-- أتذكرُ·· أنه قبل سنين، كان هناك لقاءٌ كروي مع الجزائر في القاهرة، وفازت مصر وسط هدير مائة وعشرين ألف مشجع في استاد القاهرة· واستهانةً بمائة وعشرين ألف مشجع مصري، واستخفافاً بقلب القاهرة التي يهدر فيها ضجيج الملايين من المصريين، فقأ اللاعب الجزائرى الشنيع البائس (الأخضر بلومي) عينَ طبيب مصري·· طبيبٌ مصري، أجهد أهله أنفسهم لتعليمه ولجعله إنساناً مرموقاً، يفقأ عينه شخصٌ تافه، تصادف أنه يجيد اللعب بالكرة، وتصادف أن أهله لم يحسنوا تربيته وتعليمه وجعله إنساناً مرموقاً، فكانت النتيجة أنه صار يحرز لفريقه الأهداف، ويفقأ للمصريين عيون أطبائهم·· -- لم أفكر ثانية في السفر إلى هذا البلد، فرحمتُ نفسي بذلك من تكرار مثل هذا الأمر الذي وقع هناك·· وقد أكون رُحمتُ من تفجيرٍ عشوائي أو مذبحةٍ جماعية من تلك المذابح التي نراها دوماً على شاشات التلفزيون، ولا أحد يعرف لماذا يذبحون بعضهم البعض؟ وهل الجماعات الإسلامية هي التي تذبح القرويين حقاً، أم تذبحهم الحكومة كي تدين الجماعات الإسلامية؟ وهل هناك حقاً حكومة وجماعات إسلامية بهذا البلد المسمى (الجزائر)؟ مع أنه في معظمه امتدادٌ صحراوي لا يحوطه بحرٌ، مثلما تحوط البحار الجزر (الجزائر)· -- عرفتُ عن الجزائر أنها بلد يعتصره البؤس، فلماذا لم تعرف حكومتنا أن البؤس يغوص في نفوس الجزائريين، بعدما قاموا بعد المباراة الأولى بالهجوم على المصريين في بلادهم وفي فرنسا وفي بلدان غير ذلك· -- فقلتُ لهم يوماً في نقاشٍ جمعنا، وبعدما فاض بي الكيلُ من كلامهم وبلغ بي السيل الزُّبى، ما ملخصه أن المغاربة أكثر رقياً وتحضراً من الجزائريين، وأن المغرب بلد حقيقي عرفناه في التراث وفي الحاضر، ولكن تراثنا لا يعرف بلداً اسمه (الجزائر) ولم يستخدم أحدٌ هذه التسمية غير المطابقة لواقع الحال، أعني لهذه الصحراء التي تمتد في كل الجهات، وتمتد في نفوس الناس· ولذلك لم تصح أخلاق سكان الجزر، لسكان الجزائر، لأن سكان الجزر عادة ظرفاء· -- لماذا أتذكرُ؟ لأن المعرفة كما قال أفلاطون تذكُّر، والجهل نسيان· لقد نسينا ونسى الجزائريون أن مصر هي التي أنفقت من أموالها كي تجعلهم عرباً، وأغدق جمال عبد الناصر عليهم وأوفد لبلادهم المدرسين المصريين كي يضعوا على ألسنتهم اللفظ العربي الذي أنستهم إياه فرنسا (الحرة) فلا هم ظلوا من بعد ذلك عرباً ولا هم صاروا فرنسيين· -- ولا بد لنا أن نعي جيداً، أن (الجزائر) لا يصح أصلاً أن تكون خصماً لمصر، ولا كفوا لها·· وأن نعي جيداً، أن قطع العلائق مع الجزائر لن يضير مصر لا على المدى القريب ولا البعيد، وقطع النظر عن وجود هذا الامتداد القاحل في قلوب أهلها، سوف يضيف لنا أمراً عزيزاً فقدناه·· أمراً اسمه الكرامة التي أُهدرت بغير سبب ولا غاية إلا هوى الحكام وأحلام السياسيين في كل العصور··