أولا أهنئك سيدتي، الكاتبة زهور ونيسي بمذكراتك الرائعة "عبر الزهور والأشواك، مسار امرأة" التي صدرت منذ وقت عن دار القصبة، لقد اشتريتها عن طريق الصدفة عندما كنت أتجول بين مكتبات العاصمة.. وفرحت أيما فرح عندما عثرت على الكتاب عيني.. فلقد انتظرت أن أجد المذكرات في مكتبات مدينتي.. لكن دون جدوى.. وفي الحقيقة أخجل أن أطلق عليها مكتبات، إنها أكشاك لا علاقة لها بالمكتبات، وربما هذا يعد سببا من أسباب الجهالة التي استولت على الناس وعششت في العقول.. وفي الحقيقة وجدتني وأنا أتصفح الكتاب من صفحته الأولى إلى النهاية، أقصد الصفحة 490 غير قادرة على مقاومة الاستمرار في القراءة... بهرني الأسلوب البسيط، الواضح والشفاف الذي يعكس روح الكاتبة المتعودة على الصدق والتواضع والصراحة وقول الأشياء بعيدا عن التجريح والتهكم والحط من شأن الخصم ومن خلال التذكر الجميل الذي سردته لنا سيدتي رحت أعيد اكتشافك من جديد، أعيد اكتشاف البنت الخجول، اللطيفة التي تعلمت على يد جهابذة العلماء المسلمين، مثل الشيخ حماني، وعلى يد المعلمين الذين غرسوا في قلبك وأعماقك حب الدين والوطن.. واستمتعت كثيرا وأنا أراك تحثين الخطى على طريق الثورة، وتعرفك على أولئك الأبطال الذين كدنا أن نتنكر لهم في هذا الزمن العاق.. ثم إعادة اكتشافي للمعلمة والأستاذة التي التزمت أيما التزام بنشر المعرفة وتربية الناشئة والصحفية والكاتبة والمناضلة.. وشهادتها في حق الرجال الذين أدلوا بدلوهم في السياسة والحكم.. ووجدتك رغم إيلامك أكثر من مرة منصفة موضوعية، محبة، وحتى في انتقادك لم تكوني حقودة ومنتقمة وكانت روحك الهادئة تسري مع ظروفك سير النهر الهادئ، النهر الذي يتدفق إلى قلبك وروحك دون إزعاج أو إثارة للخوف والقلق... ثم كيف يمكنني أن أنسى ذلك الموقف الرائع بينك وبين الراحل الرئيس الشاذلي بن جديد، عندما عرض عليك أن تكوني وزيرة، وعندما طلبت وقتا للتفكير والاستشارة وكيف أفحمتيه عندما قلت له، إنك ستشاورين رفيق دربك.. كم كانت الإشارة رمزية ورائعة... ثم أجللت فيك مواقفك الشجاعة ونظرتك الصائبة وأنت تخوضين يومها معركتك بشرف، حول ما سميت بقضية ثانوية ديكارت وكيف أنك لم تليني ولم تخضعي وذهبت رغم التهديدات إلى أقصى معركتك من أجل شرف الجزائر وشرف المدرسة الجزائرية... وها أنا أقف لك سيدتي، وقفة إجلال على كل تلك الشجاعة، وذلك الصبر الذي أبديتيهما عندما انفجرت أحداث أكتوبر 88 وجاء أطفال مسيرون إلى بيتك للاعتداء عليك، وكذلك على ذلك الإيثار والشجاعة والصمود في تلك السنوات الحمراء، فلقد بقيت هنا، صامدة متشبثة بتربة بلدك، وكانت مواقفك واضحة، دقيقة لا تلين، لقد أعجبني تشبثك بإسلامنا المنفتح، إسلامنا السمح.. إسلامنا المنتصر للعلم والمعرفة والحوار... تمنيت سيدتي من قبل أن أتعرف عليك حتى ها هي الصدفة تجعلني أطالع كتابك الجميل لأجدني أقرب إلى كل تلك النبضات والأنفاس التي عبرت عنها بحب وجمال وإنسانية في "عبر الزهور والأشواك".. فلك الشكر من الأعماق قارئتك نون الباز