عندما تطوي سنة من عمرنا صفحتها، يغري ذلك بشيء من الأمل وبالتطلع إلى مستقبل أفضل. بعضنا يذهب إلى بلورة التنبؤات التي ينتشر نجومها عبر الشاشات لتخبرهم بما يخبئه الغيب. مع أن الكل يعلم أن الغيب في علم الله، وأن ما يقوم به هؤلاء ليس سوى دكاكين مفتوحة لتزويد الشاشات بشيء من حصص الإعلانات التي لا يعوضها عادة سوى نجوم الفكاهة والطرب، في بلاد عزّت فيها أسباب الفكاهة وتراجعت حظوظ الطرب. في بلاد كهذه، ماذا يمكن أن تخبئ السنة الجديدة؟ ومن أين لها أن تأتي بجديد أفضل، وكلنا غارق في القديم، يبحث في كتب التاريخ عمّا يزوّده بالمؤونة اللازمة لحروبه؟ في بلاد كهذه، من أين يأتي الأمل، والنوافذ كلها مغلقة في وجه أي شعاع يأتي من الخارج؟ في بلاد كهذه، لا ينزرع سوى التخلف والبؤس، والفقر والدمار، في الشوارع وفي النفوس. لا مكان للغد ولا للحلم. كل الأمكنة مفتوحة على الظلمة وعلى القهر. كيفما تجولت في صور هذه البلدان، لا يقع نظرك سوى على مشاهد ل "شعوب" تتقاتل. هي من حيث المبدأ شعب واحد، لكن أفراد هذا الشعب ليسوا كالشعوب الأخرى التي يشكل اجتماعها سببا ومبررا لقيام الأوطان. شعوبنا لا تنجب سوى التفكك والفرقة والاحتراب. الحدود المرسومة على الخرائط لهذه الدول يعتبرها أهلها حدودا مصطنعة. الحدود الحقيقية هي تلك التي تقوم بين القرية وجارتها، وبين الحي والحي والآخر، تبعا للانتماء الطائفي أو العرقي أو السياسي. ومثل أيام الغزوات الجاهلية، كل شيء مباح عبر حدود هذه القرى والأحياء والشوارع. جارك الذي كان يقيم إلى جانبك منذ عشرات السنين يمكن أن يتحول في لمحة بصر إلى هدف لتفجير قاتل أو لقنبلة تحت مقعد سيارته. لا مكان للعواطف في غزوات كهذه. أما أنا أو أنت. لا يوجد مجال للمصالحة أو فرصة لاحترام أصول التعايش. في منطقة مثل منطقتنا وفي بلاد مثل بلادنا، قد يكون خير ما نأمل أن تحمله لنا السنة الجديدة هو بقاء القديم على قدمه. لقد علمتنا الأيام والسنون أن كل تغير هو تغير إلى الوراء، أي نحو الأسوأ. علمتنا تجارب العمر أيضا أن مجتمعاتنا تملك مناعة أبدية ضد التحسن أو التطور. وإذا كان العالم ينظر إلى قدوم سنته الجديدة على أنها تشكل بارقة أمل نحو فرص أفضل في التعليم والصحة والاقتصاد وتوظيف الكفاءات الشابة الناشئة، فإن كل ما نراهن عليه نحن هو عدد أقل من القتلى والمصابين والمعاقين والمهجرين ونزلاء السجون، بفضل الحروب التي نخوضها ضد بعضنا. مع قدوم هذه السنة الجديدة، من أين تريدون أن نأتيكم بالأمل بأحوال أفضل؟ *نقلا عن "الحياة" اللندنية