رواية للكاتب الجزائري محمد جعفر، وهي روايته الثانية وعمله الرابع المنشور بعد روايته الأولى "ميدان السلاح" ومجموعته القصصية "طقوس امرأة لا تنام" ومجموعته الشعرية "العبور على متن الحلم". جاءت الرواية في 176 صفحة، وصدرت حديثا عن منشورات الاختلاف بالجزائر ومنشورات ضفاف اللبنانية. تبدأ قصة الرواية بخبر مقتل شابة في شقتها بمدينة مستغانم بعدما أعتدي عليها. نتعرف على قصة الفتاة من تتبعنا لمجموعة من الأبطال الفاعلين، منهم المحقق وأشخاص كانوا على صلة بالضحية. ويلاحظ من ذلك أن هذا العمل لم يرتكز على الشكل التقليدي للرواية، ولم يعتمد على فكرة البطل الواحد، وعلى عكس ذلك راهن على تعدد الأبطال أو إن كان جميعهم من أصحاب الصوت الخشن. وكأن الكاتب يتعمد ذلك ويحاول أن يعكس لنا واقعا معيشا كثيرا ما نجده في وطننا العربي حيث صوت المرأة فيه منفي ومصادر.. كل بطل يسرد واقعه وجانبا من حياته وتجربته الخاصة مع الفتاة، ومن مجموع حكاياتهم يمكننا أن نكتشف الفتاة الضحية وعالمها. كذلك كل صوت هو مسؤول بشكل ما وله ضلع في مقتل الفتاة أو هذا ما يحاول الكاتب قوله، ثم وكأن كل صوت هو ناقوس يدق ومن مجموع تلك النواقيس تعلن القيامة. إن مريم المقتولة في شقتها هي صوت المرأة الغائب، ورغم أنها محور النص وعماده فإن القارئ لا يمكنه أن يتعرف عليها إلا من خلال الصوت الذكوري الذي قد يطمس وجه الحقيقة ويقدم بديلا عنها مجموع حقائق قد لا تعني الواقع في شيء. إنها الحقيقة التي يفرضها علينا المجمع الذكوري ما دامت له الغلبة والسيطرة. ولا غرابة في الأمر ما دام هذا وجه واقعنا المكرس. من حيث التقنية، فقد كتبت الرواية بأسلوب التجريب، بحثا عن الاختلاف والتفرد والخصوصية لتحقيق نوع من المتعة غير المعتادة من خلال الطرح، ما دامت الرواية القالب الذي لا يعرف الاكتمال ولا تحده الحدود على قول باختين. وقد حاول الكاتب المزج في عمله بين أسلوب الخبر الصحفي والرواية البوليسية لتحقيق التشويق والمتابعة، وقد قام بذلك دون الالتزام بحرفية الشكل البوليسي في الرواية. مقطع من الرواية: يعرف رشيد أن مثل هذه القضية لم توكل إليه عبثاً؛ لا أحد يمكنه أن يشكك في قدراته. لقد كان بارعاً في الكشف عن أسرار قضايا عديدة وضع يده عليها. إن حدسه القوي بالإضافة إلى الجرأة التي يتمتع بها ما يمنحه رؤية صائبة، ولا يمكن أن يكون من منحه لقب "السلوقي" أراد النيل منه بالسخرية فقط، فلقد كانت هذه الكنية تدل على اسم نوع من الكلاب العربية تتسم بصفات عديدة لعل أهمها مطاردتها الصارمة لضحيتها، فهي لن تتوقف أو تتراجع ما لم توقعها بين فكيها وأنيابها، وسريعا ما لفت انتباه المسؤولين بكفاءته العالية وجودة أدائه، ومكنه هذا من أن يترقى سريعاً، ولو أن الشهرة قد جلبت إليه حساداً كثيرين من أعداء النجاح. أثناء الطريق سأل رشيد مرافقيه أيضا عن أي جديد آخر يمكن أن يكون قد حصل أثناء غيابه، وقال مساعده: لا جديد، إلاّ أننا نراقب الوضع عن كثب بعد قرار السلطات رفع الضرائب على المواد الاستهلاكية. نحاول توقع رد فعل التجار، ومع ذلك ما نخشاه هو أن يتحرك الشارع في ظل الوضع المتأزم. مثل هذا القرار يمس جيب المواطن بالدرجة الأولى.. إننا نعيش في بلد مجنون. أنا لا أفهم كيف تقرر السلطات رفع الضرائب في عزّ الأزمة.. وكأنهم يستعجلون ساعتهم. ألا يرون ما يحدث في دول الجوار! حقاً في السياسة كلنا بآذان طويلة. لا أحد يقدر أن يفهم كيف تُدار الأمور عندنا، فإما أن تكون هذه البلاد بمكر شديد، وإما أنها خاضعة لنزوات شيطان يقف على هرمها ولا يهمّه شيء، والحقيقة أنيّ صرت أشك في الحالتين! إننا جزء من هذه السلطة المدعيّة، ورغم ذلك لا أظننا نعرف كيف تُسيّر الأمور عندنا. من يملك اليقين يا ترى! ما نحن إلاّ قطع شطرنج يتم تحريكنا وفق أهواء اللاعبين الكبار، لا ينتظر منا أن نرفض أو أن يكون لنا أدنى موقف. خاضعون تماماً لمن أمرنا بيده، سواء كان يلعب بمهارة أو بغباء شديد، ليس لدينا الحق في أن نحتج! وعلى رأيك لهم السلوى ولنا يوم عصيب آخر. لقد أخبرتك، ليس من حقنا الشكوى، فابلعها وأسكت. إلاَّ هذه المرّة!.. كنت محتاجاً جداً إلى النوم هذا الصباح. لقد أصابني الأرق ليلة البارحة.. لماذا؟ ألا تؤدي الزوجة الجديدة الدور المنوط بها! ماذا تقصد؟ غالبا ما كان رشيد يُنكِّد على صاحبه لحسن وهو يحاول أن يمازحه؛ وكان هذا الأخير يعتبر مزاح صديقه ثقيلا غير محبذ، سريعا ما يضيق نَفَسه به؛ ما كان يشكل حافزا إضافيا لرشيد فلا يكف عنه، ويظل يطارده محاولا إثارته والنيل منه، ساخرا من رد فعله، ومستلذا بوقع كلماته العابثة عليه.. أليست المسكن ضدّ الأرق على الأقل! شرير. ليكن في علمك أنها في منزل والديها منذ أسبوع. أمّها مريضة. لو كنت عريساً جديداً مثلك لأمرت باحتجازها رهينة. ها أنت تدفع الثمن. مرحى.. وفتح السائق راديو السيارة.. لا أحداث هناك إلاّ ما يجري في تونس وليبيا.. ثورة، هكذا يقول الجميع.. وراح السائق يتحدث عن مشاهداته ليلة البارحة في نشرات الأخبار العربية والعالمية، حتى صاح به رشيد: دعنا من أخبار القيامة على هذا الصباح. وردد لحسن يؤيده: إيه، تكفينا القيامة التي نحن بصدد حضورها الآن! إصدارات "الحتة الناقصة.. حكايات افتراضية" عن دار المحروسة للنشر والتوزيع صدر كتاب "الحتة الناقصة.. حكايات افتراضية" للكاتبة ناهد صلاح، يستعرض مجموعة من الحكايات يمتزج فيها العام بالخاص، الحب بالثورة، فينقل ملامح تجربة ذاتية تلتقط من خلالها المؤلفة صوراً متعددة للمجتمع المصري خلال عام مضى كان شاهداً على لحظات حاسمة في تاريخ البلاد والثورة المصرية، سرد تنفلت بين سطوره أوراق من العمر، ويتوغل في عالم الأساطير والتراث بزاوية مختلفة عما هو معروف وسائد. يقدم الكتاب شهادة في الزمان والمكان كما يعد وثيقة اجتماعية في تحولات الزمن على خلفية من قصة حب افتراضية تحدث عبر وسيط اليكتروني في لحظات إنسانية صرفة وتضيف مناخاً من البهجة والأمل بالرغم من الأحداث القاسية المحيطة، ومن هذه النقطة تنقل المؤلفة شهادة برؤية خاصة لكل هذه الأحداث التي وقعت العام الماضي وأثرت على قصتها الخاصة، فتحلق في عوالم مدهشة، فيها من ملامح السيرة الذاتية، وتمتزج فيه المساحات الجمالية بالمساحات الإنسانية. سبع حكايات تراثية وتاريخية وشعبية اختارتهم الكاتبة كمفتتح للفصول السبعة التي يتضمنها كتابها: "حسن ونعيمة، ألمظ وعبده الحامولي، عزيزة ويونس، ناعسة وأيوب، زبيدة ومينو، زليخة ويوسف، شهرزاد"، لكنها لم تقصهم كالمعتاد، بل كما قصتها عليها أمها بغض النظر عن صحتها ومصداقيتها، فقط ما أراداته الفن والخيال وراء الحكاية. وتقدم المؤلفة تحية خاصة للسينما كنافذة متاحة بالنسبة للمصريين كي يتنفسوا وينسوا قليلاً واقعهم المخيب، فتذكر في مقطع بارز اختارته ليكون على الغلاف الأخير للكتاب: الحياة حلوة أوي في السيما.. السيما هي الجنة"، تهدي المؤلفة كتابها إلى أمها وجدتها وكل النساء في حياتها دون أن تقع في فخ التحيز، لكن من خلال سرد تأملي يدعمه لغة متطورة وحضور طاغ للصورة. "مدينة الجزائر، ظلال وأضواء" جديد الكاتب الفرنسي آلان فيركوندليه كتاب صدر مؤخرا عن دار فلاماريون بباريس عنوانه "مدينة الجزائر، ظلال وأضواء"، جمع بين الشهادة التاريخية، وأدب الرحلة، وأدب البوح، بوح الكاتب بعلاقته بأحبّ المدن إلى قلبه. وهو إذ يرسم تاريخها المعقد المليء بالأحداث، من القصبة والبيار وحيدرة إلى الحي الأوروبي، وثقافتها ونمط عيشها الفرد، يقدم صورة الجزائر البيضاء، "الحرة والخالدة" كما يقول، التي تبهر الزائر بتضافر الحضارات في أعطافها دون أن تمحو اللاحقة السابقة. مدينة لم تفقد روعتها برغم تطور العمران على الهضاب المجاورة، وما زالت تثير في النفس نفس ما كانت تثير في أنفس زوارها في القرن التاسع عشر بفضل موقعها الجغرافي وإطلالها على البحر. "التأويلية العربية.. نحو نموذج تساندي في فهم النصوص والخطابات" صدر مؤخرا عن منشورات الاختلاف بالجزائر كتاب "التأويلية العربية.. نحو نموذج تساندي في فهم النصوص والخطابات" لمؤلفه محمد بازي. وفيه محاولة لإعادة بناء مفهوم التأويل من خلال العودة به إلى أصوله ومراعاة استجابته للتصور الذي يقترحه الكاتب في هذه الدراسة، وكذا ملاءمته للظاهرة النصية في بعدين بارزين: الديني والأدبي، في أفق لتعميم هذا التصور على بقية أنواع النصوص الأخرى: التاريخية والفلسفية والقانونية، بما يلائم خصائصها. يعرف الكاتب "التأويل" بكل فعل قرائي يروم بناء المعنى، استناداً إلى أدوات ومرجعيات وقواعد في العمل، والتزام مطلق بحدود البلاغة التأويلية، وهي خلاصة تجارب جماعية في تأطير الفهم وبلوغ الدلالة. إن التأويلية التي ارتضاها النسق التأويلي العربي الإسلامي مؤسسة على بلاغتي الارتداد الفعّال نحو المرجع المؤطر: الديني، والعقدي، واللغوي، والنحوي، والبلاغي، والتاريخي، والاجتماعي. وبلاغة الامتداد في اتجاه استقصاء المعنى وتكوينه، وما يرتبط بذلك من اجتهادات وفروض وتخمينات، وكذا إنجاز ألوان من الربط بين النص وسياقه، والترجيح بين الأقوال، وصرف الظاهر إلى الباطن.