يزداد اقتناعي يوما بعد آخر أن مشكلة المشاكل عندنا تبدأ من ذلك الشعور الغريب نحو بعضنا البعض بالاحتقار والغيرة والكراهية المريضة لأنفسنا قبل غيرنا، وللأسف هذا السلوك الذي قد لا ألوم عليه بسطاء الناس عندما يرددونه دون وعي، فأنني لا أجد المبررات المقنعة عندما أسمع نخبة القوم تردده بصورة مؤسية للغاية، تردده بينها وبين نفسها حينا ومرات بالسلوك الاستعلائي المعروف عند نخبتنا تجاه بعضهم أيضا، كما لو أن الهدف الوحيد لأي كاتب أو مثقف عندنا هو قتل قرينه، صاحب مهنته، الكاتب مثله، العدو الأول والأخير· حتى في مجال السياسة يتعلم السياسيون التمرن على الغيرية وقبول الآخر/القرين والند، التعامل معه، الدفاع أحيانا عن موقف مشترك أو غاية متفق عليها، وحتى عند رجال الأعمال والتجارة لا تتحمل العداوات وقتا طويلا قبل أن تعود المياه إلى مجاريها لأن المصلحة اقتضت ذلك، ولكن عند المثقفين واستعملها بصيغة معممة ومجردة لأنني لا أجد كيف أميز هذه الفئة عن غيرها رغم علمي أنها مليئة بمن يدعي أشياء لا يملك منها إلا الاسم فقط الذي يطلق على الكل فالأمر يختلف تماماً، ويصبح من الصعب فهم طبيعة العقدة من الذات، والعقدة من التلاحم أحيانا من أجل صيانة قيم معينة وأهداف في غاية النبل بحيث تكبر من خلالها النفوس عن صغائر الأشياء وتفاهات الأحقاد العابرة التي تلطخ الوعي والبصيرة وتقتل الروح الحقيقية لأي كائن·· منذ أيام ظهر اسم روائي جديد، متميز ومختلف وهو بطبيعة الحال لا يحتاج لتزكيتي فكتابته تفصح عن ذلك، شأنه شأن العديد من الكتاب الجدد الذين رغم اكفهرار سحب السماء الثقافية عندنا يظهرون بقوتهم الفردية لا غير ضد عملية استئصال تقوم بها أحيانا جهات ثقافية من نفس الجسم لوأدهم، لإدخالهم في حلبة المتحرين قبل الأوان ومن جهة المناخ الرديء المشبع باليأس الذي لا يؤمن بقيمة الأدب الذي أتفق مع جاك ديريدا أحيانا عندما يقول /لا أدب من دون ديمقراطية ولا ديمقراطية من دون أدب/ ولا يؤمن بالجماليات والرمزيات وبالتالي يقف كحاجز منيع لقطع الطريق أمام ما يحلم به الأدب من إشاعة روح التأمل والأمل، فلا تنتظروا من الأدب أن يكون صورة مثالية عن الحياة أو بئر بترول جديد ينفع الناس ماديا ولن يحل مشكلة السكن المريرة ولا أي شيء، انه فقط علاج للنفس الأمارة بالسوء ودواء للتعفن الروحي والأخلاقي، لنقل أن الأدب هو الحرية بأجمل معانيها واسماها ولهذا فهو يتطلب قدرا كبير من الاهتمام به لكي يكون أكثر صراحة من كل الخطابات الأخرى التي تخضع للزيف بحسب تقلبات الأحوال والظروف· قلت ظهر اسم روائي كان بحاجة في لحظة من اللحظات أن تقف معه الصحافة الجزائرية والكتاب الجزائريين الكبار منهم بخاصة الذين كان عليهم وهم يقرؤون اسمه في قائمة البوكر الطويلة أن يفرحوا ويسعدوا وان يبحثوا عن روايته ويقرؤونها ويكتبون عنها في مختلف الصحف العربية الكبيرة تضامنا منهم مع النص الجزائري بغض النظر عمن كتبه لأنه في حلبة منافسة ويحتاج لهذا الدعم والمساندة · هنا كان يجب أن تبطل العداوات، وتنقص الحزازات وتخف الشحنات السلبية ضد بعضنا البعض، لان الهدف هو اسم نص جزائري يدخل منافسة عربية كبيرة وبحاجة لوقفة تضامنية مثلما وقف الجميع مع الفريق الوطني لكرة القدم· للأسف لم يحدث هذا، مع أن كتابا مصريين كبارا فعلوها نعم، وضغطوا وتمكنوا من تمرير كتابهم للقائمة القصيرة للبوكر، أما نحن فلا، لا أحد ممن سيتشدقون بأشياء كثيرة وبقيم لا قيمة لها تجرأ وتدخل وكتب ما كان يوجبه عليه ضميره الأدبي أولا· ومؤخرا شاركت منشورات الاختلاف في معرض بيروت بجناح كامل ضم ما يقرب 250 عنوانا أكثر العناوين هي لكتاب جزائريين وماذا نقرأ في الصحافة بهذه الوقاحة الغريبة /غياب كلي للجزائر عن معرض بيروت/ على من نكذب؟ ولصالح من؟ إذ بقي الجزائري نافرا من جزائريته فلأن من ندعوهم مثقفون يسيرون منذ سنين في طريق تدمير الذات والتأسيس للاستلاب في الآخر، ولن نلوم لا مصر ولا غيرها عندما يقفون صفا واحدا ضدنا لأننا ما زلنا لا نؤمن بأنفسنا بما فيه الكفاية كي ندافع عنها حتى الرمق الأخير·