قايد صالح و بوتفليقة عبارات رددتها "الجماهير" المصرية بعد عزل الرئيس "مرسي" حينما تدخل الجيش برئاسة "السيسي" واصفا تدخله بالثورة بتفويض من الجماهير على "مختطفي الثورة" ؟!.. هؤلاء الآخرين الذين صنفوا ما قام به انقلابا على الإرادة الشعبية، وقلب لموازين القوة بالقوة، وخيانة لثورة يناير التي أطاحت بشخص مبارك، وهو نفس الوصف " أي الخيانة" الذي أطلقه المنقلبون على حكم "مرسي" حينما اعتبروا "أخونة" السلطة سطو على مكتسبات الثورة ؟!.. ورافق ذلك جدل سياسي وإعلامي حول تحديد مفهوم "الثورة" و"الثورة المضادة".. الأمر نفسه بالنسبة لليمن وليبيا حين تعاطت وسائل الإعلام الحاضنة لما سمّي "ربيعا عربيا"، رغم عدم قدرتها على تغليب الكفة في سوريا، وتجاهلها صراحة ما يحدث في البحرين ؟!!.. أما في الجزائر؛ ورغم تحفّظ وسائل الإعلام ذاتها عن ما يحدث في بدايات الحراك، وعدم قدرتها على الجزم بالتنبؤ بالمعسكر الأقوى، وذلك للتخندق ضد الجناح الذي قد يحرمها مصالحها؛ فإنّ الأدبيات التي تناولت الموضوع – رغم قلّتها – لم تستخدم في وصفها ما يحدث عبارتي "الثورة" و"الانقلاب" ؟!!.. أما من جانبنا ولعدم تشابه حالة الجزائر بنظيراتها العربية التي عصفت بها رياح الثورات، ولاختلافها عن ما حدث في فرنسا وبعض الدول الأوربية – رغم عدم وصف تلك الاحتجاجات "بالربيع الأوروبي" من طرف تلك الوسائل على عكس سرعة مبادرتها بالوصف في الحالة العربية – فإننا نحاول أن نركّز على المدلولين الإيجابيين لعبارتي "الثورة" و"الانقلاب".. ففي الوقت الذي وصفت فيه الإدارة الاستعمارية الثوار "بالفلاقة" و"المتمردين"، وهي التي تملك آنذاك أعتى ترسانة حربية وإعلامية، أدرك العالم - ولو متأخرا لدى البعض - أنّ ما حدث هو "ثورة" حقيقية لتحرير البلاد وكسر طوق الاحتلال، وأدرك بعدها – ولو متأخرا أيضا – أنّ ما حدث عقب وقف القتال هو "انقلاب" ممنهج على مبادئ الثورة المجيدة، وتحوير لواجهتها واحتواء لجذوتها، التي ما فتئت تنطفئ تدريجيا.. وهو "انقلاب" فعلي سبق "انقلاب" صوري وصفه مدبريه ب"التصحيح الثوري" ووصفه آخرون ب"الانقلاب الإيديولوجي"، بينما وصفه المتأخرون ب"فقاعات انقلابية" للتعبير عن مجرد صراعات على السلطة لتكريس الاستمرارية ذاتها تجاه القضايا المصيرية الوطنية، وعلى علاقاتها مع الخارج؛ سيما "فرنسا" الشقيقة ؟!.. وهل ما حدث في أكتوبر 88 ثورة شعبية أم مجرد انتفاضة حركها نتاج أزمة اقتصادية واحتقان اجتماعي، نتج عنها تعدد حزبي وانفتاح سياسي لم يعمرا طويلاً ؟!.. وهل ما حدث عقب إلغاء المسار الانتخابي لأول تجربة ديمقراطية في الجزائر هو "انقلاب" على إرادة الشعب، أم تصحيح لانفلات اجتماعي متوحش؛ نتيجة تغوّل تيار ديني، نجح في التلاعب بعواطف الناس واستغلّ تعطّشهم لتغيير الأوضاع، وترصّدهم للانتقام من مخرجات نظام شمولي ورث مكتسبات "الثورة"، حيث استفاد من الانفتاح السياسي لغلق اللعبة بأكملها لصالحه، مثلما يدعي المنقلبون أو من دعمهم وزكّاهم – حتى من التيارات الإسلامية الأخرى – التي تبوأت لها مقاعد في السلطة، وتحالفت مع مغتصبيها مقابل تتبع فتات ما تبقى من ريع وطني مستولى عليه، وأطلقت على مواقفها أوصافا واهمة مضللة من قبيل: المشاركة، التغلغل، مصلحة الدعوة..أحياناً، أو: معارضة، نضال، ابتلاءات الدعوة.. أحياناً أخرى؟!!.. وهل ما يحدث هذه الأيام هو "ثورة" حقيقية على جميع أصناف الفساد في شقيه الوطني والمحلي، وبكل أشكاله وتحت جميع مسمياته ؟!!.. أم هو مجرد انتفاضة فئوية لجيل لم يذق طعم الخوف يريد من يحركهم من أصحاب المصالح الاستفادة منها، بتحريك الشارع بدافع قلب موازين القوى ؟!!.. أم ركوب للأمواج البشرية المتدفقة في شوارع العاصمة وفي كافة ربوع الوطن، والتي يتحسن أداؤها كماً ونوعاً جمعة بعد جمعة ؟!!.. أم أنّ ما يحدث من وجهة نظر محتكري السلطة لأزيد من ثلاثة عقود هو "انقلاب" – بأتم معنى الكلمة – على مصالحهم وغطرستهم ؟!!.. أم هو من وجهة نظر المد الفرانكفوني المتراجع "انقلاب" على مصالح فرنسا ومن ورائها بعض حلفائها لصالح قوى خارجية أخرى فهمت المعادلة وتتربص للانقضاض على تركة "عجوز أوربا" "مصاصة دماء ثرواتها" في المعاقل الأخيرة لها في إفريقيا ؟!!.. هل تطبيق أحكام المادة 102 من الدستور يتوافق وطموحات الشعب ويعيدنا إلى مبادئ "الثورة"، أم "انقلاب" مبطّن في شكل حلول على مطالب الشارع ؟!!.. أم "انقلاب" على منصب رئيس الجمهورية والتضحية به لإنقاذ النظام ودفع ما تبقى من دواليب السلطة الفعلية إلى الالتفاف حول الاستمرارية، ولو في غياب شخص الرئيس ؟!!.. وإذ يثار الجدل لغوياً حول مصطلحي "الحِراك" بكسر الحاء و"الحَراك" بفتحها؛ فإنه مثلما أجاز أهل اللغة "الرَشوة" و"الرِشوة" و"الرُشوة" رغم عدم جوازها في كل الحالات؛ فإننا نجيز – ولا ندعي الاختصاص اللغوي – "الحِراك" بالكسر إذا تعلق الأمر بكسر قيود الفكر والتخلي عن تأثير القابلية للاستعمار، وبالفتح "الحَراك" إذا تلاه فتح من الله على الجزائريين ونصر قريب لطموحاتهم، وبالضم "الحُراك" إذا ضم كل أطياف اللحمة الوطنية على اختلافها وتنوعها، ولم يقص أحداً.. كما أننا نعتقد أنّ اكتمال نجاح هذه الفرصة الثمينة وسلامة هذا المنعطف الخطير مرتبط بضرورة اعتبار أنّ ما يحدث ينبغي أن يكون "ثورة" جادة لتغيير ما بأنفسنا، وهو معنى الجهاد الأكبر الذي نبّهنا إليه رسولنا الأكرم، و"انقلاباً" عميقاً على انانيتنا وأطماعنا الشخصية، وتغليباً للمصلحة الوطنية الجماعية، وتقاسماً للهم المشترك ووحدة المصير، وهو مدلول "تجنب الهلاك" الذي حثنا عليه حبيبنا المصطفى في حديث السفينة..