رفع العلم من طرف مجاهدين بمنطقة الزنينة لقد كانت السنتان الأوليتان لميلاد الثورة المباركة حافلتين بنشاط مكثف سواء على الصعيد الخارجي، بنشر صوت الجزائر المتحررة، أو على المستوى المحلي بتصعيد العمليات العسكرية والفدائية ضد العدو الغاشم. و مع تغلغل القيم الثورية في الأوساط الجماهيرية و توسع الرقعة الجغرافية للعمل النضالي، امتدت الثورة عبر كافة المناطق الإستراتيجية للوطن، ومن جملتها سلسلة جبال أولاد نايل في الأطلس الصحراوي، التي تشكل أهم النقاط المحورية في الولاية السادسة. غير أن الزحف العارم للثورة وصعوبة الاتصال بين قيادات المناطق عبر التراب الوطني والكيد الماكر للأجهزة الاستعمارية التي قوّضت دعائمها الهجومات العنيفة لأبطال جيش التحرير، كهجوم 20 أوت 1955 بالشرق الجزائري مثلا والاشتباكات التي كان يخوضها بالجهة، كلّ ذلك وغيره فرض التفكير جديا في انتهاج أسلوب جديد، يَلُم شتات الجهود المبعثرة، ويسُنّ تنظيمًا محكمًا يكفل للثورة انطلاقة جديدة، بتوحيد قيادتها وتقنين أساليب سيرها، وقد تمخض عن هذا التفكير، انعقاد المؤتمر التاريخي المشهود الذي انعقد بالصومام يوم 20 أوت 1956، فكان أول مؤتمر لصانعي ثورة أول نوفمبر، الذي ضم معظم الوفود الممثلة للمناطق فاجتمعوا رغم الخطر الداهم عدة أيام ليخرجوا بالثورة إلى عهد الاستقرار، وتوحيد المشارب وتحديد المسؤوليات، وأصبح للثورة قيادة سياسية عسكرية واحدة هي "المجلس الوطني للثورة الجزائرية" وصار لها هيأة عليا تنفيذية واحدة هي "لجنة التنسيق والتنفيذ". في مؤتمر الصومام حدثت تغيرات كبيرة فرضت إعادة النظر في أمور عديدة، فلم يكن غائبا عن أذهان القادة المجتمعين مايُعِدّه المستعمر الفرنسي من مؤامرات ودسائس تستهدف الصحراء الجزائرية نظرا لما لها من أهمية إستراتيجية من الناحية العسكرية والاقتصادية، فمن الناحية العسكرية، فان الصحراء الجزائرية ذات مساحة شاسعة تطل على ستة دول عربية وافريقية، ووجود قواعد عسكرية فرنسية بها يعني أن القوات الفرنسية تستطيع في أي لحظة فرض هيمنتها على هذه الدول، ومن الناحية الاقتصادية، فان اكتشاف البترول والغاز بكميات كبيرة جعل الصحراء تدخل ضمن الأسس الداعمة للاقتصاد الفرنسي الذي صار بترول الجزائر وغازها يشكلان ركنا أساسيا من أركان ازدهاره واستقراره. انطلاقا من هذه المعطيات التي لم تكن بأي حال من الأحوال غائبة عن عقل وفكر قادة الثورة المجتمعين في الصومام، قرّروا إنشاء الولاية السادسة للتكفل بالجنوب الجزائري، واسند أمر قيادتها إلى العقيد "علي ملاح" المدعو "سي الشريف" كقائد لهذه الولاية، التي دأبت على مساعدة وتنظيم مجاهدي هذه الولاية الفتية، و قد باشر القائد الجديد تنفيذ قرارات مؤتمر الصومام، وشرع في إرساء قواعد النظام الثوري وهيكلة المجاهدين من أجل تصعيد العمل النضالي، وهذا رغم عدة صعوبات مختلفة تماما عن تلك التي واجهت المجاهدين في الولايات الأخرى. الإطار الجغرافي للولاية السادسة إن المنطقة الصحراوية كما هو معلوم يحدها من الشرق مدينة "بوسعادة" ومن جهة الشمال طريق "لاروكات" ومن الغرب الولاية الخامسة، وبالضبط المنطقة الثامنة والتي كان قائدها "لعموري" ومن الجهة الجنوبية جزء من "أولاد جلال" و"بن سرور"، والتي كان قائدها سي الحسين بن عبد الباقي والذي خلفه فيما بعد سي الحواس وذلك قبل وفاة الشيخ زيان عاشور. الولاية السادسة وبعد التاريخ النهائي لاستقرارها كولاية بحدودها الجغرافية وهيكلتها النظامية ، وهي التي تضم المناطق الجنوبية لعمالة الوسط الجزائري والقسم الجنوبي من عمالة قسنطينة حسب التنظيم الإداري الذي وضعه الاستعمار الفرنسي. فهي تشمل " ولاية الجلفة ، الاغواط، غرداية ، تمنراست ، اليزي، ورقلة، الواديبسكرة والقسم الجنوبي من ولاية المسيلة ( سيدي عيسى ، بوسعادة ، عين الملح). لقد سمح لهذا الموقع أن تكون اكبر ولاية مساحة وأغنى منطقة بثرواتها الطبيعية " غاز، بترول، معادن ثمينة" . امتدت هاته الولاية عبر المساحة التي يحدها من الشمال الطريق الرابط بين مدينتي البرواقية و بئر غبالو، و من الشمال الشرقي مدن: بريكة و القنطرة و منعة و زريبة الوادي، ومن الشرق الحدود التونسية- الليبية، ومن الغرب خط قصر الشلالة و عين ماضي إلى أولف ورقان، ومن الجنوب الحدود المالية النيجيرية. ومع اتساع رقعة الثورة واشتداد لهيبها واستعداد المواطنين لاحتضانها، أصبح للثورة ثلاث نقاط ارتكاز مهمة، وادي سوف شرقا، وبسكرة والزيبان وسطا، وغربا بوسعادةوالجلفة. وتدل الوقائع والأحداث والشهادات أن سكان الولاية هم الذين كانوا يبحثون عن الانضمام للثورة حسب شهادة اوعمران، ومن ثمة فالولاية كانت حاضرة ومتواجدة في مؤتمر الصومام الذي اقر وجود ولاية الصحراء، وبالتالي فان المؤتمرين صححوا وضعا افرزه النضال اليومي والصمود الجماهيري . الولاية السادسة في مقررات مؤتمر الصومام إن المؤتمر قد شرع في جلسته الأولى بصفة رسمية يوم 20 أوت 1956 بعد أن يئس الحاضرون من التحاق بقية الأطراف التي كان يفترض أن تشارك ولم تحضر لسبب أو لآخر، وقد استهلت هذه الجلسة بالترحم على أرواح أولائك الذين سقطوا في ميدان الشرف بعد انطلاق الثورة التحريرية بأيام قليلة من أمثال مراد ديدوش، باجي مختار، رمضان بن عبد المالك وغيرهم، ليتم الانتقال مباشرة للتطرق لأول نقطة مبرمجة في جدول الأعمال السابق الذكر أي قراءة التقارير المتضمنة للجوانب السياسية والعسكرية، والمالية لكل منطقة، وقد كانت أربع تقارير إضافة إلى تقرير منطقة الجنوب، أو ما يصطلح عليه بفرع الصحراء الذي سيستحدث كولاية سادسة لاحقا، هذا التقرير الذي كان يفترض أن يقدمه على ملاح المدعو سي الشريف، لكن لتخلفه عن الموعد تم تقديمه من طرف عمر أوعمران. إن التقرير الذي قدمه أوعمران لمجموعة الصومام باسم الولاية السادسة، نيابة عن علي ملاح، يحمل معطيات خاطئة لا تمت بصلة للواقع ، حيث يتحدث التقرير عن 200 جندي و 100 مسبل و 261 قطعة سلاح الخ، و الواقع خلال هذه الفترة كان زيان و الحواس وعمر إدريس يقودون جيشا يربو عن 1200 جندي ، بل في مارس ، حين التقى زيان مع مصطفى بن بولعيد، كشف عن وجود 700 جندي تحت قيادته بشهادة كاتبه بن عبد الرحمان الشيخ الذي لا زال على قيد الحياة . ومن هنا ندرك أن الولاية السادسة لم تدخل في مواجهة الجيش الفرنسي فحسب بل دخلت في حسابات أخرى من بينها تجاهلها من طرف المؤتمرين بواد الصومام الذي انعقد في 20 أوت 1956 وخلق منطقة من الولاية الرابعة وسماها الولاية السادسة وأعطى قيادتها للرائد علي ملاح، بقائد عسكري اسمه الروجي ومساعده الشريف بن السعيدي. العقيد علي ملاح قائدا للولاية السادسة ولد الشهيد علي ملاح يوم 14 فيفري 1924، بقرية مكيرة في ولاية تيزي وزو، من عائلة محافظة، حيث كان والده الشيخ أحمد إماماً فنشأ محافظا على الأخلاق والقيم الإسلامية ، حفظ القران الكريم وتعلم مبادئ اللغة العربية على يد والده. ناضل علي ملاح في صفوف حزب الشعب الجزائري ابتداء من 1945، نظم ودعم الخلايا المقبلة للمقاومة في بلاد القبائل بوصفه مسؤول المنظمة الخاصة، لجأ إلى الجبال بعد تفكيك هذا التنظيم شبه العسكري، أيد وجهة نظر كريم بلقاسم في أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية فيفري 1954، عين كأحد مسؤولي القبائل السفلى وشارك في ثورة أول نوفمبر بالهجوم على ثكنة الدرك بالعزازقة، قاد قوات جيش التحرير الوطني في ربيع 1955 في ناحية بوسعادة – الجلفة، مندوب عن المنطقة الجنوبية في مؤتمر الصومام، بينما لا يشير إليه مؤتمر الصومام يوم 20 أوت 1956، عين علي ملاح عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية مكلفا بالولاية السادسة " الصحراء" تحت اسم سي الشريف . شرع علي ملاح في محاولة تثبيت التنظيم الثوري بها انطلاقا من المناطق الشمالية لها حيث كانت تتقاطع الولايتين الثالثة والرابعة بالاعتماد على وحدات اصطحبها معه من الولاية الثالثة، مما يكشف بأنه لم يكن على اتصال بالمجموعات الثورية الأولى التي تشكلت في مناطق أولاد جلال وبسكرة و بوسعادةوالمسيلة ، والتي كان على رأسها مجموعة من القادة المحليين الذين تحولوا من تأييد مصالي الحاج إلى الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني في بداية عام1956 ، كما أن جهوده الأولى كان يغلب عليها السعي نحو مواصلة تعقب وملاحقة فلول بلونيس التي أجبرها كل من عميروش ومحمدي السعيد على الفرار من منطقة القبائل للاحتماء بمشارف الصحراء، وقد أدى ارتكاب بعض الضباط الذين رافقوه في مناطق سور الغزلان والبرواقية وعين بوسيف لأخطاء في حق الأهالي بسبب جهلهم للعادات والتقاليد حينا وبفعل التعسف والبطش حينا آخر، إلى تسهيل المهمة على أحد الضباط من قبيلة أولاد عقون المدية بالشروع في الترويج للأفكار القبلية والعرقية في أوساط السكان في تلك المناطق . اغتيال قائد الولاية السادسة علي ملاح تمكن الشريف بن سعيدي فعلا من استمالة عدد من العشائر ثم شرع في تصفية عدد من ضباط الولاية السادسة، كان أولهم النقيب "احمد جفال" -الروجي- في كمين نصب له رفقة مجموعة من الجنود ثم قام باستدراج العقيد علي ملاح إلى منطقة" جبل شعون "حيث تم اغتياله رفقة عدد من المجاهدين بتاريخ 31 مارس 1957 ، و لم يتوقف هذا العميل عن تصفية إطارات الولاية السادسة من العناصر التي جاءت مع العقيد علي ملاح من الولاية الثالثة بعد اغتيال هذا الأخير ، وإنما استمر في ذلك حتى نجح في القضاء على ما يقارب الخمسين من الضباط الذين كان من أبرزهم بعد علي ملاح الرائد جوادي عبد الرحمان ، وهو ما أحدث هلعا شديدا في أوساط الجنود القبائل الذين آثر معظمهم الفرار إلى الولاية الثالثة للنجاة بأنفسهم. لجنة التنسيق والتنفيذ تحل الولاية السادسة إن الحركة التي قام بها شريف بن السعيدي كانت نتائجها وخيمة على تطور التنظيم الثوري في الولاية السادسة لأنها أعادتها إلى المراحل الأولى بسبب النزيف الشديد الذي تعرضت إليه بفعل تصفية إطارات جيش التحرير فيها ، كما تسببت في فتح المجال للتسابق نحو قيادتها من جهة وأعطت فرصة لمجموعات بلونيس ومفتاح من أجل إعادة تنظيم صفوفها من جهة أخرى على الحدود الفاصلة مع الولاية الرابعة. هذه الاضطرابات الكبيرة أدت في الأخير بلجنة التنسيق والتنفيذ إلى حل الولاية السادسة في نوفمبر 1957 ، وضم الأجزاء الشمالية منها إلى الولاية الرابعة، بالإضافة إلى استقرار المصاليين بعد تلقيهم للضربات المتتالية بالولايتين الثالثة والرابعة في نفس السنة، فكانت مستقرا لقيادة "بلونيس وأتباعه. وحول الأسباب التي جعلت هذه الولاية تعرف هذه المشاكل هي إطالة الإقامة من طرف المسؤولين الذين عينوا من طرف لجنة التنسيق و التنفيذ، بنواحيها الشمالية تاركين المجال للمصاليين لبسط نفوذهم على مساحات كبيرة بالجنوب. ومن المؤكد أيضا أن الاهتمام الواجب لم يعط للولاية السادسة منذ البداية، وربما يعود ذلك إلى كونه لم تنشأ رسميا إلا بعد الصومام. بالإضافة إلى تركز المعارك في المناطق (الولايات) الشمالية، بحكم الطبيعة المكشوفة للصحراء. للموضوع مصادر ومراجع