منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني في جوان الماضي، تشهد العلاقات الإيرانية - الأمريكية تبادلا لإشارات ومواقف تنمّ عن رغبة الطرفين في تقاربٍ يمهّد الطريق أمام التوصل إلى حلولٍ سياسية للقضايا والملفّات العالقة بينهما، وعلى رأسها البرنامج النووي الإيراني. فهل تُظهر هذه الرغبة المشتركة - والتي تُوّجت بالاتصال الهاتفي بين أوباما وروحاني أثناء زيارته إلى نيويورك - تحولًا عميقا في مقاربة كل طرف تجاه الآخر؟ وما هي فرص نجاح هذا المسعى؟ أم أنّ الأمر لا يعدو - في ظل التجارب التاريخية والشروط المحيطة - كونه محاولة أخرى من جملة محاولات فاشلة لحل الملفات العالقة مع واشنطن جرّبها رفسنجاني ثم خاتمي، قبل أن تتوقف في ظل رئاسة أحمدي نجاد. تناقش هذه الورقة احتمالات حصول انفراج في العلاقات الأمريكية - الإيرانية يؤدي إلى تسوية الملف النووي الإيراني والقضايا المرتبطة بنفوذ إيران الإقليمي. وتتحدّث عن دوافع كلّ طرف للتقارب قبل تقييم فرص نجاح هذه المحاولات والاتجاهات التي يمكن أن تسلكها. وتخلص الورقة إلى أن الرغبة الإيرانية في التقارب مع واشنطن هي تكتيك رئاسي يدعمه المرشد الأعلى، مدفوعة إلى حدٍّ كبير بتأثير العقوبات الغربية في الاقتصاد الإيراني، وعدم القدرة على احتمال المزيد منها. تزامن إعلان فوز حسن روحاني في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، مع بوادر تغيير واضح في لغة التخاطب الإيرانية مع الغرب تتسم في جوهرها بالواقعية. كما بدأت تصدر إشاراتٌ توحي بأنّ طهران ترغب في فتح صفحة جديدة من التعاطي مع واشنطن في ما يرتبط تحديدًا بالملف النووي، فقد جرى اختيار محمد جواد ظريف وزيرا للخارجية، وهو المعروف باتصالاته الواسعة مع الأمريكيين خلال فترة حكم الرئيسين الأسبقيْن رفسنجاني وخاتمي، وذلك بالتوازي مع نقل إدارة الملف النووي من مجلس الأمن القومي إلى وزارة الخارجية. ومثَّل النشاط الدبلوماسي الإيراني على هامش الدورة ال68 لاجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك، مظهرًا آخرَ متقدّما للتقارب الإيراني - الأمريكي، إذ التقى وزير الخارجية الإيراني ظريف بنظيره الأمريكي جون كيري. ثمّ جاء الاتصال الهاتفي مع أوباما ليتوّج حملة إذابة الجليد، ويهيئ الأجواء للانتقال إلى طور جديد محتمل في العلاقات بين البلدين. يمكن ملاحظة جملة من الدوافع جعلت إيران تعمل على تغيير خطابها السياسي، والانفتاح على مسعى التوصل إلى تسوية مع الولاياتالمتحدة بخصوص مواضيع الخلاف بينهما. وفي العموم يمكن تصنيف هذه الدوافع إلى داخلية وخارجية. 1 - الدوافع الداخلية: فرضت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي خلال عام 2012، حزمة جديدة من العقوبات ضد إيران، شملت حظر استيراد النفط الإيراني، ومقاطعة البنوك الإيرانية. وكانت حزمة العقوبات هذه التي يتعرض لها الاقتصاد الإيراني، هي الأشد في سلسلة العقوبات الغربية منذ عام 1979 نظرا للآثار التي خلفتها على مستوى معيشة الشعب الإيراني، ومجمل الوضع الاقتصادي، إذ تقلّصت الصادرات الإيرانية بنسب كبيرة وبخاصة الصادرات النفطية، وتقلصت معها موارد الخزينة العامة، والتي رافقها حرمان إيران من إمكانية إجراء صفقات من خلال نظام البنوك الإلكتروني. ونتيجة لذلك، ازدادت نسب البطالة، وارتفع التضخم المالي، وانخفضت قيمة العملة الإيرانية، واستشرى الفساد، وازداد الاستياء الشعبي بفعل العقوبات الاقتصادية والحصار الخانق. وبناء على ذلك، بات قطاع واسع من الشعب الإيراني يتطلع إلى تبني سياسات جديدة تسهم في إنهاء معاناته الاقتصادية، وإعادة الانفتاح على العالم. وهو ما كان وعد به حسن روحاني خلال حملته الانتخابية، وحقق الفوز على أساسه. بعد وصوله إلى السلطة، شَخَّص روحاني مشاكل البلاد في قضيّتين أساسيتين هما السياسة الخارجية والاقتصاد، مشدّدا على الربط بينهما. فرأى أن التوصل إلى تسوية مع الغرب بخصوص الملف النووي يُعد السبيل الوحيد لرفع العقوبات الاقتصادية، وتحسين الأوضاع الداخلية ومستوى معيشة المواطن الإيراني. وقد لخص روحاني هذه الرؤية في تصريحٍ سابق قال فيه: "ينبغي لأجهزة الطرد المركزي أن تدور، لكن حياة الإيرانيين هي الأخرى ينبغي لها أن تدور"، في إشارة إلى أنّ امتلاك التكنولوجيا النووية لا يتعارض مع تأمين الاحتياجات المعيشية وتحسن أوضاع الشعب الاقتصادية. لا شك في أن العقوبات الاقتصادية مثَّلت العامل الداخلي الأهم في الدفع باتجاه تبني خطاب إيراني أكثر اعتدالًا ودفعًا باتّجاه التقارب مع الغرب، لكنّه لا يكفي وحده لتفسير هذا التغيير، فهناك مؤشّرات تدلّ على بدء الانشغال بترتيبات الخلافة على مستوى ولاية الفقيه. فالمرشد الذي بلغ من العمر عتيًّا، يطمح إلى ترتيب بيت النظام الداخلي قبل رحيله، وبما يؤمِّن سبل دوامه واستمراريته. ويعتقد المرشد أنّ النظام يواجه تحدّياتٍ كبرى، وهو غير قادر على التصدّي للمشاكل الداخلية بالتوازي مع استمرار المواجهة مع الغرب على خلفية البرنامج النووي والخلاف على قضايا إقليمية أخرى. من هذا الباب، ومن منطلقٍ براغماتي بحت، يرى المرشد أنّ أفضل السبل لحماية النظام وضمان استمراره هي إنهاء المواجهة مع الغرب أو على الأقلّ تخفيفها، وبدء عملية قد تكون طويلة لتطبيع العلاقات معه، في إطار ما أطلق عليه اسم "الليونة الشجاعة". 2 - الدوافع الخارجية: مثَّل الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011، ذروة نجاح المشروع الإقليمي الإيراني الذي بدأ في التوسّع والتمدّد بعد سقوط خصمَي طهران الأساسيّين على المستوى الإقليمي، فقد أطاحت الولاياتالمتحدة حكم طالبان الذي مثَّل تحدّيًا عنيدًا لإيران من جهة الشرق بعد أحداث سبتمبر 2001. ثمّ تكرّر الأمر نفسه عندما أطاحت نظامًا غرب إيران، هو نظام صدّام حسين عام 2003. وقد استفادت طهران من ظروف العمل العسكري الأمريكي، وتمكنت من إيصال حلفائها إلى السلطة في بغداد. لكن استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق ظل يعطل أحلامها في تحقيق تواصل جغرافي لقوس نفوذها الممتد من هيرات في أفغانستان شرقا، إلى ساحل البحر المتوسط غربا حيث يسيطر حزب الله في لبنان، ويقبع حليفٌ آخر لها في دمشق. مع وصول الرئيس أوباما إلى الحكم في البيت الأبيض عام 2009، وإعلان عزمه على سحب كامل القوات الأمريكية من العراق بحلول نهاية عام 2011، ومن أفغانستان بحلول نهاية عام 2014، بدأت طهران تعدّ نفسها لمَلْء الفراغ الناجم عن الانكفاء الأمريكي. لكن، لم يُكتب للحلم الإيراني أن يتحول إلى واقع، ففي حين كان آخر جندي أمريكي يغادر العراق، انطلقت الثورة في سورية ضد نظام حكم الرئيس بشار الأسد، حليف إيران الرئيس في العالم العربي. وعلى الرغم من كل المساعدات التي قدمتها إيران لسحق الثورة السورية، باءت كل محاولاتها بالفشل، وأصبح لزاما عليها أن تتخلى عن أحلام الهيمنة الإقليمية التي راودتها، وذلك مع اهتزاز سلطة بشار الأسد في سوريا واضطراب وضع حلفائها في العراق، نتيجة تدهور الوضع الأمني وتفاقم النقمة الشعبية على سياسات المالكي، والانخراط في مواجهة شاملة على مستوى الإقليم مع دول الخليج العربية. قام هذا العامل بدور أساسي في دفع إيران إلى التفكير في إمكانية تحقيق تسوية مع الولاياتالمتحدة قد تقايض بموجبها القبول برقابة دولية صارمة على برنامجها النووي بما تبقى لها من نفوذ إقليمي، قبل أن يتداعى هذا النفوذ بصورة كاملة. هناك دوافع داخلية وخارجية جعلت واشنطن ترحّب بإشارات الإيرانيين، إذ لم يفوت الرئيس أوباما وأركان إدارته فرصة لتشجيع روحاني على المضي قدما في توجهاته الدبلوماسية نحو الغرب. 1 - الدوافع الداخلية: ترتبط هذه الدوافع أساسا برؤية الرئيس أوباما السياسية التي تنطلق من رغبته في حل المشاكل الدولية بالطرق الدبلوماسية، والامتناع عن التورط في نزاعاتٍ مسلحة خارجية ما لم تهدد المصالح الأمريكية مباشرة، فقد جاء أوباما إلى الحكم بهدفٍ أساسي، وهو التخلص من آثار التورط العسكري الأمريكي في العالم الإسلامي لنحو عقد من الزمن، ولملمة القوة الأمريكية المبعثرة، والانطلاق لمواجهة تحديات استراتيجية في المحيط الهادي وفي ما يتعلق بالصين تحديدا. ويتفرع مباشرة عن هذه الرؤية انصراف إدارة أوباما إلى الاهتمام بالقضايا الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها تمرير برنامجه الصحي المعروف ب "أوباما كير"، وخفض النفقات، وخلق فرص عمل جديدة، وإعادة ترميم البنية التحتية المتهالكة. لقد استنزفت الحروب التي شنّتها واشنطن بعد أحداث سبتمبر 2001 قوة الولاياتالمتحدة الاقتصادية، وأدخلتها في واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية التي تواجهها على الإطلاق. وعليه، لم يعد الرأي العام الأمريكي في وارد تأييد أي مواجهة خارجية حتى لو كانت محدودة ولا تستلزم نشر قواتٍ برية، بدليل ما حصل خلال أزمة السلاح الكيماوي السوري. لذلك، من الطبيعي أن نجد أوباما يتلقف - وبلهفة - إشارات المصالحة الإيرانية التي تنسجم مع رؤيته لحلّ القضايا الدولية بالوسائل السلمية. 2 - الدوافع الخارجية: يرى أوباما أن استراتيجيته في التعامل مع طهران تؤتي أُكْلَها، فقد فعلت العقوبات الاقتصادية فعلها في إنهاك إيران وإضعافها، وعملية استنزافها في سوريا والعراق تترك بالمثل تداعياتٍ كبيرة على وضع النظام الإيراني وإمكاناته الاقتصادية. لقد تمكنت واشنطن من جعل تكلفة البرنامج النووي أكبر من فائدته بالنسبة إلى إيران، فقد أنهك هذا البرنامج مقدرات البلاد، وأخضعها لحصار اقتصادي وضغوط وعقوبات غير مسبوقة في تاريخ النزاعات الدولية. يستتبع ذلك أن البرنامج النووي قد تحول عن غرضه الأساسي وهو تعزيز نفوذ إيران الإقليمي إلى سبب في إضعاف هذا النفوذ، بل في إضعاف إيران نفسها. وفقا للقراءة الأمريكية، تعد الظروف الإقليمية والدولية، خاصة بعد بروز سابقة تخلي النظام السوري عن سلاحه الكيماوي في مقابل الامتناع عن ضربه عسكريا، ملائمة للتوصل إلى تسوية تحقق الأهداف الأمريكية لجهة تخلي إيران عن برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات عنها، وتطبيع العلاقات معها. ومن هنا أيضا، يدرك أوباما رغبة طهران في التوصل إلى حلٍّ سريع للملف النووي. وهي رغبة عبّر عنها روحاني صراحة في أكثر من مناسبة، لأن رفع العقوبات يحتاج إلى وقت طويل ستكون تكاليفه باهضة بالنسبة إلى الاقتصاد الإيراني. ويحاول أوباما أن يتفاعل مع هذه الرغبة التي تتيح له بالمقابل التوصل سريعا إلى تسوية تضع البرنامج النووي الإيراني تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية الدولية، وذلك لقطع الطريق على إيران إذا كانت تحاول شراء الوقت باتجاه الاقتراب من امتلاك القنبلة النووية من جهة، وبما يحيد الضغوط الإسرائيلية المتزايدة عليه، وينزع أي ذريعة قد تستخدمها حكومة نتانياهو لتوريط واشنطن في مواجهةٍ عسكرية مع إيران من ناحية أخرى. هناك إذا رغبة مشتركة إيرانية - أمريكية في تسوية الملف النووي بالطرق الدبلوماسية. لكن الرغبات والنوايا وحدها قد لا تكون كافية لإنجاح التقارب الأمريكي - الإيراني. من الواضح أن التوجه الإيراني الجديد في السياسة الخارجية، جاء نتيجة توافقٍ داخلي بين مراكز القوة الأساسية في النظام، ونقصد هنا المرشد علي خامنئي والحرس الثوري والرئيس حسن روحاني، وذلك في إطار توافقات داخلية حصل بموجبها كل طرف على جزء مما يريده، إذ جاء تشكيل حكومة روحاني وفقا لرغبات خامنئي والتيار الأصولي المتشدد، فهي لا تضم أي شخصية إصلاحية غير مرغوب فيها بالنسبة إليهم، كما وعد روحاني بالالتزام في السياسة الخارجية بما أسماه خامنئي ب "فنّ المرونة والبطولة مع الحفاظ على الأصول". وحتّى يضمن روحاني عدم معارضة الحرس الثوري توجهاته، فقد دعاه إلى الحفاظ على دوره في الحياة الاقتصادية، وذلك خلافًا للأصوات المعارضة التي دَعَت الحرس باستمرار إلى الكف عن التدخل في الحياة الاقتصادية والسياسية. وتؤكد التصريحات المؤيدة لأداء حسن روحاني في نيويورك، والتي صدرت عن كلٍّ من الحرس الثوري وأئمّة الجمعة ورئيس البرلمان، على وجود إجماعٍ داخلي إيراني غير مسبوق بخصوص مراجعة العلاقة مع الغرب، ولا سيّما موضوع التقارب مع الولاياتالمتحدة، وهو الموضوع الذي كان التطرق إليه غير مسموح به في عهد الرئيسيْن الأسبقيْن رفسنجاني وخاتمي. ومن جهةٍ أخرى، يمثّل هذا الإجماع الداخلي استجابة لمطلب غالبية الشعب الإيراني التي ترى ضرورة العمل على تجاوز القطيعة مع الولاياتالمتحدة والعالم، بوصفها مدخلًا لمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتنامية. من جهة أخرى، يبدو وضع الرئيس أوباما الداخلي قويًّا لجهة التعاطي مع إيران، فهو وإن كان يواجه ضغوطًا من الجمهوريين تتّهمه بالضعف والتخاذل في مجال السياسة الأمنيّة والخارجية، ومن بعض وسائل الإعلام التي اتّهمته علنًا بأنّه رئيسٌ ضعيف وجبان على خلفية معالجته ملفّ الأزمة الكيماوية السورية. وعلى الرغم من الضغوط التي يمارسها أصدقاء إسرائيل في واشنطن، والتي تتماهى مع الدعوات الإسرائيلية إلى التصلب مع إيران، وفي وصف روحاني بأنه "ذئب في ثياب خروف"، يجد الرئيس نفسه مسلّحًا بدعم نحو ثلاثة أرباع الأمريكيين الذين يرون ضرورة حل أزمة الملف النووي الإيراني بالطرق السلمية. مع ذلك، سيجد الطرفان صعوبة بالغة في تخطي حاجز عدم الثقة، والذي يمتد على نحو ثلاثة عقود. كما أن التوصل إلى اتفاقٍ لن يكون سهلا، إذ يبحث الإيرانيون على الأرجح عن تسويةٍ شاملة تحفظ لإيران مصالحها ووضعها بوصفها قوّة إقليمية في المنطقة، في مقابل تنازلات تقدمها في الملفين النووي والسوري، وهو ما عبر عنه روحاني بلعبة "منتصر مقابل منتصر". لكن ذلك قد لا يحدث بالسهولة التي يتوقعها البعض، ففي غياب أي معطياتٍ دقيقة عن طبيعة ما تسمّيه طهران ب "المرونة والضمانات" التي تنوي تقديمها للمفاوضين الغربيين في مجموعة 5+1، يصرّ أوباما على أن المجتمع الدولي في حاجة إلى أفعال ملموسة يقوم بها الإيرانيون. من جهةٍ أخرى، سيسعى جمهور المتضررين على المستوى الإقليمي والدولي من تسوية أمريكية - إيرانية يروْن أنّها ستكون على حسابهم، إلى فعل كل شيء لمنعها إذا ظلوا بمعزل عما يجري بين طهرانوواشنطن، فإسرائيل تحاول منْع أيّ تقاربٍ إيراني - أمريكي لا يحقق لها مطالبها الأساسية، وهو الموقف الذي عبر عنه نتانياهو في الأممالمتحدة عندما حذر من الانخداع بما أسماه "تلاعب إيران بالمجتمع الدولي". أما تركيا وروسيا ودول الخليج، فتشعر كلٌّ منها بالقلق من أن يحسم الاتفاق المحتمل بين واشنطنوطهران من حساب مصالحهم، ما يضعنا أمام عدة سيناريوهات يمكن أن تتطور في سياقها العلاقات الإيرانية - الأمريكية، وهي: * السيناريو الأوّل: أن يؤدي انخفاض مستوى التوتر بين إيران والغرب إلى تفاهماتٍ موقّتة تَحُول دون وقوع صدامٍ عسكري، لكنها لا تكفي لعقد تسويةٍ شاملة، نظرًا لصعوبة الملفات المطروحة، وتعدد الأطراف ذات المصلحة فيها. * السيناريو الثاني: أن يقود مسار التقارب الحالي إلى تسويةٍ شاملة للملفات العالقة تنتهي بتوافقٍ إيراني - أمريكي يحفظ مصالح الطرفين، ومن ضمنها طبعا المصالح الإسرائيلية. قد يحصل هذا السيناريو انطلاقا من رغبة واشنطنوطهران في اغتنام الفرصة لتحقيق ما يُعتقد أنه مكاسب قد لا يُحقِّقها كلّ طرفٍ في ظروفٍ تاريخية أخرى. بالنسبة إلى الإيرانيين، فإنّ رغبتهم في التفاهم مع الغرب تأتي ضمن إجماعٍ قومي داخلي، وبمباركة من المرشد، وفي ظلّ تراجع نفوذهم الإقليمي، ومخاوف من مزيد من الانحسار، وهو ما كان الأمريكيون ينتظرونه منذ سنوات. وهو ما يستجيب أيضا لرؤية إدارة الرئيس أوباما في إيجاد تسويةٍ دبلوماسية لأزمة الملف النووي الإيراني. يتوقف تَحَقُّق هذا السيناريو على مدى استجابة المفاوض الإيراني لأفق التنازلات المتوقعة الموجودة عند نظيره الأمريكي. * السيناريو الثالث: يتمثل في سعي الإيرانيين، كما كان دأبهم، إلى شراء مزيدٍ من الوقت من دون تقديم تنازلاتٍ تُذكر، في انتظار الوصول إلى نقطة اللاعودة في خصوص حصولهم على تكنولوجيا إنتاج السلاح النووي، أو أملًا في تمكّن حلفائهم الإقليميين من قلب معادلات القوة لفائدتهم في العراق وسوريا. لكن هذا السيناريو يحمل مخاطر كبيرة، لأن الغرب مصرٌّ على اقتران تغير الخطاب الإيراني بأفعال، كما أن الفرصة ما زالت قائمة لعمل عسكري ضد منشآت إيران النووية في حال تبين أن غرضها هو شراء الوقت. في كل الأحوال يبدو واضحا أن العلاقات الأمريكية - الإيرانية تقف على عتبة تطورات كبيرة، سوف تطال تأثيراتها عمومَ المنطقة، وهذا يتطلب من الدول العربية، خاصة في الخليج، أن تكون مستعدّة للتعامل مع مختلف سيناريوهاتها بوصفها ستكون أكثر الأطراف المعنيّة بها، علما أن الموقف العربي ليس بالضعف الذي يجري الترويج له، إذ في حوزة الدول العربية من أوراق القوة ما يسمح لها بالتأثير في مسار العلاقات الأمريكية - الإيرانية، سواء كان هذا المسار يسير في اتجاه تسوية أو مواجهة.