في الوقت الذي تقيم فيه طهران مؤتمرها الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية، يرتفع عدد ضحايا العدوان السعودي على أبناء اليمن، ليلتحق أكثر من 17 مليون منهم في قائمة المهددين بالمجاعة، حسب تصريحات المنظمات التابعة للأمم المتحدة، رغم انحيازها للخيار الأمريكي وأذيال الهزيمة العربية. وفي نفس الوقت يُداس شعب بأكمله تحت وطأة حفنة مرتزقة تنجّست من حيث تجنّست قهرا بالجنسية البحرينية بموجب قرار بريطاني فأخذت صفة آل خليفة تحت مباركة آل سعود. وهو التوقيت ذاته الذي تتكالب فيه مصالح الغرب وزعانفه من العربان سود القلوب كالغربان على استقرار سوريا المقاومة وسيادة العراق الأشم. كل تلك الأحداث تجري وعين الإعلام (العوراء) الموصوف بهتانا بالسنّي نائمة قريرة، تُغطي بطولات مضامير الإبل وسباقات الفراري والأُبَل وشطحات مهرجانات الجنادرية؟!؟!. استغرب كثيرا موقف أغلب المنوّمين بتلك الرنّة (سنة - شيعة) حينما ينتفضون عندما يرون أحد ما يشاهد إحدى القنوات الإخبارية المهتمة بمواضيع الأمة وقضايا المقاومة مثل قنوات (العالم أو المنار أو الميادين...) ليصفوه دون تردّد بالتشيّع، ولا يصفون أنفسهم بالتفرنس عندما يرون France 24 ولا بالأنجلزة عندما يتابعون BBC ولا بالأوربة عندما يشاهدون Euronews ؟! أليست هذه الأخيرة قنوات ناطقة بالعربية تابعة لدول صليبية حاقدة على الإسلام والعرب؟! ثم هل تنشر القنوات الأولى (عقيدة) الشيعة بينما تتورّع الثانية عن خدش حرمة السنّة؟؟!! إنه من باب الإتزان الفكري والاعتدال السلوكي الموازنة بين مصادر الخبر وتحليل محتوى ما يعرض علينا بما يخدم القضية الأم (فلسطين) وفقط، ولتكن هي بوصلتنا الوحيدة لمعرفة الاتجاهات والتقلبات. فمنذ سنوات (أي توقيت بداية الحملة) لا نكاد نرى في القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية أو تلك العربية أصلا الناطقة بأفكار عبرية سوى التحريض على محور المقاومة وإثارة النزعات الطائفية وتجنيد الرأي العام العربي عن قضيتهم الجوهرية (القدس) والتودّد إلى الغربي بنسخهم المترجمة إلى لغاتهم الأجنبية!!. إن خطر هذا التضليل يمتد في خدمة المشروع (الخنوعي المائع) حتى لأولادنا وللأجيال القادمة، ولنا أن نقارن بين برامج الأطفال الجادة والمُمرنة لعقولهم اليانعة والمفجّرة لمواهبهم الواعدة والمناوئة في كامل جزئياتها للمحتل الغاصب التي تبثها القنوات المتهمة زورا ب(الشيعة)، وبين تلك التفاهات والانفعالات والخرافات الخيالية والحروب الافتراضية التي تعلّم أبنائنا العنف وتحرضهم على التقاتل، أو تلك التي تكرّس الانحلال والعري والسفور من طرف القنوات المموّلة والتابعة للدول الموصوفة بهتانا (بالسنّة). ألا نُشغّل عقولنا التي حبانا بها الله: من المستفيد من هذا الخطاب؟ ألا نستخدم (سُنّيتنا) التي تقتضي الأخذ بالأسباب والتمحيص في الغايات والنظر في المآلات لنتساءل على انفراد بعيدا عن تشويش الإعلام: لماذا يتكالب العالم وفي صفّهم من يصفهم زعماؤه بالاعتدال على سوريا وقد كانت ملجأ المقاومة في فلسطينولبنان وملاذها الآمن؟ ألم يكن (خالد مشعل) وكادره السياسي يصول ويجول في حماية الأمن السوري؟ ألم يُدرّب (الشهيد عماد مغنية) الآلاف من مقاتلي القسّام على تخوم لبنان في (القصير وعرسال) التي استخدم (المشروع) أراضيهما لاستنزاف طاقات حزب الله لتخفيف شوكته على الكيان الصهيوني؟ لماذا تُشيطَن إيران الداعمة لفلسطين بالمال والسلاح والإعلام وتوصف بالملائكية مملكات الآل وبراميل النفط والمال؟ من يعتمد رسميا سفيرا للصهيونية في بلده: إيران الشيعية أم تركيا السنية؟ ومن يهرول للتطبيع واحترام مشاعر الدول (الصديقة)؟ لماذا توكل مهمة مراقبة الحرمين الشريفين (قلب السنّة) لشركة إسرائيلية لمتابعة حركة الحجيج واتصالاتهم؟ لماذا يتم الاحتفال بذكرى تأسيس الدولة (اللقيطة) في بحرين السنة؟ لماذا تعمّدت القناتين السنيّتين (إقرأ والرسالة) ضمن باقتي (art و روتانا) الخليجيتين تجنّب الحديث عن موضوع الساعة آنذاك أثناء الحرب على غزة؟ لماذا أبرمت تركيا التي ما قطعت قط علاقاتها مع الكيان صلحا معه وألغت متابعتها القضائية ضده مقابل حفنة تعويضات لمواطنين أتراك وعبارات اعتذارات لم يسمعها سواهما؟ وقبل ذلك: لماذا دعّمت دول الخليج (السنّة) الإطاحة بصدّام (السنّي) بالمال واستضافة القواعد العسكرية وبفتاوى علمائها (السنّة) بجواز الاستعانة بالكفار؟ ولماذا شجّعت المالكي (الشيعي) على إعدام الزعيم (السنّي)؟ ولماذا تغيّر الموقف من العراق الآن عندما حاول استجماع شتاته واستعادة مكانته بين الرافدين؟ لماذا.. ولماذا.. ولماذا.. أرجو التفكير بعمق، لأنه من صميم (السنّة) النظر والتدبّر في سنن الأنفس والآفاق وسنن الهداية والتأييد وسنن الاستخلاف والتدافع وسنن الابتلاء والتجديد والتداول.