مصطفى براف مهندس المصالحة على طريقة الأفلام الهوليودية وفيما يعرف بالنهاية السعيدة (الهابي اند) انتهى أطول مسلسل مأساة نجم من نجوم الرياضة وأساطير كرة القدم الجزائرية لخضر بلومي، ليسدل الستار عن معاناة دامت عقدين من الزمن. * * الطبيب المصري يتنازل عن "حقوقه" المدنية والجزائية دون تراجع * الآن وبعد 20 عاما عن اليوم الذي شهد أشهر المباريات التي جمعت بين المنتخب المصري ونظيره الجزائري في يوم الجمعة 17 نوفمبر 1989 في المباراة الفاصلة المؤهلة لمونديال إيطاليا 1990 تم أطول مسلسل لقضية شائكة بين الطرفين المصري والجزائري لتلوح في الأفق بوادر تلطيف الأجواء قبيل المواجهة القوة والهامة بين منتخبي البلدين في تصفيات المونديال بعد شهرين من الآن. * وحصلت "الشروق" على معلومات رسمية تؤكد أن الطبيب المصري تنازل عن الدعوى القضائية التي رفعها على النجم الجزائري السابق لخضر بلومي، في الواقعة التي حدثت يوم 17 نوفمبر من العام 1989 خلال مباراة مصر والجزائر بملعب القاهرة في إطار تصفيات مونديال 1990 ، والتي زعم خلالها الطبيب المصري بتعرضه إلى اعتداء من طرف بلومي سبب له عاهة مستديمة على مستوى العين. * * وتم بالقاهرة حل المشكلة بصفة نهائية بعد ان قدم بلومي اعتذاراته الرسمية عن طريق رئيس اللجنة الاولمبية الجزائرية بداية هذا الأسبوع بالعاصمة المصرية، مقابل تنازل الضحية (الطبيب المصري) عن حقوقه الصادرة في المحضر القضائي والحكم الصادر ضد بلومي، من بينها إلغاء مذكرة التوقيف الصادرة في حق أحد صانعي أفراح الكرة الجزائرية لخضر بلومي. * * مساع مصرية جزائرية تثمر بحل القضية * كان الطرفان الجزائري والمصري قد بذلا كثيرا من المساعي في كل مرة، محاولة لتخطي تبعات الحادثة الشهيرة، لكنها لم تصل الى المستوى المرجو. * * إلا أن الأمور الجدية بدأت تعود الى الواجهة العام الماضي خاصة بعد ان أسفرت قرعة التصفيات المونديالية عن وقوع المنتخبين في مجموعة واحدة. * * وبالنظر الى الحساسية "الكروية" الموجودة بين البلدين وخشية تطور الامور نحو الاسوأ ظهرت في الافق بوادر تهدئة من الطرفين، لكن ذلك كان يمر حتما عبر حل المشاكل العالقة في أساسها مثل ما عرف بقضية لخضر بلومي، والتي شكلت حجر الزاوية في الحساسية الموجودة بين جماهير البلدين. * * بوتفليقة تكفل شخصيا بملف "بلومي" * بيد أن الأمور الجدية بدأت حينما تعهد رئيس الجمهورية بحل المشكلة بعد أن تأكد من مدى تعقد القضية بتفاصيلها، بعد ان منح النجم الكروي هبة معنوية تتمثل في زيارة مجانية للأراضي المقدسة لكن ذلك اصطدم بواقع مر هو صدور مذكرة التوقيف من طرف الشرطة الدولية (الانتربول). * * وتقرر حينها بذل مساع على أعلى مستوى الى غاية الزيارة الاخيرة لرئيس الجمهورية إلى وهران أثناء تجمع الرئيس في إطار الحملة الانتخابية حينما استقبل بلومي بالأحضان في رسالة ضمنية من الرئيس لحل "مأساة" عمرت طويلا. * * وسبق لرئيس اللجنة الاولمبية مصطفى بيراف ان تعهد بحل المشكلة بعد ان تلقى ضمانات فوقية أثناء حفل الكرة الذهبية لصحيفة "الهداف" بحضور النجم لخضر بلومي والسفير المصري بالجزائر وتم خلالها رفع العلمين الجزائري والمصري. * * وأقسم بلومي انه بريء من القضية براءة الذئب من دم يوسف، لكن هذه المبادرة كانت تنتظر الهروب من الخطاب الشعبوي إلى التجسيد لكن الانتظار لم يدم طويلا هذه المرة. * * القضاء هو السبيل الأمثل لحل الاشكال * وإذا كان حل القضية لا يتطلب خطبا جوفاء وإنما حل القضية وفق إجراءات قضائية، فإن ذلك اصطدم بكثير من المطبات منها تعنت الطرف المصري، ثم المطالب التعجيزية للضحية المزعوم (الطبيب المصري) الدكتور احمد عبد المنعم، احمد عبد الهادي، لتتولى اللجنتان الاولمبيتان المهمة نظرا لثقلهما في الوسط الرياضي، وأمام الرأي العام، توافقا مع رغبة السلطات العليا في كل بلد لطي صفحة الخلاف نهائيا. * * واشترط الطبيب المصري اعتذارا رسميا بالإضافة إلى مطالب مالية اعتبرت مبالغ فيها حيث قدرت بحوالي 10 ملايين دولار (حوالي 6 ملايير سنتيم). * * بلومي نفسه رفض تقدم الاعتذار عن عمل لم يقم به، ولكن القضية بحكم التقادم أضحت أكثر تعقيدا طالما أن أمر التوقيف صدر من طرف الشرطة الدولية وبات ساري المفعول منذ سنوات. * * وكان سمير زاهر رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم صرح بأنه "حان الوقت لكي تجد طريقها إلى الحل، خاصة أنها ظلت معلقة دون أي محاولات لتذويب الخلافات لمدة 20 عاما". * * ورغم ان زاهر لم يتمكن من زيارة الجزائر بسبب الشحن الزائد الذي سببته قضية "التوأم حسن" إلا أن لقاءه مسؤولي الاتحادية الجزائرية بتونس أكد رغبة مصرية في حل القضية. * * وقال زاهر حينها "حادثة بلومي مر عليها 20 عاما وما زالت عالقة في الأذهان؛ لذا أرى أنه حان الوقت لنقوم بخطوات عملية واضحة المعالم من أجل إنهاء المشكلة التي لعبت دورًا في زيادة التوتر بين الجماهير المصرية والجزائرية، وأشعر بثقة كبيرة في قدرتي على إغلاق هذا الملف قريبا". * * وسبق لعدد من اللاعبين الدوليين الذي كان ضمن تعداد الخضر بالقاهرة أن برؤوا ساحة النجم الجزائري من التهمة التي ألصقت به زورا وبهتانا، وشهدوا على ذلك خلال جلسة شكلية بمحكمة معسكر التي برأت بلومي من التهم المنسوبة إليه، لتكون بذلك أولى مؤشرات حل القضية. * * مساعي بيراف تكلل بالنجاح * نتيجة للاتصالات المكثفة التي ربطت بين الطرفين الجزائري والمصري بهدف تسوية ما اصطلح عليه بقضية بلومي تم إيفاد رئيس اللجنة الاولمبية مصطفى بيراف كممثل عن الطرف الجزائري للقاهرة حيث تم تنظيم لقاء صلح بتاريخ 24 مارس بمقر اللجنة الاولمبية المصرية بحضور الضحية وهو الدكتور عبد المنعم ولخضر بلومي الذي كان ممثلا في شخص مصطفى بيراف، حيث قدم الاعتذار الرسمي والذي قبله الدكتور المصري بعد أن تم مناقشة كافة التفاصيل. * * وعلمت "الشروق" ان الملف تم طيه نهائيا في الأروقة والكواليس قبيل توقيع معاهدة الصلح، بين صهر الرئيس المصري حسني مبارك والذي يشغل قائد أركان الجيش المصري ورئيسا للجنة الاولمبية المصرية ومصطفى بيراف الذي كان مرفقا بمستشار قانوني، حيث نوقشت كل السبل قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي. * * معاهدة الصلح تنهي صراعا أوشك أن يصبح أزليا * وتم توقيع الاتفاقية بحضور رئيسي اللجنتين الاولمبيتين وإبلاغ الوكيل العام للقاهرة بالتنازل النهائي ودون تراجع الضحية عن كافة حقوقه التي تناولها في تحقيقات المحضر والحكم الصادر ضد لخضر بلومي، وبالتالي إلغاء مذكرة التوقيف الصادرة من طرف شرطة الانتربول. * * وتم خلالها عقد مصالحة وإلغاء كل المتابعات القضائية في طرفيها المدني والجزائي الصادرة في حق بلومي بحضور محاميي الطرفين، وتم توقيع ذلك في محضر على مستوى محكمة "الجديد" القاهرة وهو عبارة عن عقد تنازل الضحية عن التهم التي نسبها للاعب الجزائري. * * وكانت لهذه المباراة الأثر الايجابي، لتنتهي بذلك مأساة أحد نجوم كرة القدم الجزائرية والتي دامت أزيد من 19 عاما، لتنتهي كل هذه الإجراءات بمأدبة عشاء أقيمت على شرف الطرفين يوم السبت الماضي. * * * الحادثة الشهيرة مثلما رواها اللاعب * بلومي.. "كنت في الغرفة 122 لأجد نفسي بمخفر الشرطة" * * تحمل رواية لخضر بلومي عن الحادثة الشهيرة في طياتها كثيرا من الأسى والحسرة التي ظلت تلاحقه لعقدين من الزمن، لأمرين الأول هو أنه لم يكن متسببا في القضية والأمر الثاني هو أنه ظل يدفع الثمن في صمت تام دون أن ينصفه أقرب الأقرباء. * * ويقول بلومي إن تلك المباراة التي فازت بها مصر بهدف لحسام حسن وتأهلت من خلالها الى مونديال ايطاليا، حفلت بجو مشحون واتسمت بحساسية شديدة نظرا لأهمية نتيجتها بالنسبة للمنتخبين. لكنه لم يفهم سر "الشوفينية" التي طبعت سلوك بعض المشجعين المصريين الذين حاولوا التأثير على معنويات الجزائريين. * * وسارت الأمور على نحو مربك مثلما قال، مشيرا إلى مضايقات كثيرة تعرض لها رفاقه من طرف المصريين لم تتوقف بعد إعلان الحكم نهاية المباراة، بل امتدت الى ما بعدها، ويوضح قائلا: "أثناء وصولنا إلى الفندق الذي كنا نقيم فيه، بادر بعض المصريين بشتمنا، كانت حينها الساعة تشير الى السابعة تقريبا، وطلب المدرب منا الصعود إلى غرفنا، فالتحقت بغرفتي رقم 122، تاركا ورائي عدد من زملائي في باحة الفندق". * * أقسم مرة أخرى أنني بريء وأفوض أمري إلى الل * ويضيف بلومي بأسى: "تعرض بعض أفراد البعثة الجزائرية إلى الضرب المبرح من طرف المصريين، وفوجئت في صبيحة اليوم الموالي باستدعاء من طرف البوليس المصري، للمثول أمامه، وبعد استفساري عن السبب قيل لي إنك قمت بفقأ عين أحد الأطباء المصريين الذي كان مقيما بالفندق، تعجبت من التهمة التي وجهت لي، وبما أنني بريء مما نسب إلي، توجهت برفقة رئيس البعثة ومدرب حراس المرمى الى مقر الأمن، حيث تم الاستماع الى أقوالي، وقد وجهت لي تهمة الاعتداء على طبيب مصري وفقأ إحدى عينيه، ورغم انني أقسمت لهم إنّ لا علاقة لي بالذي حدث، أصر وكيل الأمن المصري على التهمة التي وجهت لي وقرر حبسي وعدم السماح لي بالعودة إلى الجزائر إلى وقت محاكمتي". * * ويقول بلومي إنه رغم ان الملف أوشك على طيه إلا أنه لازال متأثرا لما حدث له مفوضا أمره الى الله لكل من اتهمه زورا وبهتانا في قضية لم يكن على علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد. * * شهادة زور كادت أن تتسبب في مشكلة سياسية * وبعد أخذ ورد استمر ساعات، سمح تدخل مسؤول مصري رفيع المستوى بحل المشكلة، والسماح ل"بلومي" بمغادرة التراب المصري، لكن القضية لم تنته عند هذا الحد، بل تحولت إلى كابوس مزمن، بعد أن أصدرت محكمة القاهرة في حقه حكما غيابيا بالسجن خمس سنوات مع دفع غرامة مالية، قبل أن يلغى الحكم لاحقا بفعل ما تردد عن اتفاق سياسي بين السلطات المصرية والجزائرية. * * وعلى الرغم من ذلك ظل بلومي يعاني من حصار حقيقي في أعقاب إصدار الانتربول مذكرة للقبض عليه، حرمته من السفر خارج موطنه منذ عام 1989، وظل يترجى السلطات الجزائرية إبطال مفعول الأمر الدولي بالقبض عليه، كي يتحرر من القيود التي منعته لسنوات من تلبية الدعوات التي وصلته من عدة دول للمشاركة في مباريات استعراضية وحضور احتفاليات دولية عديدة. * * مستعد لزيارة مصر * لم يخف بلومي حينها رغبته في زيارة مصر قائلا: "لا يختلف اثنان على أن (أم الدنيا) مغرية بحكم تاريخها العريق وأصالة شعبها وثقافته الراقية"، معبرا عن تأثره الشديد بصداقاته الكثيرة مع مصريين، قائلا إنه يتواصل بصورة حميمية مع نجوم مصر القدامى كالخطيب وشوبير ومجدي عبد الغني، الذي أراد استضافته في برنامجه الأسبوعي على الفضائية المصرية، ويقول بلومي إنه لا يكن أي حقد للمصريين وان علاقته بهم جيدة رغم أن هناك من حاول أن تشويه صورته بكل ما أوتي من قوة. *