ما إن دخل سارح مارتيناز والصديق المشترك الإقامة حتى استقبلهما شاب أبيض البشرة، ممتلىء الجسد، وصاحب قامة فارعة وعينين لونهما بني وقادهما مباشرة إلى الحديقة التي يقبلها مسبح، حيث كان يجلس الدكتور سعيد سعدي والكاتب والصحفي غاني قدوري ورجل الأعمال الشهير المقرب من شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة علي حداد. كان الدكتور سعيد سعدي يرتدي بدلة غامقة وقميصا أزرق وربطة عنق داكنة، وكان يبدو على ملامحه شيئا من التعب، بينما كان الكاتب والإعلامي غاني قدوي يرتدي بدلة مشرقة اللون وهو برغم اقترابه من العقد الستيني كان يبدو في غاية النشاط وكأنه شاب في الثلاثين من عمره أما رجل الأعمال الشهير علي حداد فكان يبدو خجولا، صامتا ومرحبا.. جلسوا حول طاولة كانت عليها فناجين القهوة وبعض المشروبات الغازية، سأل الدكتور سعيد سعدي سارج مارتيناز عن أيامه التي قضاها في الجزائر وكيف وجدها بعد هذه السنوات من الغياب، فكان جوابه أنها تغيرت نحو الأحسن، وأنه اكتشف رغبة الإقبال على الحياة في وجوه الجزائريين. وأضاف أنه لاحظ تراجع الحجاب لدى الفتيات الجزائريات.. وبعد لحظات من تبادل المجاملات طلب سارج بيرة جزائرية، ثم سأل الدكتور سعيد سعدي بدوره عن كيف وجد الجزائر بعد غيابه الطويل عنها، إلا أن الدكتور أنكر أن يكون غاب عن الجزائر طويلا، قال بأنه دائما كان على اتصال بالمناضلين والاصدقاء، وأن زياراته كانت متكررة إلى الجزائر لكن بعيدا عن الأضواء.. وسأل سارج مارتيناز من جديد عن مواقفه الجديدة حول ما يحدث على الساحة الجزائرية، فقال الدكتور سعيد سعدي بعد صمت وجيز.. إن الجزائر تعيش لحظة جديدة، وهي تنطوي على كل الآمال والمخاطر.. طبعا هناك شيء مهم حدث داخل سرايا النظام وهو تقليم أظافر المخابرات التي عاثت في البلاد فسادا وهذا شيء يحسب برغم خلافاتنا معه لبوتفليقة الذي قال لي منذ سنوات إنه لن يغادر الحكم إلا بعد أن يعيد الجزائر للجزائريين، وقاطعه سارج مارتيتاز لكن اسمح لي دكتور سعدي أنت كنت تقول لي منذ وقت بعيد إنه لولا المخابرات بشكل خاص والجيش بشكل عام لكانت الجزائر سقطت في أيدي الأصوليين الاسلاميين، فما الذي تغير الآن حتى أصبحت ترى أن الجزائر كانت مستعمرة من طرف المخابرات، حدق الدكتور سعيد سعدي في وجه محدثه وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة قائلا: أنا لم أقل إن الجزائر لم تسقط بين أيدي الاصوليين الاسلاميين بفضل المخابرات، بل كنت أقول إن الجيش الوطني الشعبي كمؤسسة لعب دورا جمهوريا وتقدميا في وجه الباربارية الاسلامية، إلا أن المخابرات سرقت هذا الصمود والدور التقدمي التاريخي والذي لم يكن يتحقق لولا الديمقراطيين لصالحها وبالتالي تحالفت المخابرات مع كل القوى المحافظة لتسد الطريق أمام البديل الديمقراطي العلماني في الجزائر.. وعلق سارج مارتيناز الدكتور سعدي أريد أن أكون معك صريحا، أجاب الدكتور سعيد سعدي تفضل قال سارج مارتيناز: أنت كما تعرف صديق عزيز علي وأنا كنت دائما ألوم الديمقراطيين والعلمانيين على تقاعسهم في مساعدة المجتمع المدني لتكون الجزائر دولة عصرية وديمقراطية ولقد تحدثت مع الكثير من الفاعلين الجزائريين الذين يعترفون أن لك جزءا من المسؤولية في ما آلت اليه الجزائر عن انسداد ومن جنوح نحو النزعة التسلطية في الحكم.. وأنت كنت من ضحايا هذه النزعة التسلطية ولقد تابعت باهتمام خروجك منذ عامين إلى الشارع لإدراج الجزائر في ديناميكية الربيع العربي إلا أن النتيجة كانت مخيبة للآمال وربما هذا ما دفعك إلى التخلي عن رئاسة الارسيدي وانكفائك على نفسك. قال الدكتور سعيد سعدي: لا لا يا صديق سارج، أنا لم أنكفىء على نفسي ولم أترك أرض المعركة لكنني فكرت في فتح الباب أمام الأجيال الجديدة من المناضلين لقيادة الحزب وتجديده، أما فيما يتعلق بعودتي إلى الاضواء فأنا وجدت من واجبي أن تقدم رأيي حول ما يحدث اليوم على الساحة خاصة بعد أن اكتشفت أن المخابرات لا زالت تقاوم من أجل الإبقاء على الوضع القائم وأظن أنه حان الوقت لأن تخرج الجزائر من سطوة رجال المخابرات وتتم إعادة الاعتبار للسياسي. قاطعه سارج مارتيناز لكن هل يمكن لي أن أفهم كيف وجد الدكتور سعدي نفسه في نفس الخندق مع الاسلاميين الذين طالما رفض التعامل معهم؟ أجاب الدكتور سعيد سعدي "سارج" أنا لست بالرجل الايديولوجي كما أريد أن يشاع عني، ثم إن الذين لا يتغيرون لا يفهموا شيئا في التاريخ وفي اللعبة السياسية، كما أنها ليست هي المرة الأولى التي تحالفت فيها مع الاسلاميين، لقد سبق وأن عملنا مع بعض ضد العهدة الثانية لبوتفليقة عندما وجد هذا الأخير كل الدعم من المخابرات. أنا رجل سياسي واقعي ولا أرى في وجود الاسلاميين على الساحة السياسية أي عقدة إذا ما التزم هؤلاء بقواعد اللعبة السياسية.