هل يمكن أن نعتبر الأصوات الفنية المدافعة مؤخرا عن أهمية الموعد الانتخابي الرئاسي 17 أفريل، شكلا من أشكال الوعي السياسي الذي بلغه الفنان الجزائري، أم أنه مجرد طبل يقرع لصالح جهات معينة ما تزال تتحكم في القطاع الثقافي والابداعي في البلاد؟ الساحة تعج بمتناقضات صارخة، في مقابل هرج ومرج بعض المغنيين والممثلين، لم يطالب لسان حالهم بقراءة البرنامج الثقافي للمترشحين الستة للرئاسيات. الأصوات الفنية المجندة في الأسبوعين الاخيرين، ضاعفت من حضورها في الساحة الفنية والاجتماعية والاعلامية، بخروجها من قاعات الحفلات ومنصات المهرجانات، لتطلق عنانها للمدح والشكر وترفع شعارات نظامية محضة، باسم المصلحة العامة، والدعوة الى عدم المقاطعة، وحمل لافتات تعلن صراحة مساندتها للمترشح عبد العزيز بوتفليقة. وإن كان الموقف الاخير حقا من حقوقها، ودليل على رغبة من رغبات هذه الشريحة الاجتماعية، إلا أن البارز مؤخرا، أن هؤلاء الفنانين بانحيازهم للإدارة والقطاع الذي ينتمون اليه، تكون قد مرغت أنفها في لعبة سياسية هي ليست على قدر مستواها، فلا طالما أظهر الفنان الجزائري حساسية مفرطة من السياسة، وكان في كل مرة يطرح عليه السؤال حول موضوع سياسي، يجيبك: "خاطيني السياسة أنا فنان"، وها هو اليوم نفس الذي طلب إعفاءه من الخوض في تفاصيل سياسية، يعير صوته للإدارة: وزارات ومؤسسات عمومية، يطلب من جمهوره المشاركة بقوة في الانتخاب، يعزز الشعور بأن الجزائر على كف عفريت اذا ما قاطع الشعب الصندوق، ويغرس في إسماع الناس، عبر أثير الإذاعات وصور التلفزيون، ان الانتخاب واجب، والواجب يساوي حب الوطن، والجزائر اليوم أمام مصير لا ثانية له: الاستمرارية والاستقرار، المرهونان برئيس الجمهورية بوتفليقة. ما يحدث اليوم في الساحة الفنية الجزائرية، لا ينطبق عليه المثل القائل "الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية"، لأن ذلك المغني والممثل اختار التملق والتزلف، بدل الحرية التي تردف الابداع، وسجن صوته في استديوهات سجلت اغنية بالمال العام لصالح مرشح على حساب منافسيه في السباق المصيري؟ أغنية احتضنها المسرح المركز الثقافي عيسى مسعودي التابعة للإذاعة الوطنية بشارع الشهداء، وقبلها جمع الشاب يزيد ثلة من أصحابه رفعوا راية بوتفليقة عاليا، ليتحول تجمعهم الى ومضات إشهارية تعرض كل دقيقة على المتفرجين؟ دعمت الإدارة العمومية هذه الأصوات "المسالمة" ومنحتها كل الامكانات والتسهيلات لتوصل صوتها الى الجمهور، للأسف ولا واحد من هؤلاء "الفنانين" خرج من صمته يناقش برنامجا سياسيا لأحد المرشحين، يطلع عن الشق الثقافي لهذا أو ذاك؟ الغريب أن الذين التقتهم "الجزائر نيوز" في مثل تجمعات قصر الثقافة مفدي زكريا، لا يعرفون حتى برنامج عبد العزيز بوتفليقة، فما بالك ببرنامج حنون أو بلعيد أو بن فليس أو تواتي أو رباعين؟ الكل في غيبوبة تائه في شعار عريض طويل لا يفقه كنهه شيئا. طاقة الحفظ ملكة الفنان كما نعلم، إلا أنها تذيب الذكاء والفطنة من شدة العادة التي تقتل الروح. الطريف في أمر هؤلاء المغنيين والممثلين، أنهم يظنون أنهم استفادوا من قانون أساسي يحميهم من نوائب الذهر، ولا يفرقون بين المرسوم التنفيذي والقانون؟ كان الأجدر بالطبقة الفنية هذه ان تناقش الحياة اليومية للمواطن الجزائري في مختلف النواحي، ان تخرج الى التجمعات وتلتقي بالشعب، بل حديث الصالونات، أن تندد بالتجاوزات ضد المواطن البسيط المحروم من العمل والسكن والصحة. كان موقف هؤلاء الفنانين سيكون مؤثرا ومقنعا لو التمس الشارع تواجدهم الفعلي معهم. المعطيات الحالية سياسيا واجتماعيا وثقافيا، تستدعي طرح إشكالية علاقة الفن بالسياسة في الجزائر، أو الفن في المدينةالجزائرية، من حيث أنه منتج لأفكار ومجسد لقناعات، إبراز الجمال والمشاعر ونقلها الى الجمهور بوسائط مميزة. من جهة أخرى، هل المغني والممثل أو حتى الرسام التشكيلي والموسيقي مطالب بالنزول من برجه العالي ليتحدث عن ما يجري في الحياة اليومية للناس، خاصة أن الأصوات المسموعة آراؤها الآن في الجزائر لا تمثل كل الفئة المبدعة في البلاد، إذ الكثير من المغنيين والممثلين والتشكيليين و الموسيقيين والمسرحيين والكتاب والسينمائيين، يلتزمون الصمت لغاية الساعة، ولم يخوضوا في غمار الجدل القائم ولا نعرف لهم أي لون سياسي ولا توجه ضد أو مع؟