وصف رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، تداعيات الأحداث التي عرفتها الساحة السياسية خلال الأيام الأخيرة ب "الضجة الكبرى"، التي حسبه هيأتها "تصريحات طائشة وغير متروية أدلت بها شخصيات سامية عمومية"، نافيا وجود صراع داخل الجيش وداحضا في تصريحه ما وصفها ب "المزاعم" التي قالت إن "دائرة الاستعلام والأمن هيئة تخل في تصرفاتها بالقواعد التي تحكم مهامها وصلاحياتها". بلغ مسلسل "الرسائل" الذي تعرفه الساحة الوطنية في الأسابيع الأخيرة، أمس، ذروته، بتصريح رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بمناسبة إحياء "اليوم الوطني للشهيد"، الذي قرأه نيابة عنه وزير المجاهدين، محمد الشريف عباس، حيث حذر الرئيس هذه المرة وبشكل مطول وواضح - خلافا لرسالته المقتضبة السابقة التي تضمنتها برقية تعزية حادث تحطم الطائرة العسكرية بأم البواقي- من "المساس بالثوابت ورموز الوطن ومؤسساته أو إثارة الفتن والقلاقل الاجتماعية التي تؤثر على الاستقرار والسكينة العامة". ووصف رئيس الجمهورية التصريحات التي أثارت ما أسماه ب "الضجة الكبرى"، بأنها "تصريحات طائشة وغير متروية"، مضيفا في السياق ذاته أنه لا يحق لأحد "أنى كانت مسؤولياته أن يضع نفسه ونشاطه وتصريحاته فوق أحكام الدستور وقوانين الجمهورية"، مخصصا في هذه النقطة أنه لا يحق لأحد "تخريب الأعمدة التي يقوم عليها البناء الجمهوري والمكتسبات" أو "أن يصفي حساباته الشخصية مع الآخرين على حساب المصالح الوطنية"، وركز الرئيس على هذا الطرح بشكل كبير، ويبدو أنه يريد من خلاله التبرؤ بشكل صريح من بعض الجهات السياسية التي حاولت نفي أن تكون معنية بمضمون رسالة التعزية، حيث يقول: "إنني أعيد وأكرر أنه لا يحق لأحد مهما كانت مسؤولياته التطاول على المؤسسات الدستورية للبلاد التي لا تضطلع إلا بواجبها في خدمة الأمة". هذا ونفى الرئيس بشكل قطعي في تصريحه، الأخبار التي أشارت إلى وجود حالة من الانقسام داخل الجيش قائلا حولها "أراء تمس أو تكاد مجتمعة بوحدة الجيش الوطني الشعبي"، مضيفا أن هناك من يحاول استغلال الوضع الراهن ل "فرض أطروحة وجود صراع داخلي في الجيش الوطني الشعبي"، وهنا يعود الرئيس إلى التصريحات السياسية التي حاولت المساس بجهاز المخابرات والاتهامات التي طالت رئيسه الجنرال محمد مدين المدعو "توفيق"، والتي بقي صاحبها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعيداني مصرا على أن الرئيس لم يكن يقصده في رسالته السابقة، حيث يقول الرئيس هذه المرة بوضوح "بزعمهم أن دائرة الاستعلام والأمن هيئة تخل في تصرفاتها بالقواعد التي تحكم مهامها وصلاحياتها"، نافيا الأمر بأنها "تبقى مجندة تمام التجنيد في سبيل الأداء الأمثل للمهام الموكلة إليها شأنها في ذلك شأن بقية هياكل الجيش الوطني الشعبي"، متوجها إلى عناصره بأنه "يتعين على دائرة الاستعلام والأمن أن تواصل الاضطلاع بمهامها وصلاحياتها القانونية"، لأنها حسبه "جزء لا يتجزأ من الجيش الوطني الشعبي". ودائما حول الأخبار التي تتداول جهاز المخابرات في الأيام الأخيرة، أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ضرورة عدم قراءة التحولات الهيكلية التي حصلت داخل هذا الجهاز في سياق ما وصفه ب "غايات كلها مكر وخبث هدفها المساس باستقرار منظومة الدفاع والأمن الوطنيين وإضعافها"، حيث يؤكد رئيس الجمهورية أنها إجراءات عادية "يحصل مثلما هو جار به العمل ومتداول في كل البلدان اللجوء عند الاقتضاء إلى إعادة الهيكلة الملائمة. من ثمة كان لي أن قررت سنة 2006 هيكلة جهاز الأمن الوطني"، مضيفا أن تلك القراءات هي نوع من "ضرب الاستقرار" الذي يهدف لخلق "اختلالات وشل نشاطات الدفاع والأمن الوطنيين. والمستهدف هو الجيش الوطني الشعبي بوجه خاص ومن ورائه الدولة"، ويضيف الرئيس أن القصد من كل هذا "هو الفت في ساعد الجزائر التي نجحت بالفعل بفضل التوافق الموجود بين مختلف مؤسساتها في تعزيز الدولة التي كانت فريسة لشرور جائحة الإرهاب". هذا وكان "خطاب الاستقرار" حاضرا بشكل مكثف في رسالة الرئيس بمناسبة اليوم الوطني للشهيد، حيث أكد ضرورة العودة إلى الروح الوطنية للتصدي لكل مساس باستقرار الأمة، محذرا في الوقت نفسه المواطنين من المواقف الداعية إلى "زرع البلبة ونشر أطروحات هدامة مدعية بها وجود صراعات بين مؤسسات الجمهورية". "، موضحا أن "أمام هذه الأخطار الجديدة الناجمة عن الشحناء والتناحر يبن الرؤى المتناقضة والفتنة التي تثيرها المناوءات بين المواقف، يتعين علينا جميعا، من حيث أننا مواطنون، العودة إلى الروح الوطنية التي لا تخبو شعلتها للتصدي لكل مساس باستقرار الأمة من حيث أتى"، معتبرا أن "المواقف التي جاهر بها هؤلاء وأولئك قد تدخل في خانة حرية التعبير المكرسة بمقتضى الدستور، لكن حينما تحاول هذه المواقف، التي يستلهم بعضها من مصادر معادية للجزائر، زرع البلبلة ونشر أطروحات هدامة مدعية بها وجود صراعات بين المؤسسات الجمهورية، فإنه يصبح لزاما على كل المواطنين أن يدركوا خطر ضرب الاستقرار الذي تنطوي عليه مثل هذه المساعي، التي تندرج في إطار عملية تضليل العقول والاستغلال الخبيث للوقائع"، قائلا إنه "كما يلاحظ كل المواطنين عند قراءة الأخبار ومتابعتها نرى جهودا جبارة تبذل بشتى الأشكال لبث البلبلة وزرع الخوف في النفوس، وتكريس أطروحة يزعم فيها وجود نزاعات بين المؤسسات الدستورية، كرئاسة الجمهورية وغيرها من المؤسسات، وداخل وزارة الدفاع الوطني، وبين مكونات الجيش الوطني الشعبي".