عبد الناصر من أطرف الأحداث الاقتصادية التي شغلت المختصين، أن الجزائر تسببت في أزمة التهاب أسعار القمح في السوق العالمية بسبب طلباتها التي تجاوزت الخمسة ملايين طن، تماما كما تسببت الصين في التهاب أسعار النفط في السوق العالمية خلال العشرية الأخيرة بسبب طلباتها القياسية... لكن الفارق ما بيننا وما بين الصين أننا نستورد القمح لنحوله إلى خبز نملأ به البطون بينما تستورد الصين النفط لتحوله إلى صناعات وزراعات، ومنها القمح الذي تنتج منه سنويا أزيد عن مئة مليون طن مستغلة ما تستورده من نفط لتطوير تقنيات زراعة القمح التي جعلتها في المركز الأول عالميا. المفارقة أننا نبيع النفط الهبة الربانية لأجل استيراد القمح، بينما تشتري الصين النفط لأجل تطوير إنتاجها للقمح، وفي آخر حلقة من مسلسل الاستيراد والتصدير ستجف آبار النفط، وبالتالي السيولة النقدية التي تأتي بالقمح، بينما تبقى أراضي القمح في الصين خالدة مثل سورها العظيم الذي دخلت به أعاجيب الدنيا السبع. مازالت الجزائر برغم الدروس التي تحولت إلى أزمات أمنية واقتصادية وسياسية تتعاطى من ذات الخبز الأسود بلون البترول وبرائحة البترول، وبالتأكيد حسب أسعار البترول، فكلما ارتفع ثمنه في الأسواق العالمية إلا وكانت خبزتنا شهية طازجة، وإذا تذبذب سعره تضاءل حجم خبزتنا وتهددها وتهددنا معها الزوال، وزاد غليان الطنجرة السياسية والأمنية والاقتصادية وأصبحت مهددة بالانفجار. من غير المنطقي أن يقارب سعر النفط الثمانين دولارا ولا نتقدم خطوة واحدة في إنتاج قوت يومنا من رغيف خبز ولمجة بطاطا وقطرة حليب.. ومن غير المنطقي أن نتهم السماء دائما بشح غيثها أمام نكسة "القمح" التي تلاحقنا. المشكلة أن مصر البلد القاحل الذي لا تصب فيه الأمطار إلا بزخات موسمية ينتج سبعة أضعاف القمح الذي تنتجه الجزائر.. والمشكلة أن المملكة العربية السعودية تصدر قمحها إلى الدول الأوروبية والمشكلة الكبرى أن سبب تأخرنا ليس في هاته الأرض ولا في السماء وإنما فينا.