شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة. يصف الكثيرون الملياردير الأمريكي الأشهر مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل غيتس بالأسطورة والعبقري الذي لا يجود الزمان بمثله إلا نادرا.. بل شبهه البعض بسوبرمان هذا العصر، وأيضا أطلق عليه لقب "قائد ثورة البرمجيات"... فقد استطاع أن يحقق ما لم يستطع أحد تحقيقه وتربع على قائمة أغنى أغنياء العالم لسنوات طويلة رغم صغر سنه. الشيء المثير في قصة نجاح بيل غيتس، أنه اعتمد على نفسه في البداية، ورفض الحصول على الأموال التي تركها له جده وأصر على أن يصنع نجاحه بنفسه. في شهر أكتوبر من العام 1955، ولد بيل غيتس في سياتل بالولايات المتحدة الأميركية لمحامٍ معروف وأم تعمل مدرسة... ومنذ صغره تفتحت لدى الطفل الصغير قدرات ذهنية كبيرة لا تتوافر لدى أقرانه، ولم يكن طفلا عاديا يفضل اللعب والمرح على أي شيء، بل كان دائما مشغولا بأمر ما أو يفكر في مسألة رياضية ، كما كان يتحدث مع الكبار كأنه واحد منهم، يسأل ويناقش ويقدم الآراء التي غالبا ما كانت صائبة. لاحظت أمه ماري هذه الإمكانات في صغيرها، وأدركت أنه سيكون له شأنا في المستقبل، لذا اهتمت به وراحت تنمي قدراته الذهنية وتشركه في الكثير من الأمور المهمة، وعندما بلغ التاسعة من عمره لاحظ الجميع ذكاءه الحاد وميوله الشديدة نحو كل ما هو جديد ومبتكر. عندما وصل الفتى بيل إلى سن 13 سنة ظهرت براعته في الرياضيات فأرسلته أسرته بعد أن أنهى المرحلة الابتدائية إلى مدرسة "ليك سايد" الإعدادية رفيعة المستوى، وفي العام 1968 قررت المدرسة شراء جهاز كمبيوتر، ومنذ اللحظة الأولى التي جلس فيها بيل أمام هذا الجهاز العجيب ارتبط به إلى أبعد الحدود، وأصبح لا يفوت الفرصة للجلوس أمامه. بيل غيتس كان يعاني من عارض اسبيرجر، وهو أحد أعراض مرض التوحد، فقد كان في طفولته فضوليا وغريب الأطوار، وفي شبابه لم يكن متزنا، ويشغل نفسه أحيانا، كما يفعل ضحايا التوحد، بأشياء لا جدوى منها، مثل: الافتراض أنه سيعيش إلى سن الثمانين، وحساب عدد دقات قلبه طوال حياته، وعندما يحسب الأرقام ويحصل على جواب، يشعر بالغضب، ويدرج جسمه من فوق السيارة وهو يقول إن الجواب يفوق التصور. ولم يكن تعامله مع الجهاز الجديد مثل تعامل بقية التلاميذ، فهو يجلس أمامه ويفكر في كيفية تطويره وابتكار نظم جديدة تجعل من استخدامه شيئا سهلا. وبسبب انشغاله بالكمبيوتر أهمل دروسه الأخرى ما تسبب في مشكلات عدة بينه وبين أساتذته.. كانت نقطة التحول الكبرى في حياة غيتس في العام 1974 عندما أحضر إليه صديقه بول آلان نسخة من مجلة "Popular Electronics". وكانت على الغلاف صورة لكمبيوتر شخصي اسمه ALTAIR 8800، وبعد أن قرأها وأدرك بيل أن عصر الكمبيوتر الشخصي سيبدأ وسيكون متوافرا للناس، فبدأ بالتفكير في كتابة برامج لكل كمبيوتر. إتصل الاثنان بالشركة التي صممت الكمبيوتر وكان اسمها "MITS" أو ميتس وصاحبها يدعى "روبرتس"، وأخبراه بأنهما من شباب المبرمجين ويمكنهما كتابة وصياغة برامج مميزة ومفيدة لأجهزته الجديدة، فطلب منهما برنامجا سهلا للكمبيوتر، فانكب الاثنان لمدة 8 أسابيع على كتابة وتصميم البرنامج المطلوب ومنحاه برنامجا بلغة "BASIC". وبعد النجاح الباهر الذي حققه كل من بيل غيتس وبول آلان مع شركة ميتس، قرر الاثنان إنشاء شراكة خاصة بينهما لتطوير البرامج، اسمياها "Micro-Soft"، وتشكل هذا الاسم من الكلمتين "Microcomputer" و«Software". امتلك بيل غيتس نسبة 60 في المئة من حجم الشركة بينما حصل بول آلان على 40 في المئة.