تساءل الكثير عن دلالة شنق صدام حسين صبيحة عيد الأضحى، واعتبر بعض الحكام العرب ذلك "مساسا بمشاعر المسلمين، ولكن لا أحد تساءل لماذا يقدّم أو يؤخر قادة الشيعة" عيدي الفطر والأضحى عن اليوم السني لهما. وإذا كانت التضحية بصدام صبيحة العيد ذات بُعدين" أحدهما طائفي والآخر سياسي، فذلك لأن هناك إجماعا لدى "الطائفة الجعفرية" بأن قرآنهم هو "المنسوب إلى فاطمة إبنة الرسول صلعم"، وهو كتاب متداول في إيران والطوائف الشيعية تحاول تشويه عثمان بن عفان بالرغم من أنه تزوج من بنتين من بنات الرسول ويطلق عليه "ذو النورين"، لأنه يمثل في نظرهم بوادر ميلاد "الدولة الأموية"، التي كانت قاسية ضد المتشيعين لعلي بن أبي طالب. مشكلة حكومة العراق، هي أن صدام حسين، تجرّأ على كتابة القرآن الكريم بدمه، ووضع حدّا فاصلا بين "شيعة العراق وشيعة إيران"، بينما هناك اعتقاد لدى شيعة إيران بأن المرجعية النجفية هي امتداد طبيعي لمرجعية "قم" واختيار عيد الأضحى ومناسك الحج لاغتيال صدام يراد منه إحداث قطيعة بين الشيعة والسنة. وإقامة الدولة التي تسعى إيران لأن تكون في قلب الأمة العربية، اختارت الحكومة إعدام صدام شنقا، لأن صدام طلب أثناء جلسات محاكمته بالإعدام رميا بالرصاص، واعتبر الشنقة للصوص. والحق يقال، أن الشنق ظاهرة مرتبطة ب"العم سام"، حيث كانت ثقافته منتشرة بعد اكتشاف أمريكا، وهو ظاهرة مرتبطة بالثقافة الفارسية كذلك. والقراءة الأولى لاختيار المكان والزمان واليوم لإعدام صدام هو دفع الشيعة إلى الالتفاف حول "حكومة المالكي"، لتقودهم نحو الانفصال عن الوطن العربي والإسلامي "دينيا"، في انتظار إقامة الدولة الشيعية الجديدة ذات الامتداد الإيراني، فالكاظمية، كمكان هو رمز ديني مهم للإيرانيين، والفجر هو الوقت الذي ينشط فيه "المجتمع الشيعي"، والعيد هو اليوم الذي يذكرهم بما لحق ب"الحسن والحسين" من ذبح. ولعل هذا ما دفعهم إلى هذه "الجريمة الهمجية" للإساءة إلى الإسلام والمسلمين.. وأذكر أن صدام حين طلب من "الشيعة" معرفة سلالته، لأنه كان يعتقد أنها من "سلالة البيت"، رفضوا ذلك.. وظن المالكي أن إعدام صدام صبيحة العيد، هو "الهدية التي يقدمها" للميليشيات الشيعية "الصدرية والحكيمية" لترفع من شأنه وتوفر له الأمن. وظن الأمريكيون بأن الإعدام في هذا "اليوم المقدس" سيدفع إلى "المزيد من التقاتل بين الشيعة والسنة" .. وتفننت القنوات الفضائية الشيعية مثل الفرات والكوثر والفيحاء وغيرها بأن وضع حدّ لصدام، هو وضع حدّ للمقاومة والعروبة في العراق. والحق يقال، أن صدام تحوّل إلى رمز ليس لأسرته، لأن جثته سلمت للقبيلة، وإنما لكل المقاومة، لأنه استطاع خلال 40 جلسة من المحاكمة أن يرافع من أجل تحرير فلسطين والعراق. الإعتقاد السائد عندي، أن صدام أسّس لظاهرة جديدة في الوطن العربي، افتقدناها، منذ الفتوحات الإسلامية، وهي الدفاع عن الإسلام والوطن والتضحية بالأبناء، فقد ضحى بابنيه، وحمل السلاح، ورفض الإستسلام أو تسليم العراق. لكن مشكلة شيعة "السيستاني"، الذي أصدر فتوى قدمتها التلفزة العراقية أواخر 2006 هي أنه سرعان ما تراجع عنها، وأصدر أخرى لصالح أمريكا، حسب اعترافات كونداليزا رايس! ومشكلة القيادات الشيعية العراقية، أنها تشبعت بالفكر الإيراني، وقادت حملة إعلامية تحت عناوين مختلفة ومنها عنوان الإبادة الجماعية، غير أنها وقعت في المحظور. فإذا كانت حكومة العراق اختارت أضحية سنية لعيدها لعام 2006، فإن الضحية القادم سيكون يوم "عيد عاشوراء"، لأن صدام كان يمثل لدى الشيعة "رمز السنة" والإمتداد الحقيقي للعروبة والإسلام والتضحية به تعزّز "اللحمة" بين الطوائف الشيعية المختلفة، لكن تأكد أن صدام كان حكيما، حيث حوّل المحكمة إلى منبر له، وحوّل إعدامه إلى تاريخ جديد للعرب والمسلمين. والقراءة الثانية، أن "الشيعة الذين ينتمون إلى إيران" من العراقيين، مايزالون يمارسون الطقوس الدينية القديمة، ومنها تقديم الأعداء قرابين للآلهة" وتناسوا بأن الكبش الذي يقدم في عيد الأضحى لدى المسلمين يجب أن يكون رمز الحب وأعز ما يملك الإنسان.. والتضحية لا تكون ب"الإنسان" إلا في الأديان الوضعية القديمة، فهل وصل الحقد بحكومة المالكي إلى "الخلط" ما بين الإسلام كدين سماوي وبقايا الأديان الفارسية القديمة. صحيح أن من بنى الحضارة العربية العراقية في "بابل"، كان من بينهم أنبياء، ولكنهم لم يحتفلوا في تواريخ حضارتهم ب"أضحية الشنق". مهما كانت عمليات التضليل الإعلامي المتعلقة بإعدام صدام، فإن الحكومة العراقية أشعلت فتيل الحرب الأهلية، وعليها أن تتوقع ما لم تتوقعه من ردود فعل. وأتوقع أن تكون الأسابيع القادمة صعبة على أمريكا وممثليها في العراق، كما أتوقع أن تتحرك القبائل للثأر لاغتيال إبنها. إن خطأ حكومة المالكي أنها لم تستشر شركاءها السياسيين من الأكراد والسنة، ولم تحترم مشاعر المسلمين، وبالتالي فهي مهدّدة بالسقوط والمحاكمة على الطريقة الصدامية. بقلم: عبد العالي رزاقي