الحجاج، إحدى بلديات الشلف النائية، تعاني غياب التنمية وتفتقر لكل المرافق الاجتماعية الضرورية، ارتفاع نسبة البطالة، عزلة تحاصر جميع مداشرها التي ما تزال تئن تحت وطأة الحرمان وتكابد التخلّف منذ ظهورها للوجود بسبب التهميش وطوق العزلة المفروضين عليها· وزاد الانسداد بين منتخبي هذه البلدية والتطاحن بينهم على مقاعد تسييرها، شللا تاما منذ الانتخابات المحلية، الأمر الذي دفع بالسلطات الولائية منذ شهرين لتعيين إداري من دائرة أولاد بن عبد القادر وتكليفه بتسيير شؤون مصالح الحجاج بعدما رفضت التشكيلة المكونة من عضوين عن الأرسيدي وعدد مماثل من الأفانا وعضو من الأرندي وآخر من حمس وواحد عن العمال الانسجام لفائدة مصلحة الشعب، فكل تمسك بمصلحته على حساب مصالح المواطنين بحجة أو بأخرى· عرفت بلدية الحجاج، البعيدة بحوالي60كلم بالجهة الجنوبية لعاصمة الولاية بأعالي سفوح جبال الونشريس، عشرية حمراء تركت فيها فصائل الموت بصمات راسخة في نفوس المواطنين ، أتى فيها الإرهابيون على كل ما ينبض بالحياة، فحولوها بهمجيتهم إلى رقعة جغرافية خالية من السكان ساعدهم في ذلك سوء موقعها بين أدغال وجبال الرمكة وبني بوعتاب· وبعد عشرية حمراء تفنن فيها الإرهاب في القتل وتجريب مختلف أنواع الأسلحة التقليدية، تمكنت الدولة بداية من سنة ألفين من استرجاع الأمن ووضع حد لتجار الموت، الأمر الذي دفع إلى عودة النازحين نسبيا إليها وتشكيلهم لمجمعات قصديرية على طول الطريق الرئيسي المؤدي للبلدية وعبر جل مداشرها التي تحوّلت جلها إلى أطلال شاهدة على العشرية السوداء، وجدنا سكانها ما يزال الخوف من المجهول يسكن أنفسهم· وبعد تحسن الوضع الأمني، وجدت الحجاج نفسها أمام جملة من المشاكل مست كل مجالات التنمية في مقدمتها أزمة السكن، بدليل تسجيل مئات السكان في حاجة لمبانٍ تأويهم، فيما لا تزال قرية النخلة مهجورة جراء النكسة الأمنية التي شهدتها المنطقة منتصف التسعينيات، فاضطر سكانها إلى شد رحالهم باتجاه مقر البلدية أو عاصمة الولاية، مشكلين تجمعات سكانية قصديرية مشيدة بالطين أو التبن ومغطاة بصفائح حديدية على طول المدخل الرئيسي للبلدية الأم تنعدم فيها أدنى شروط الحياة الكريمة كالماء والكهرباء التي يتزوّدون بها بطرق عشوائية، وكذا غياب التهيئة داخل وخارج البيوت، كما شلّ مدخولهم المستمد أساسا من الفلاحة التي حرموا منها، فتحوّلت أراضيهم إلى بور وبيوتهم إلى خراب زادت من ارتفاع البطالة وسط سكانها البالغ عددهم حوالي ثمانية آلاف وستمائة نسمة بعدما أن اقتربوا من العشرة آلاف في بداية التسعينيات· وللتخفيف من حدة أزمة السكن، خصتها السلطات الولائية ببرامج خاصة بهدف التخفيف من معاناتهم وترغيبهم في العودة إلى مداشرهم، حيث استفادت البلدية من حصة 1400 إعانة مالية ريفية تراوحت مابين 25 و50 و70 مليون سنتيم ما بين سنتي 2002 و2009 ما جعلها تخفف من حدة الضغط على مصالح البلدية مقارنة بتهاطل عدد الطلبات على هذا النوع من السكن الذي يتلاءم وطبيعة المنطقة الجبلية، حسب المكلف بتسيير مصالح البلدية بلقايد بن علي، فيما لم يسجل تراب البلدية سوى إنجاز 18 مسكنا اجتماعيا منذ ظهورها للوجود سنة 1985 بسبب انعدام الجيوب العقارية ما أعاق توسعها وحال دون استفادتها وتدعيمها بالهياكل القاعدية الكبرى التي تحسن من المستوى المعيشي للمواطنين وتعطي الوجه اللائق للنسيج الحضري، إضافة إلى مشكل العقار، فإن موقعها بقمة جبلية عالية محاطة بتضاريس وعرة وصعبة كالأودية صعب من استغلالها لبناء المرافق العمومية، فاجتمعت ضدها همجية الإرهاب وذهنية تركيبة مجلسها وخريطتها الجغرافية على عرقلة التنمية· القصدير حوّل عاصمة الحجاج إلى دشرة! الزائر لبلدية الحجاج لا يكاد يصدق بأنه قد ولج مقر مركز عاصمتها وانتهى منه في لمح البصر لغياب نمط ونسق عمراني يعكسان وجه البلدية بسبب طابعها الريفي، ثم توسعها على حساب الأرصفة والمساحات الجانبية مع غياب التهيئة، إذ لاحظنا انتشار النباتات الشوكية والحيوانات بمختلف أنواعها وغياب معالم لبعض الأرصفة والشوارع المهترئة، حيث يغلب عليها نمط دشرة بلافتة بلدية، ناهيك عن تدهور تزفيت شوارعها جراء الفيضانات والمجاري العشوائية بعد انسدادها· ولإعادة إعمار المناطق المهجورة استفادت كل من دشرتي سوفرة وشرشارة من برامج تنموية كبيرة ومشاريع هامة في صدارتها مدرسة ابتدائية وقاعة علاج وتعبيد مسالكهما وحواجز مائية صغيرة وبرامج للإنارة الريفية وبرامج للدعم الفلاحي الريفي كتربية الحيوانات والتشجير، وذلك بغرض مساهمة الدولة في تثبيت وإعادة تعمير المناطق المهجورة على امتداد سفوح جبال الونشريس بعدما عرفت القريتين هجرة جماعية لسكانهما خلال العشرية الفارطة· ولم يخف المكلف بتسيير شؤون البلدية، بلقايد، معاناة دوار العكاكزة وشرشارة من انعدام تزويدهما بالمياه الصالحة للشرب، حيث يجبر سكانها على قطع مسافات مضاعفة دوريا عن طريق استخدام الدواب لجلبها من الينابيع المتواجدة بين تضاريس الجبال غير خاضعة للرقابة والمعالجة، حسب سكان المنطقة· وللحد من معاناتهم، استفادت البلدية -حسب ذات المصدر- من برنامجين لحفر بئرين لتوفير المادة الحيوية قريبا· الصحة في ذيل ترتيب القطاعات في انتظار تشييد قاعة علاج جديدة أما بخصوص قطاع الصحة، فتتوفر البلدية على قاعتين للعلاج، واحدة بدوار القواجيل تقدم خدمتها بطريقة عرجاء، يحضر إليها ممرض مرتين كل أسبوع لتقديم بعض التطعيمات وقاعة علاج أخرى بعاصمة البلدية مشيدة بالبناء الجاهز، بها طبيب عام وآخر للأسنان وبعض الممرضين في انتظار إتمام قاعة أخرى بمحاذاتها، بعدما أثار نقص المراكز الصحية سابقا سخط سكانها لضعف الخدمات الصحية التي كانت لا تلبي أدنى المتطلبات، وتقتصر في معظمها على الحقن، وتؤجل الحالات الاستعجالية الضرورية إلى صباح اليوم الموالي ليحول المريض إلى أقرب مستشفى بعاصمة الولاية 30 كلم على متن سيارات ''الكلونديستان'' للانعدام شبه الكلي لوسائل التنقل وغياب وحدة للحماية المدنية أو سيارة إسعاف لنقل المرضى والحالات الاستعجالية· وستحظى القاعة الجديدة -حسب بلقايد- بتجهيزات حديثة، وسيخصص قسم منها للحوامل، كما سيتم توظيف قابلة· سيارات ''الكلونديستان'' للتغلب على أزمة النقل ما تزال السيارات النفعية من نوع ''بيجو ''404 تستعمل لفك طوق أزمة النقل، وهي المتنفس الوحيد للنقل والتنقل، وحال التأخر بعد موعد الغروب على القادمين إليها الانتظار إلى صباح اليوم الموالي للتنقل إلى عاصمة البلدية أو الخروج منها· وللتخفيف من أزمة المواصلات استفادت البلدية من ثلاث مركبات للنقل المدرسي، وستقتني مصالح البلدية حافلة جديدة خلال الأيام القليلة القادمة بوسعها تغطية العجز لنقل المتمدرسين بثانويات أولاد بن عبد القادر· أما سكان ومعلمو المناطق النائية، فيضطرون إلى ركوب عربات المقطورة بالجرارات أو ركوب الدواب برفقة حيواناتهم وما يحملونه من بضائع، وذلك بسبب رفض الخواص الاستثمار في هذه الخطوط لقلة مداخليها وصعوبة تضاريسها وما تلحقه من أضرار بمركباتهم· تأخر تجسيد مشروع الثانوية يثير غضب الأولياء·· والحديث عن التكوين مؤجل أما قطاع التعليم، فيوجد بالحجاج 12 مدرسة ابتدائية وواحدة مغلقة بدوار النخلة جراء النزوح الريفي، والبقية أعيد ترميمها جميعا وتجهيزها بأحدث الوسائل البيداغوجية في إطارالبرنامج الخاص بإعادة تأهيل المناطق المتضررة من الإرهاب بمبلغ مالي قدر ب 5 ملايير سنتيم· بدورهم، أولياء التلاميذ أبدوا سخطهم تجاه تأخر تشييد مشروع ثانوية بسبب معاناة أطفالهم بداخليات أولاد بن عبد القادر، وكذا كثرة المصاريف نظرا لرفض أبنائهم الالتحاق بها، فيما أصبح الولوج إلى أقسام الثانوية حلما بالنسبة للبنات بسبب رفض الأولياء قبول دخولهن في النظام الداخلي بعاصمة الولاية أو ثانوية أولاد بن عبد القادر، وهم يأملون التفاتة السلطات الولائية بخصهم بمشروع ثانوية في أقرب الآجال لكبح غضبهم ومساعدتهم على تحمل أعباء إضافية تجاه أطفالهم· كما تفتقد البلدية لمركز أو ملحق للتكوين المهني والتمهين لفائدة الشباب البطال ويجبرون بدورهم على التنقل إلى بلدية سنجاس لتلقي تكوين في أي اختصاص لضمان مستقبلهم خاصة في ظل غياب المرافق التعليمية والتكوينية الضرورية، ناهيك عن أن تراب البلدية بكامله لا يحتوي على مصنع أو مؤسسة اقتصادية أو مقهى فيما عدا ثلاثة أو أربعة دكاكين صغيرة تقليدية تقدم أدنى الخدمات الضرورية كبيع السجائر وبعض المواد الغذائية الأساسية، فهي ما تزال إلى اليوم حبيسة التخلف، تحاصرها لعنة البطالة التي عكرت صفو حياة المواطنين على الرغم من إن أراضيهم غابية ورعوية مؤهلة لأن تكون الرائدة في تربية الأنعام والنحل والدواجن، إلا أن حياتهم المهنية تقتصر على بعض الزراعات المعيشية لا تكفي لسد رمق أصحابها رغم المحاولات الحثيثة لمصالح الغابات لدعم هذه الشريحة بمختلف النباتات لاستصلاح الأرضي وخلايا النحل وتهيئة المجاري المائية وشق المسالك الحراجية لبعث أمل الحياة من جديد· وعدة سيدي صالح تُبعث من جديد سكان الحجاج -حسب معرض حديث شيوخها- فإنهم يفتخرون بتوارث عادات وتقاليد أجدادهم، فهم يقومون سنويا بإحياء الوعدة الشهيرة التي حُرموا منها قرابة 16 سنة، أطلقوا خلالها العنان لامتزاج أصوات أصحاب البارود وصهيل الخيل ونغمات الغايطة وأنواع الطبول والغناء البدوي· وفي مشهد مؤثر نزل أصحاب الأرض ساجدين يقبلون تربتها والحسرة بادية على وجوهم، بوقوفهم على ما تبقى من أطلال اغتصب الإرهاب عذريتها، فيستغل هؤلاء الزوار المكان لقضاء ليلتهم تحت أنوار الشموع وسط الخيم المنتصبة يسترجعون فيها ساعات من الماضي القريب، حيث بدا لهم وكأنهم في حلم. وفي صباح اليوم الموالي يتم إحياء المناسبة، فيذبحون الكباش ويعدون الأطعمة من مختلف الأنواع داخل خيم تنصب بالقرب من ضريح سيدي صالح بحضور الفضوليين وعشرات المواطنين الذين دعموا الوعدة بقصعات الكسكسي في منظر آخر شد حنينهم، حيث قام مؤخرا سكان المنطقة ببناء زاوية سيدي صالح التي أصبحت تضم حوالي 65 طالبا للقرآن·