بعد أكثر من 56 سنة من الصمت حول موت "موريس أودان"، كشف الجنرال "بول أوساريس" أحد مساعدي الجنرال "ماسو"، قبل فترة قليلة من وفاته (في 3 ديسمبر الماضي)، أن "موريس أودان" قتل بمكان قريب من سيدي موسى، من طرف المظلّيين الفرنسيين بأمر من الجنرال "ماسو" وتزكية السلطات السياسية الفرنسية، آنذاك. في كتاب بعنوان "الحقيقة عن موت موريس أودان"، صدر، يوم الخميس الفارط، عن منشورات "ليزيكواتور" للصحفي والمخرج الفرنسي "جون شارل دونيو" كذَّب الجنرال الفرنسي "بول أوساريس"، الذي كان يعمل تحت أوامر الجنرال "ماسو"، أطروحة هروب المناضل الشيوعي الفرنسي "موريس أودان" أثناء نقله إلى السجن من مركز تعذيب في الأبيار في 23 جوان من عام 1957. وقال أوساريس" إن أودان "طُعِن بواسطة خنجر" من طرف النقيب "جيرار غارسيي"، بحضور كمال إصولاح و "محمد ر« المدعو باباي، في مكان بالقرب من مدينة الجزائر كان يلقى فيه جثث المناضلين الجزائريين بشقيهم العربي والأوروبي الذين يجري إعدامهم خارج نطاق القضاء. وكانت السلطات السياسية العسكرية الفرنسية قد قررت وضع كامل قوتها فيما سمي ب "معركة الجزائر"، ولهذا الغرض منحت الحكومة الاشتراكية كامل الصلاحيات للجيش للقضاء على "الأفالان". وفي تحقيقه الدقيق والمطول، تحدث الصحفي "جون شارل دونيو" مع أقرب المقربين من "أوساريس" الذين ما زالوا على قيد الحياة وخاصة "بيير ميسيري" الذي يعيش حاليا، في ال "كوت دازور"، و«باباي" الذي يعيش في بروطان و«غارسي" المقيم في جنوب غرب فرنسا. كما التقى بالطبيب "جورج حجاج" المناضل الشيوعي الذي كشف تحت التعذيب عن نشاط "أودان". وحسب الصحفي، فإن الجيش والحكومة كانا يعتقدان أن الشيوعيين كانوا وراء التفجيرات التي جاءت لتخالف زعمهم القائل بأن "معركة الجزائر" قد اِنتهت. وكانوا، مثلما يضيف، يسعون بكل جهدهم للوصول على رأس ما يسمونه بالمنظمة الخاصة الشيوعية وهو "أندري لوموان". وفي أجواء الهلوسة من الخوف من الشيوعية، في عز الحرب الباردة، كانوا يريدون القضاء على "لوموان" مهما كلف ذلك. ولهذا أرادوا معرفة مخبئه، وظنوا أن توقيف "أودان" سيوصلهم إلى "لوموان". وفي نفس الكتاب، ألقى "أوساريس" ضوءا جديدا على اغتيال المحامي علي بومنجل "المحامي اللامع" الذي ألقي به من مبنى مخصص للتعذيب بالأبيار. وقد ومُوِّهت هذه الجريمة في شكل اِنتحار. وقد كشف "أوساريس" أن الرواية الرسمية لاعتقاله كونه وراء عملية قتل زوج ورضيع ولكن الحقيقة مثلما قال "أنا الذي... ولأنه كان مؤهلا لتمثيل الأفالان أمام الأممالمتحدة ولكي لا يتمكن من ذلك، يجب... كان من الممكن أن يكون ممثلا رائعا للأفالان في الأممالمتحدة". كما تحدث "أوساريس" عن اِغتيال العربي بن مهيدي "القائد الفذّ (الذي قال عنه أحد مساعدي "أوساريس" إن السلاح قد قدم له قبل "قتله" والإدعاء بأن ذلك اِنتحار. ولكن هذا أمر سبق أن أثاره "أوساريس" في كتابه "مصالح خاصة" الذي صدر في سنة 2001. وبين الفينة والأخرى يتحدث "أوساريس" عن السياسيين فيذكر أن الفترة التي اغتيل فيها "أودان" كانت هناك لجنة تحقيق شبه حكومية بعد الضجة التي أثيرت بعد إيقاف "هنري أليغ" وأودان" وآخرين. ولكن اللجنة كانت مجرد ذر للرماد في العيون، فقد كان هناك إجماع على التعذيب وعلى "تهدئة الجزائر"، بين السياسيين (الاشتراكيين، آنذاك) والعسكريين. ولكن ما الذي دفع "أوساريس" القائد الذي لا يعصي الأوامر مطلقا، لأن يكشف خفايا جريمة اغتيال "أودان"؟ لهذا الأمر عدة دوافع؛ أولها إلحاح زوجته الذي يبدو أنها تفهمت، بل تعاطفت مع أرملة "أودان". وهناك تشبث الصحفي "جون شارل دونيو" الذي تربطه علاقات طيبة بالجنرال. وقد سبق له أن سجل معه حواراً مطولا نشر في كتاب صدر في 2007، بعنوان: "لم أقل كل شيء". وهناك، أيضا، التأثير السيء الذي أوقعه قرار الرئيس جاك شيراك في نفسه بتجريده من وسام الشرف، بعد أن نشر كتابه في 2001، وتبنى وأشاد فيه استعمال التعذيب في حرب الجزائر. وأخيراً، لا يمكن إهمال جانب الندم في خريف العمر. وفي هذا الصدد، قال "أوساريس" للصحفي الذي سأله عن إصراره، إلى حد الآن، للتغطية على الجنرال "ماسو": "أنا لا أبالي بالأمر... اِسمع ... أنا لما سأغادر هذه الحياة، أعرف أن في المكان الذي علي أن أذهب إليه، لأن ذلك أمر محتوم في يوم ما، هناك مرآة في مدخل المكان. إنني أرفض أن تعكس لي تلك المرآة صورة رجل قذر...". وقال، أيضا، في برقية مكتوبة إلى المؤلف، بعد إنهاء الكتاب: "أنا، أيضا، على هذا الطريق بين أسف وندم. ولا يمر يوم ولا ليلة إلا وأفكر في الجزائر، وما كان يتوجب فعله وما كان علينا تجنبه وما كان وفعلناه... أنا أجرجر ألما لا يغادرني". في الأخير، نشير إلى أن "جون شارل دونيو" زار الجزائر لمعرفة مكان دفن "أودان" الذي ألقي بجثته في واحدة من أربعة أو خمسة مدافن جماعية بالمنطقة الواقعة، بين الكاليتوس والأربعاء وبراقي"، بها على الأقل أكثر من 3000 مفقود أحصاهم "بول تيتجن"، مسؤول الشرطة بالجزائر، آنذاك، والذي اِستقال بعد أن تأكد من ممارسة التعذيب والإخفاء القسري. وفي نهاية كتابه قال: "الآن، فإن البقية من صلاحية المؤرخين الجزائريين وسلطات بلدهم".