كانت الخسارة صدمة مريرة، فقد صدقنا لآخر لحظة إمكانية فوز فريقنا بالكأس الإفريقية، لكن مع سرعة مرور الوقت، تأكد ضياع الحلم، كان حلما جميلا عشنا على وقعه لأيام، وكان السيناريو المتوقع في تلك اللحظات أن يصاب الجزائريون بحالة من الإحباط، غير أن تلك الحشود التي خرجت للشوارع تعبيرا عن مساندتها للفريق الوطني وإن كانت تخنقها الحسرة، ذكّرتنا بأجواء الفرح والانتصار· عاشت العاصمة والعديد من المدن الجزائرية حالة غريبة، أجبر الجزائريون أنفسهم على تجاوز مشاعر الغضب، السخط والألم، خرجوا بالآلاف يهتفون بحبهم للوطن وللفريق في الربح والخسارة، كانت محاولة يسميها النفسانيون، بالكاترسيس أو التطهير النفسي، لإخراج كل تلك المشاعر السلبية، وقد نجحوا في تحويل ذلك الفشل الكروي إلى عرس من نوع جديد لأول مرة نعيش مثله· فقد تذكرنا أنه بالرغم من ثقل الهزيمة المحققة في مباراة أول أمس، إلا أن الفريق الوطني نجح في تحقيق وبلوغ أهدافه، ألم يكن الهدف المعلن من طرف الناخب الوطني هو الوصول للربع النهائي، هدف تم تحقيقه أمام عملاق كروي في مباراة لن يختلف العارف والجاهل بفنيات كرة القدم على جماليتها العالية· كان خروج الجماهير للشوارع رافعين الأعلام الوطنية مبرمجا في حالة الفوز، غير أنه لم يتوقع أي كان خروج ذات الجماهير لمجرد التعبير عن حبها واحترامها للفريق· في الواقع أنه لم يكن خروجهم للتعبير عن فرح ما، بقدر ما كان تأكيدا على حب الوطن، فقد سعى الإعلام المصري إلى تصوير المباراة على أنها مباراة كرامة شعب، على اعتبار أنه لم يتقبل الهزيمة في السودان· ولا عجب أن يحول تلك الخسارة لقضية كرامة بعدما حول المباراة التي جمعت الفريقين في القاهرة لمهمة وطنية لا تكاد تقل أهمية عن معركة يخوضها جنود ضد العدو· فقد ظلت تلك الفضائيات تذيع أغانٍ حماسية حربية لشحذ الهمة··· !؟ من قبيل ''خلي السلاح صاحي''، طريقة في التعامل مع مباراة كروية أقل ما يمكن التعبير عنها أنها عبثية· كان هذا الربط بين كرة يتراكلها اللاعبون في مستطيل أخضر، وبين كرامة شعب كامل بتاريخه وموروثه الحضاري سبب الاحتقان الذي بات الكل يشارك فيه ويدينه في ذات الوقت· فما كان من الجماهير الجزائرية إلا أن تعبر عن حبها لهذا الوطن الذي بات يمثله فريق لكرة القدم، والحق أن الجزائريين برعوا في الفصل بين كرامتهم وأداء فريقهم الذي تعثر لأسباب، غير أنه أثبت للعالم أنه فريق ناشئ يملك من المهارات والقدرات ما جعله فريقا محترما في وقت قياسي· والأهم من ذلك أنه جعلنا ندرك مدى تمسكنا بهذا الوطن، الذي كدنا ننسى ارتباطنا به لحجم المشكلات اليومية التي تخنق المواطن، مشكلات زالت مع أول فرحة جماعية حظي بها هذا الشعب، الذي حظي بقدر من المآسي، فكانت فرحة الكرة، هذه المستديرة التي نجحت فيما فشلت فيه السياسة، فقد وحدت الجزائريين بمختلف مشاربهم، وهي سابقة عن حق، إذ كان آخر ما توحد عليه الجزائريون ثورة التحرير، لتبدأ بعدها سلسلة الاختلافات السياسية··· وغيرها· وإحقاقا للحق لابد من الاعتراف أنه لولا تطاول السواد الأعظم من النخبة المصرية الموالية على كل ما هو جزائري، لما كان هذا الاهتمام البالغ بالكرة، فكم من نجاح وإخفاق رياضي مرّ دون أن ينتبه له الجزائريون· وبعيدا عن فكرة شكر من كان السبب، إلا أنه لا بد من شكر كل من مكننا من إعادة اكتشاف حب الوطن··· وأحدث المصالحة الحقيقية بين كل شرائح المجتمع بمختلف أطيافه السياسية، الجهوية، الطبقية··· الجزائر أولا وأبدا·