تعتبر منطقة الجلفة من المناطق الثورية التي جاهدت ضد المستعمر الفرنسي منذ بداية الاحتلال فقد لعبت دورا مهما في احتضان رجال المقاومة ابتداء من موسى بن الحسن الدرقاوي والامير عبد القادر بالإضافة إلى أنها كانت مركزا للقاء قادة الثورة التحريرية من أمثال الشيخ زيان عاشور وعمر إدريس والعقيد سي الحواس، والحديث عن الجلفة يقودنا إلى أن هذه المنطقة استطاعت أن تكون خزانا حقيقيا لأبطال ساهموا في تفجير الثورة في مناطق متعددة من الوطن نذكر منهم الشهيد جقال بايزيد، الشهيد زرنوح محمد الحوراني في الولاية الثالثة، الشهيد عرعار السماتي في الولاية الأولى، الشهيد ثامر بن عمران ، الشهيد نايل علي ، الشهيد قاسم سالم في الولاية الخامسة و المجاهد العقيد احمد بن الشريف في الولاية الرابعة . هذا التاريخ الزاخر لأبناء الجلفة في الولايات التاريخية حتم علينا أن نتحدث في هذه الورقة التاريخية عن احد أبطال الولاية التاريخية الثانية الشمال القسنطيني وهو المجاهد المرحوم رعاش الحدي. مولده ونشأته المجاهد رعاش الحدي بن لخضر بن جقراط المدعو "الحاج الوهراني" ولد بمنطقة المرجة حوش النعاس "بلدية دار الشيوخ حاليا" سنة 1925 م، كانت بدايات حياته قاسية جدا خاصة بعد انفصال والديه، هذا ما جعل شخصيته عصامية رغم انه تربى في كنف جده الحاج لخضر، حيث عاش تحت رعايته و كغيره من الشباب ترعرع علي ممارسة مهنة أجداده ألا و هي رعي الغنم، لينتقل بعدها إلى عائلة الحاج بلخير صيلع بن محاد الطيب احد رواد الحركة الوطنية بالمنطقة. مشاركته في الحرب العالمية الثانية وحرب الهند الصينية حينما بلغ الشاب الحدي رعاش 18 سنة من عمره تم تجنيده خلال الحرب العالمية الثانية من قبل المستعمر سنة 1943، وقد نقل إلى عدة دول منها إيطاليا وفرنسا وألمانيا وكانت الهند الصينية "الفيتنام " آخر محطة وُجه إليها رغم محاولاته العديدة الفرار إلى أن الظروف لم تساعده على ذلك. فراره من المستعمر مع اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة كان على الاستعمار الاستعانة بالجنود الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية مع الجيش الفرنسي ،وكان من بينهم المجاهد رعاش الحدي رحمه الله وقد تم توجيهه إلى الوحدات الفرنسية في الشرق الجزائري و بالتحديد شمال قسنطينة، بعد مدة استقر على فكرة الفرار التي لم تكن لتفارق تفكيره يوما، فقد اتفق مع 14 مجند على تنفيذ عملية فرار بأسلحتهم وقد تم تنفيذها فعلا. التحاقه بالثورة ومشاركته في معارك بجبال الميلية والشمال القسنطيني ومع بداية سنة 1955 أي بعد وصولهم إلى المنطقة الجبلية بجبال الميلية التي كانت ملاذهم الوحيد للهروب من المستعمر، التحق رسميا بصفوف جيش التحرير الوطني تحت قيادة المجاهد "بن لخضر بن طبال" و"احمد بلعابد المدعو العبودي" و"المجاهد عمر العيدوني" ، شارك حينها في عدة من معارك منها الجرف الكبرى و معركة الميلية ومعارك الشمال القسنطيني ومعارك على امتداد مناطق الميلية والطاهير وسطارة بين سكيكدة وجيجل وتمالوس حتى واد الزناتي . في تلك الفترة من الكفاح أصيب جسده في أكثر من معركة برصاص المحتل ليتم أسره في إحدى المعارك بسبب إصابة في رجله اليمنى والقي القبض عليه، حيث عذب بكل انواع التعذيب وحكم عليه بالإعدام، بسجن الكدية بقسنطينة لتبزغ حينها شمس الحرية دون أن ينفذ فيه حكم الإعدام وأفرج عنه بعد وقف إطلاق النار. العودة إلى مسقط الرأس بدار الشيوخ والحنين إلى الأرض من ظلمة الاستعمار إلى نور الاستقلال، عاد المجاهد الفذ الحدي رعاش إلى مسقط رأسه ليشتغل في بلدية حاسي العش بمضخة المياه ليأخذه الحنين إلى قسنطينة التي عمل بها في شركة بناء "مشروع الجامعة الإسلامية" الأمير عبد القادر حاليا بقسنطينة حتى سنة 1973 ليعود أدراجه إلى مسقط رأسه بدار الشيوخ حيث عمل في الزراعة وتربية الماشية، ومع مزاولته لمهنة الأجداد إلا انه لم يتوقف عن ممارسة الوظيفة فكان حارسا في مقر الولاية بالجلفة، إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1990، وبسبب ما تلقاه من إصابات إبان الثورة وكذا التعذيب تدهورت حالته الصحية، وفي سنة 2004 وأمام مشيئة الله ورحمته انطفأت روحه الطاهرة عن عمر ناهز 79 سنة.