لا يمر يوم على الناشطين المصريين دون الحديث عن "المناظرة"، الصحف، مواقع التواصل الاجتماعي، والفضائيات (التي أضحت أكثر من الهم على القلب)، كلها تتحدث بشكل مستفيض عن "المناظرة" التي توقع بعض المصريون أن تجري بين مرشحي الرئاسة، عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي، كما هي عادة معظم التقاليد الديمقراطية في العالم، وكما حدث في الانتخابات الأخيرة عام 2012، في مصر نفسها. إلا أن حديث "المناظرة" تحول من مجرد "توقع" إلى "مطلب" لدى أنصار "حمدين"، بينما اعتبر بمثابة "حديث إفك" لدى أنصار السيسي، الذين ما فتئوا يدينون ويشينون هذا المطلب كما لو كان فعلا شيطانيا، فمجرد طرح فكرة المناظرة تبدو بالنسبة لهم تقليلا من شأن مرشحهم المغوار. فيما يستفز أنصار حمدين منافسيهم بالإصرار على هذا المطلب! في تصوري الشخصي وفي هذه الظروف الملتبسة وغير النموذجية لإجراء انتخابات رئاسية، وفي ظل حالة الاستقطاب الحاد، وأجواء الخوف، وعودة البطشة الأمنية، وعدم حياد أجهزة الدولة الخشنة والناعمة، في ظل كل هذه الظروف والأجواء لا يمكن توقع أن مجرد "مناظرة" تلفزيونية يمكن أن تحدث تغيرا جذريا في معادلة الانتخابات المفترضة، وبالتالي فإن الحديث عن "المناظرة" لا يمكن اعتباره رهانا جديا بقدر ما هو إشارة رمزية تشي بالكثير مما يفتقده / أو يخشاه المشير السابق، والمرشح الحالي الذي يوصف "بالأكثر حظا" أو بالأحرى الأكثر حظوة ودلالاً من قبل جهات مهمة في الدولة العميقة. ورغم كل ذلك تبقى "المناظرة" عنوانا يخفي خلفه الكثير من أدوات الصراع ومستويات الطرح والتحاور، فكما نعلم أن المشير خرج في حوار استغرق وقتا قياسيا، الأسبوع الماضي، حيث بدأ بتحضير أسئلته، (وتم استقبال الصحفيين من قبل المرشح في اليوم الأول للتعارف - حسب ما ورد في تصريح حملته) ثم تم تسجيل الحوار (في اليوم التالي) ثم منتجته بطريقة خاصة (في اليوم الثالث)، قبل أن يبث على الناس في رابع يوم!! ورغم كل ذلك بدا مثار جدل للكثير من المتابعين ومثار سخرية من بعضهم الآخر، بل قدّر حتى أقرب مؤيديه أنه بمثابة "خصم من رصيده" وليس إضافة بأي شكل! وعلى العكس من ذلك تماما، حلّ حمدين صباحي أول أمس، ضيفا على الإعلاميين "مجدي الجلاد وخيري رمضان" على شاشة قناة CBC في برنامج مباشر، ليرد على أسئلتهما وأسئلة الجمهور المشارك عبر موقعي "تويتر" و«فيس بوك".. وقد بدا صباحي عبر هذا البرنامج منفتحا على الحوار غير مقولبا له، وغير ضائقا بالأسئلة. وهو ما جعله يسجل الكثير من النقاط على منافسه من حيث الشكل على الأقل. وعندما نتناول المضمون فإن مداخلات وردود السيسي في الغالب جاءت غامضة، مبتسرة، ومتعجلة، وبعضها بسيط وغير عميق بل غير عملي، حيث ركز على الشعار أكثر من المشروع والبرنامج الواضح، فيما حاول حمدين المزاوجة بين الشعار وطرح مشاريع محددة. تتعلق بالشباب والبطالة ورؤيته لقانون التظاهر وحرية التعبير وحقوق الإنسان واتفاقية كامب ديفيد وسد النهضة الإثيوبي وغيرها من القضايا التي أجاب عنها بوضوح. كل ذلك يضع حديث "المناظرة" سواء على مستواه المضاميني أو العملي غير ذو أهمية أمام تحقق أهدافه على الأرض دون حدوث المناظرة نفسها .. لا أعتقد أن هناك ضرورة ملحة لأي مناظرة مرتقبة أمام تحقق كل شروطها في الحوارين الماضيين فقط!