أعلنت دار منشورات المؤسسة الوطنية للنشر والاشهار، أول أمس، عن الإصدارات التي ستدخل بها يوميات المعرض الدولي للكتاب، الذي ينطلق غدا، والتي يتجاوز عددها ال 40 عملا، في أجناس أدبية وتخصصات مختلفة، لم تغفل ضمنها الفنون التشكيلية.. "الأثر" التقى الكاتبة "سميرة قبلي" مديرة نشر الدار، ويعرض لكم في هذا الحوار تفاصيل عن الأعمال التي ستكون حاضرة في المعرض وكواليس إعدادها، كما اقتنص لحظات خاصة حول التجربة الشعرية والروائية لمديرة الدار.. تابعوا التفاصيل.. مؤكد أن الكتاب قبل وصوله إلى يد القارئ يمر بتفاصيل كثيرة، ونحن ككُتّاب عادة عندما نرى أعمالنا في المكتبة نفرح بذلك دون إدراك خلفية الأمر. شخصيا عندما انتقلت إلى تجربة النشر وأشرفت على عملية الإنجاز، تفاجأت بصعوبة هذا المنحى لصناعة الكتاب وتحويله إلى الشكل الذي نراه. بداية من اختيار الموضوع، اختيار الغلاف، نوعية الورق، إقناع الكاتب ببعض الأمور، فرغم امتلاك الناشر لسلطة ما على الشكل وبعض التفاصيل، إلا أنني أردت تقاسم كل المراحل مع الكُتاب في رؤيتهم وتصورهم الشكلي والمضموني لأعمالهم، وقد سمحنا لبعضهم بتصميم الأغلفة الخاصة بهم، وذلك لإيماني بهذه الرابطة التي تجمع الكاتب والكتاب. هناك لجنة قراءة تشرف على اختيار العناوين التي يمكن طبعها، لأنه ليس كل ما يصلنا يمكن طبعه. فمثلا بعض الأعمال كانت ضعيفة، لذلك تم إعادتها إلى أصحابها مع تشجيعهم على إعادة الاشتغال عليها. قصة السلاسل نابعة من حبي لكل ما هو عائلي. لذلك لم أرد أن تكون الكتب يتيمة أو منفردة، أردتها أن تكون في عائلة واحدة، مثلا عائلة الشعر تحت عنوان "نحن شعر" حاولنا فيها الجمع بين شعراء سبق لهم النشر وآخرين لم يسبق لهم خوض التجربة، بتشجيع بعض المواهب التي فازت بجائزة علي معاشي لرئيس الجمهورية كنصر الدين حديد مثلا، وتتضمن السلسلة ديوان عفاف فنوح الذي يعتبر ثاني أعمالها الشعرية، كما استثمرنا التجربة الشعرية الثرية لرشدي رضوان، والشاعر محمد أحمد السويدي في ديوانه "لخولة"... وشعراء آخرين. في عائلة الرواية هناك رواية سعيد خطيبي التي قرأتها قبل نشرها، وهي عمل رائع رغم إيقاعه السريع، وأراهن عليها رفقة باقي أفراد العائلة (رواية هاجر قوادري "نورس باشا" ورواية عبد الرزاق بوكبة "ندبة الهلالي") للدفع بها للبوكر العربي. أما سلسلة "المعيار" فقد حاولت عبرها جمع التجربة الإعلامية المتفردة للدكتور عاشور فني في اقتصاديات الإعلام والإشهار والتلفزيون... وذلك بجمعها في 6 كتب تشكل معيارا حقيقيا، خاصة للطلبة والأكاديميين. وفي سلسلة "خطوات ترى" جمعنا ثلة من الكتاب مثل حميد عبد القادر، فتيحة زماموش، التي نبرزها لأول مرة ككاتبة، لأن رسالتها لنيل شهادة الماجيستير كان عليها توصية بالنشر، عثمان لحياني بعمله الفائز بجائزة دبي للإعلام. كما تحمل هذه السلسلة شهادات حية ونابضة، مثل شهادة السيدة صورايا بوعمامة المعروفة كوجه تلفزيوني لم يسبق للناس أن عرفوها ككاتبة، وهنا أشير إلى الشجاعة التي تحلت بها في كتابة تجربتها حول العشرية السوداء. ولا أريد نسيان اللمسة الجمالية التي تميز منشوراتنا لهذه السنة، والمتعلقة بكتب خاصة بالفنون التشكيلية، كعمل الفنان العالمي حمزة بونوة، الذي عرفت لوحاته الفنية العديد من معارض العالم فيما يبقى مجهولا، نوعا ما، بالجزائر. لذلك حاولت تشجيعه على طبع لوحاته في شكل كتاب تمتزج فيه اللمسة التشكيلية مع التجربة الشعرية للشاعر ابراهيم صديقي الذي حاول استنطاق تلك اللوحات بأشعاره الجميلة. يحضر معنا من الوجوه الفائزة بهذه الجائزة نصر الدين حديد فقط، في الشعر، لكننا اتصلنا بصاحب جائزة الرواية، لكنه أكد لنا أن عمله مطبوع من قبل. بالفعل من ضمن الكتب التي أصدرتها "أناب" يأتي الكتاب التاريخي في الصدارة، لكن في الفترة التي أتيت فيها (منذ 3 أو 4 أشهر) لم يكن ممكنا استقطاب أسماء كبيرة في ظرف كهذا، لأن المسألة ليست سهلة، ومع هذا نشارك في المعرض بأعمال تاريخية مثل عمل الأستاذ محمد عباس "وداعا فيتنام أهلا يا الجزائر"، والدكتور عبد الرزاق قسوم بكتابه "أعلام ومواقف" الذي يحتوي مجموعة من المقالات والشخصيات التاريخية... وغيرها من الأعمال. لكن أريد الإشارة إلى أننا نحضر أشياء في المجال التاريخي ستكون مفاجأة، مستقبلا، خاصة "المذكرات". انحيازي للأدب له العديد من المبررات، ولوعدنا للغوص في الرواية والشعر والفلسفة... لأمكننا أن نفتح أفقا للجيل الجديد. أعترف بذلك التقصير، لكن الجميع يعلم أن البحث عن مشروع جاد للطفل هو في حد ذاته مغامرة، فكل شيء موجه لهذه الشريحة يجب أن يكون مدروسا، ولا يحتاج إلى لجنة قراءة وحسب، وإنما إلى اهتمام بيداغوجي ونفسي خاص، أي تحت إشراف مختصين في التربية. وفي هذا الإطار تلقيت قصة جميلة من عند الأستاذ أحمد عبد الكريم، أنوي طبعها بتقنية "البراي" ولكن صعوبة إيجاد المختصين في هذا المجال أجّلت المشروع قليلا، وربما سيكون جاهزا في مارس المقبل، بمناسبة يوم المعاق، رغم أنني لا أعتبر هذه الفئة من المعاقين. لا، هناك العديد من الأسماء القادمة من الداخل. هيثم سعد زيان من الجلفة. خيرة بوتخيل روائية من سيدي بلعباس، ولأول مرة تنشر رواية. لقد تحصلنا على عدة مشاريع روائية من الولايات الداخلية، لكن للأسف لم تكن التجربة ناضجة بشكل جيد، لكن مع هذا معظم الذين طبعنا لهم من الولايات الداخلية. نعم، لكن دور النشر لم تعد تفتح الأبواب للشعر والرواية، لأنها دائما تراهن على هامش الربح. نحن حاولنا خوض تجربة مختلفة رغم الانتقادات التي وجهت إلينا، بمحاكاة النص الجيد بغض النظر عن المنطقة التي ينتمي إليها صاحبه. لماذا إذن لم تجد هاجر قويدري من ينصف نصها الرائع في الجزائر؟ نعم، هذا صحيح. ومن بين الأشياء التي سأعمل عليها في المستقبل أن تكون لنا مكتبات في كل الولايات، لأن رهاننا هو إيصال الكتاب، اليوم مثلا، يصادف انطلاق حملتنا الإعلانية للكتب المشاركة في المعرض، وهذا ليس بغرض تجاري بحت، وإنما بغرض خلق تقليد جديد، وهو أن العائلة عندما تكون في الشارع لا تصادف فقط الإشهارات الخاصة بالمنتجات الاستهلاكية المادية، بل يمكن للطفل أن يرى الكتاب ويحتك به بصريا وهو في الطريق. وهذه المسألة ليست خاصة بالعاصمة وحسب، سنعمل على تعميمها في كل الولايات. فشخصيا بالعودة 20 سنة إلى الوراء عانيت لأجد كتابا، رغم أن عائلتي كانت تهتم بالكتاب وتملك مكتبة خاصة، لكن جاء علي يوم قلت فيه للوالدة وأنا غاضبة: "ماذا أفعل، قرأت كل الكتب الموجودة في البيت"، فكان ردها: "ومن قال إن الكتاب يقرأ مرة واحدة"، وبعد تكرار قراءة تلك الكتب مرارا وجدت نفسي أنافس أستاذي في مكتبة وحيدة بتيزي وزو على نسخة لكتاب عبد الحميد بن هدوقة "غدا يوم جديد"، هذا الوضع يجعلني اليوم أشعر بالقارئ في الداخل، وأحاول بكل شكل إيصال الأعمال إليه. بالنسبة للسيدة صورايا، كثيرا ما التقيتها والدموع في عينيها، وبمزحة قلت لها "لماذا لا تكتبين تجربتك"، وتطورت الفكرة مع القليل من الاصرار والنقاشات، وأعتقد أن الكتاب يحمل تجربة مختلفة سيكتشفها القارئ وتفاجئه بفرحها ودموعها ومسارها الشاق... الرسالة التي أردت تبليغها، هي أننا جيل تواصل واستمرار، الأستاذ محمد بلحي وكل من سبقوه في المنصب الذي أشغله اليوم، لهم فضل على الأعمال التي صدرت في هذه الدار، ونكون جاحدين لو أنكرنا فضل من سبقونا، نحن نواصل ما بدأه هؤلاء الناس.. لا ليس هذا، أنا حاولت تقديم مشروعي ونظرتي، لكنني لم أقم بذلك على أساس الإقصاء لمن سبقوني. أكيد. لا أخفي أنني من الناس الذين احتضنتهم -ككاتبة- دار القصبة وقبلها دار البرزخ، في أعمالي، وهذه التجربة لدور محترفة وتعرف كيف تتعامل مع الكُتاب ساعدتني بشكل كبير. الذي اختلف أنني ككاتبة كنت أسخط على الناشر بسبب بعض الملاحظات أو التغييرات، لكنني اليوم أصبحت ألعب الدور نفسه الذي كان يُلعب معي، لذلك عملت جاهدة على الوقوف في الوسط بين العالمين. رقابة لا، وإنما كانت هناك بعض التوجيهات، فمثلا كانت عندي رواية جميلة جدا ولكن فيها من الإباحية ما لا يمكن أن يوصف، وككاتبة أعرف جيدا متى تكون بعض الأمور ضرورية ومتى لا تكون كذلك. طبعا، لا أتكلم هنا عن الجنس بصفة خاصة، لأن الأدب لا يمكن فصله عن تفاصيل الحياة، لكن هناك أشياء فيها بعض المبالغة أحيانا، لذلك حاولت إقناع الكُتاب بتغييرها. ككاتبة، لا أدري؟ أجد نفسي في "الحرف" بصفة عامة. كثيرون ممن قرأوا روايتي أعابوا علي توظيف اللغة الشعرية، لكنني لم أستطع التخلص من الشعر في أعمالي، لأن الكتابة بالنسبة لي "عجينة لغة". لا، رغم أنني تلقيت انتقادات كثيرة، وأكثرها إيلاما كان نقد "الطاهر وطار" رحمه الله، الذي أعاب علي استعمال اللغة الشعرية، وقال لي صارخا: "هل تريدين إخراج الرواية عن جلدها"، ووعدته أنني سأعتني بتفاصيل السرد عند الكتابة في المستقبل، وأنا الآن بصدد كتابة رواية تحت عنوان "خامسة"، نسبة إلى اسم البطلة، عملت على الاعتناء بكل تفاصيل النص السردي فيها، لكن للأسف لم يتح لي الوقت لتحضيرها للمعرض الدولي بسبب انشغالي بالنشر. في "غزلان" حاولت الاجتهاد لخلق بطل يبقى حيا حتى إذا ماتت الرواية، لأن أبطال الكتاب لا يموتون. بالنسبة ل "خامسة" هي بطلة من سبعينيات القرن الماضي، أحاول عبرها الهروب من الزمن الإلكتروني والرجوع إلى الوراء لأكشف عوالم جديدة. هل هناك من لا يعشق نزار. أكيد في روايتي توجد رائحة الشام، التي حاولت فعلا استحضارها، واستحضار عشقي لها، وللأسف اليوم تدمر تلك الحضارة. المحرض الوحيد هو الرغبة في الكتابة، في أي وقت، لكنني أجن بتلك الرغبة عندما يكون المطر ينزل. لا، يجب أن تكون هناك ألفة بيني وبين المكان الذي أكتب فيه. يمكنني الكتابة في أي زمان وعن أي زمان، لأن الزمن يمكن التغاضي عنه والسطو عليه، يمكن تجاوزه وحتى صناعته أحيانا. ككاتبة، أعترف بالجنون المطلق.