تتكرر المأساة من جديد على بلدي الحبيب مصر... فحماكم الله، وحما مصر من كل مكروه.. محبتكم نون الباز