قد تعرض بعض العوارض والطوارئ للحاج أثناء حجه، فيحتاج معها إلى أن يعرف الحكم الشرعي لهذه الحالة أو تلك، وكيف يتصرف التصرف المناسب الذي يجنبه الوقوع في المحظور، ويجعله يتم نسكه بأمان من غير أن يرهق نفسه أو يكلفها ما لا تطيق، وهذه الأمور لا تخرج في مجملها عن الأحكام الفقهية المبثوثة في ثنايا محور الحج، وإنما أفردنا بعضها بالذكر لمزيد الحاجة إليها، وتكرر السؤال عنها، وحتى تكون في متناول الحاج، وليس المقصود استقصاؤها بقدر ما هو الإشارة إلى أهمها. - قد يتجاوز بعض الحجاج الميقات من غير إحرام مع أنه يريد النسك، ففي هذه الحالة يجب أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه إلا أن يكون له عذر من مرض أو خوف أو فوات الحج، أو انقطاع الرفقة، فإنه فيحرم من مكانه وعليه دم لتركه الواجب وهو الإحرام من الميقات، وأما إن لم يكن له عذر ولم يرجع إلى الميقات فيلزمه الدم أيضاً لكن مع الإثم. - قد يحرم الإنسان بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج ثم لا يتمكن من إتمام العمرة قبل الوقوف بعرفة كأن تحرم المرأة بالعمرة متمتعة بها إلى الحج، ثم يأتيها الحيض أو النفاس قبل أن تطوف، ولم تطهر حتى أتى وقت الوقوف بعرفة، فإنها في هذه الحالة تنوي إدخال الحج على العمرة وتكون قارنة، وتستمر في إحرامها وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، ولا تسعى بين الصفا والمروة حتى تطهر وتغتسل، ومثله لو أحرم الرجل بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج فحصل له عائق يمنعه من الدخول إلى مكة قبل يوم عرفة، فإنه ينوي إدخال الحج على العمرة ويكون قارناً، ويستمر في إحرامه ويفعل ما يفعله الحاج. - إذا خشي الإنسان عند إحرامه ما يمنعه من أداء نسكه من مرض أو عدو أو منع الجهات الرسمية، أو نحو ذلك، ففي هذه الحالة له أن يشترط عند الدخول في النسك فيقول: "إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" لحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنهما أنها قالت يا رسول الله: إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم-: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني) رواه مسلم، فإن عرض له المانع فله أن يتحلل من إحرامه ولا دم عليه. - إذا لم يتمكن الحاج من الوقوف بعرفة حتى طلع عليه فجر يوم النحر ففي هذه الحالة يكون الحج قد فاته، لقول جابر رضي الله عنه: "لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جَمْع"، قال أبو الزبير: قلت: أقال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم" رواه الأثرم، والمقصود بجَمْع: المزدلفة، فإن كان قد اشترط عند إحرامه أن محله حيث حبس فإنه يحل ولا شيء عليه ، فيلبس ثيابه ويرجع إلى أهله، وإن لم يكن قد اشترط عند إحرامه، فعليه أن يتحلل بعمرة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، وأن يقضي ذلك الحج سواء أكان الفائت فرضاً أم نفلاً على قول الجمهور، كما يجب عليه هدي يخرجه في سنة القضاء. - إذا حاضت المرأة أو نفست قبل طواف الإفاضة فيجب عليها أن تبقى في مكة حتى تطهر وتطوف حسب التيسير، حتى ولو انتهى شهر ذي الحجة، لأنه ليس لوقت الإفاضة وقت محدد على الصحيح، وعلى رفقتها أن ينتظروها حتى تتم حجها كاملاً، لما ثبت في الصحيح أن صفية رضي الله عنها حاضت في حجة الوداع، فقال -صلى الله عليه وسلم- : (أحابستنا هي؟ فقيل له: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- فلتنفر إذاً)، مما يدل على أن المرأة إذا حاضت قبل أن تطوف للإفاضة فإن عليها أن تبقى، وعلى من تحتاجه من محارمها أن ينتظروا ويحتبسوا عليها حتى تطهر وتطوف، هذا هو الأصل، وأما إذا لم يمكنها الانتظار لظروف قاهرة لا يمكن دفعها كنفاد النفقة أو عدم الرفقة أو غير ذلك، ففي هذه الحالة يسعها أن تعود إلى بلدها من غير أن تطوف، ولكنها تبقى على ما بقي من إحرامها، فتكون قد تحللت التحلل الأول فقط، فيحل لها كل شيء إلا الجماع فإذا طهرت رجعت وطافت، وأما إذا كان الرجوع متعذراً أو فيه مشقة وكلفة كبيرة كمن تكون في بلاد بعيدة ولا تستطيع العودة بسهولة ولا يمكن أن تتأخر، ففي هذه الحالة يمكنها أن تغتسل وتتحفظ حفاظاً محكماً وتطوف بالبيت ولا شيء عليها وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. وأما إذا طرأ عليها الحيض ولم يبق من أعمال الحج إلا طواف الوداع فإنها تسافر وليس عليها شيء، وحجها صحيح لحديث صفية المتقدم، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض". - إذا أكمل الحاج جميع أعمال الحج ولم يبق عليه إلا طواف الإفاضة وأراد أن يخرج من مكة عائداً إلى بلده فإنه يكفيه أن يطوف طوافاً واحداً للإفاضة والوداع بشرط أن ينوي طواف الحج أو ينوهما معاً، لأن المقصود من طواف الوداع أن يكون آخر العهد بالبيت، أما إذا نوى الوداع فقط، فإنه لا يجزئه عن طواف الإفاضة، لأن هذا ركن وذاك واجب، وهو أعلى منه، ولا يجزئ الأدنى عن الأعلى. - إذا لم يتمكن الحاج من الرمي في النهار لشدة الزحام أو لانشغاله بعمل لم يتفرغ معه للرمي، أو نحو ذلك حتى غربت عليه الشمس، ففي هذه الحالة له أن يرمي في الليل ولا شيء عليه، وأجاز بعض العلماء الرمي ليلاً بإطلاق. - قد تطرأ على الحاج بعض الأعذار التي لا يتمكن الحاج معها من المبيت في منى القدر الواجب عند الجمهور وهو معظم الليل، كأن يقصد الحاج منى للمبيت بها ويتعطل به السير لزحام ونحوه، فلا يصل إليها إلا في وقت متأخر، ففي هذه الحالة لا يلزمه شيء عليه لأنه لم يتعمد التأخر، ولعدم تفريطه، وبذله ما في وسعه، والله تعالى يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}(البقرة:286)، وقد رخص - صلى الله عليه وسلم- للعباس في أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته كما رخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارج منى، وألحق أهل العلم بهم من يشق عليه المبيت، كمن به مرض، أو كان له مريض يخاف من تخلفه عنه، أو مال يخاف عليه من الضياع ونحو ذلك. هذه بعض العوارض التي قد تعرض للحاج في حجه، وغيرها كثير لم يذكر تجدها مبثوثة في ثنايا هذا المحور، والله أعلم.