هل يعني أن مصر فوق بقية الدول؟ النبي تتلهى!! فمصر التي تحتل المركز الأخير بين دول العالم في سوق كفاءة العمل، والتي تقبع في المركز ال 111 بين دول العالم من حيث النزاهة والشفافية، والتي لا تزرع قمحها وتستورد رغيف عيشها، والتي لا تشكل أي صناعة فيها أي أهمية في العالم، والتي لا تمثل أي تجارة لديها أي أهمية في العالم، والتي لا تظهر في قائمة الدول العشرين الأكثر تصديرا في العالم، ولا قائمة المائة، والتي لا تضم جامعة واحدة ضمن أهم خمسمائة جامعة في العالم، والتي والذي والذين، هل يمكن أن يصدق أي مهفوف أنها فوق الجميع! غالبا يتم استخدام هذا الشعار في مواجهة الدول العربية، وهو ما يعود بنا إلى أصل الموضوع، وهو هذا الإحساس الزائف عند الشعب المصري بأنه جنس مخصوص غير العرب كلهم، وأنه متفوق عليهم، وأنه أعظم منهم، وأنهم ولا حاجة أمام المصريين، وإذا لم يكن هذا الكلام عنصريا، فهو ألعن، فسيصبح كلام ناس عيانة يستحسن ذهابها فورا لطبيب نفسي، فهذا مرض شهير معروف بالبارانويا، وهو جنون العظمة مقرونة بجنون الإضطهاد، وهذا عين حالتنا السياسية (والشعبية) الراهنة؛ حيث نشعر أننا أعظم ناس على وجه الأرض، ثم إن العالم كله يتآمر علينا ويتحالف ضدنا ولا نسأل أنفسنا ليه؟ ليه بيتأمروا علينا، هل نشكل أي تهديد لأي دولة في العالم؟ هل ننافس أي دولة أو شعب في التفوق العلمي والإختراعات الهائلة أو الصعود للفضاء أو امتلاك الرؤوس النووية؟ هل نهدد الصين في قدرتها على التصدير، ونشكل خطرا على أمريكا في امتلاكها الفيتو؟ هل يرتجف منا نتنياهو وقادة تل أبيب أم يصفوننا بالأصدقاء والحلفاء؟ لماذا تحقد علينا الشعوب العربية؟ هل تحقد علينا لأننا نتمتع بأقوى صحة بدنية في المنطقة، فلا عندنا فيروس سي، ولا فشل كلوي وكبدي، ولا ينتشر فينا السرطان وأمراض السكر والضغط، أو لأننا نشكل أكبر عدد مرضى بالإكتئاب في الوطن العربي، مما يستدعي حقد الشعوب العربية علينا لأننا مفرطو الحساسية؟ هل يحقدون علينا لأننا اكتفينا ذاتيا في الزراعة والصناعة مثلا؟ هل يحقدون علينا لأننا صرنا ننافس كوريا الجنوبية في التصنيع، وهونج كونج في التجارة، والهند في الكمبيوتر، وتركيا في الديمقراطية؟ هل يحقدون علينا لأن رئيسنا عندما يزور دولة عربية يخرج ملايين لتحيته والهتاف باسمه، ورفع سيارته فوق الأكتاف؟ كلها أسئلة أليس كذلك؛ فهل تملك أنت إجابات عنها؟ أم أنك ستكتفي بأن مصر فوق الجميع! أما إذا كان مقصودا بأن مصر فوق الجميع أي أن لها الأولوية الأولى في أي حسابات أو أي قرارات تصدر عن حكومتنا، فهذا كلام بدهي ينطبق على مصر كما ينطبق على أي دولة في الوجود الإنساني، فلا توجد دولة تتخذ موقفا أو قرارا في غير مصلحتها ووفق أولوياتها وإلا تبقى دولة يحكمها مجانين أو عملاء! أما إذا كان مقصودا أن مصر أهم من مواطنيها، فالحقيقة أن لا دولة محترمة تتعامل بأنها أهم من مواطنيها، فالوطن هو مواطنوه، وقيمة وكرامة وكبرياء الوطن من كرامة وكبرياء مواطنيه، وأن حق كل مواطن أن يكون رقم واحد في أي قرارات خاصة بالدولة ومن الدولة، ومع ذلك فإن مصر بلد الكوسة والمحسوبية وحيث يحصل أقل من عشرين في المائة من مواطنيها على أكثر من ثمانين في المائة من الناتج القومي لها، بلد أنت مش عارف أنا مين، وتوريث الحكم والمناصب للأبناء والأصها،ر وتكويش خمسين عائلة على ثروة وحكم البلد، دولة هذا حالها لا يمكن أن تخدع نفسها إلى حد أن تتصور أنها فوق الجميع، فالجميع من السيد الرئيس حتى أصغر مسئول في الحزب أو الحكم فوق مصر! خامسا: طبعا من السهل جدا اتهام هذه السطور وكاتبها، سهل حيث يلجأ البعض حين سماع كلام لا يحبه إلى كراهية من يقوله، لا مناقشة ما قاله، ومن ثم طبيعي جدا أن تخرج اتهامات لكاتب هذه السطور بأنه: -لا يحب مصر· -أنه متشائم ونظارته سوداء· -أنه مأجور وعميل· -أنه يعارض الرئيس، لهذا يريد أن يحط من شأن البلد في عهد السيد الرئيس· أما عن الإتهام الأول، فلا أنت ولا اللي خلفوا حضرتك يملك أن يتهمني أنني لا أحب بلدي، ولا أنا مطالب أن أثبت لجنابك أنني أحبها· أما ردا على الإتهام الثاني، فأعترف أن نظري ناقص سبعة العين الشمال، وناقص خمسة العين اليمين، وعندي استجماتيزم وحصلت على إعفاء من الخدمة العسكرية، بسبب ضعف نظري، ومع ذلك فإن نظارتي بيضاء ولا أحب ارتداء نظارات شمس ملونة أو سوداء طبعا، وإن كنت أحب نادية لطفي وهي ترتديها في فيلم النظارة السوداء، ثم إنني لست متشائما ولست متفائلا، ولا أجد أي ضرورة للتشاؤم والتفاؤل في السياسة بقدر ضرورة الإرادة والعزيمة· أما الإتهام الثالث، فالمأجور والعميل أسهل تهمة يلقيها العملاء والمأجورون على الناس· أما الإتهام الرابع، فأنا أعارض الرئيس مبارك طبعا وقطعا، فأقول كلاما ويرد علينا غيرنا بكلام (ويردون بشتائم أحيانا كثيرة وبقضايا ومحاكم وأحكام بالسجن أحيانا أخرى)، وشوف أنت الكلام الذي تصدقه فصدقه دون تفتيش في نوايا أي من المعارض والمؤيد، ثم أعارض الرئيس مبارك، لكنني لا أعارض مصر، ومصر ليست الرئيس مبارك رغم أن ما فعله فيها الرئيس مبارك ربما جعلها غير مصر التي نعرفها، وأخشى أن يورثها لدرجة أن تصبح مصر تلك التي لا تريد أن تعرفها! سادسا: هل مصر دولة صغيرة وعليها أن تعرف حجمها عشان تتكلم على قدها؟ كل ما كتبته هنا وسأكتبه لاحقا، يهدف إلى أن تسمع تلك الحقيقة التي لا تريد أن تعرفها أبدا، ثم لهدف أكبر هو أن نكبر فعلا؟ ماذا يعني كل هذا الكلام؟ معناه أن مصر دولة عظيمة، مرهون تألق عظمتها بشعبها، برئيسها ورجالها، إما أن يكون الشعب المصري في مرحلة ما من تاريخه يليق بهذا البلد فيرفع من مكانته ويعلي من مقامه وتقدم الأمم وقود منطقته العربية، وإما أن يكون الشعب في مرحلة ما (مثل التي نعيشها من 28 عاما) خامل الهمة، خانع الروح، مهدور الكبرياء، منكفيا منحنيا معزولا، ومنعزلا عن محيطه ومنطقته، فيتراجع البلد مكانة وشأنا ويتحول إلى التباهي الممض والإبتزاز العاطفي المريض، وتزوى قيمه ويصبح دوره هشيما تذروه الرياح····!