صورة من حراك 2019 أيقنت فرنسا زمن الاحتلال بأن ورقة تمكّنها من الجزائر هي (منطقة القبايل)، لذلك عملت وبكل خبث لفصل المكوّن الواحد بعضه عن بعض من خلال إثارة الفرقة في البيت الجزائري الذي وحّده الإسلام وجعله قويا عزيزا مهابا، وركّزت فرنسا في ذلك أيّما تركيز على بلاد القبائل، لجعلها مفتاحا للتفرقة في الجزائر، وبالتالي تحقيق السيادة والسيطرة التي تأملها على هذا البلد وشعبه ومقدراته، وحتى تصل إلى هذا الهدف لا بدّ أن تسبقه بخطوات تحقيق التفرقة، فقامت في سبيل ذلك بمنع استعمال اللغة العربية والأحكام الإسلامية في بلاد القبائل وتم تعويض ذلك باللغة الفرنسية والأحكام العرفية، وأثارت كل ما يمكن إثارته للوصول إلى الغاية المنشودة وهي قطع كل حبال القوة والوصال بين نسيج المجتمع الجزائري، وكان الاحتلال يراهن على عامل الزمن لإنجاح هذا المشروع من خلال تكسير جذوة قوة الانتماء والوحدة عبر الأجيال المتلاحقة لمنطقة القبائل منذ 1830م، لكن اللاّفت أن ما بعد (08 ماي 1945)، أخذت وتيرة عملية الهدم هذه بالصورة العلنية تسارعا غريبا، ومرد ذلك يعود إلى حراك الشعب الجزائري الكبير الذي أدهش فرنسا بوحدته وإصراره وتوحّد مطالبه، فيما يعرف بمظاهرات (08 ماي 1945)، لذلك كانت مرحلة ما بعد هذا الحراك الشعبي وما أعقبه من مجازر وحشية راح ضحيتها ما يقارب الخمسين ألف شهيد وقيل أكثر وبطريقة همجية ندرت في التاريخ الإنساني، مما أظهر حنق فرنسا الشديد على هذا الشعب الذي ورغم مرور ما يقارب قرن وربع من سياسات المحو العجيبة التي مارستها فرنسا فيه، إلاّ أنها وجدت نفسها مع هذا الحراك الشعبي تعود إلى نقطة الصفر وزيادة . وقد أعقب هذا الحراك الشعبي الكبير وما نتج عنه من إبادة، هدوء كبير عمّ الشعب الجزائري، لم تستسغه فرنسا، وأنبأ بأن الجزائر دخلت مرحلة جديدة لا آفاق لها إلاّ نهاية الاحتلال الفرنسي للجزائر، كل هذه التطورات المتسارعة التي بدت حقيقة تهدد المستقبل الفرنسي في الجزائر، عجّل بتشكيل فرنسا لخلية أزمة لإدارة المستجد الجديد وبناء إستراتيجية عملية تمحو كل تلك الآفاق الاستقلالية والتحررية والشعور بالشخصية التي ارتسمت في مخيلة الشعب الجزائري بعد حراك ( 08 ماي 1945 )، ونتج عن تلك الخلية مشروع إدارة أزمة متعدد المسارات نلخّصه في الآتي : أولا : مشروع الجزرة لتجميد جذوة التحرر والاستقلال من خلال القرارات التالية: 01 كسر الجمود والهدوء الذي ساد الشعب الجزائري من خلال فتح آفاق التمثيل الشعبي بصورة مختلفة عما كان قبل حراك ماي 1945. 02 بناء جو سياسي وحزبي جديد في الجزائر من مرسوم 16 مارس 1946 وإعادة تشكيل الحركة الوطنية، لكسر مشروع الثورة الذي كان قاب قوسين أو أدنى عقب مظاهرات ( 08 ماي 1945 ) . 03 إصدار دستور 1947 كثوب إصلاحات في الجزائر يمني الشعب بتحقيق الغايات . ثانيا : مشروع الخنجر المسموم لكسر وحدة الشعب تعلمت فرنسا عبر تاريخها الطويل في الجزائر أن التحكم في هذا الوطن جسره الوحيد هو جسر التفرقة في الكيان الموحد، وكان درس حراك الشعب في ( 08 ماي 1945 ) يمثل الصفعة الأقوى للاحتلال منذ سنة ( 1830 )، لذلك بادرت فرنسا بظاهر الودّ والتفهم للحراك ومطالب الشعب من خلال مشروع الجزرة، وتبطّنت الخنجر المسموم اتجاهه، في سبيل تحقيق حلم التفرقة المأمول. وكان خنجرها المسموم اتجاه الوطن هو مشروع ما يعرف بالأزمة البربرية التي بدأت تظهر للعلن دون تكتّم ما بعد حراك الشعب ( 08 ما 1945) لتصل مداها سنة 1949م، وكانت إدارة هذا المشروع في باريس وعلى أعلى المستويات، ومن خلال آليات متعددة وبمناهج شتى ( التاريخ مع علم الاجتماع مع علم النفس بتوظيف الجغرافيا وعلم اللسان .....الخ)، واللاّفت أن فرنسا تحاول أن تنأى بنفسها ظاهريا عن إدارة المشروع وتحاول أن تلبسه للأيادي الوطنية حتى من داخل الحركة الوطنية، مستقلة النوايا الصادقة لمطالب كثير من رجال بلاد القبائل، وذلك حتى يلق رواجا وقبولا وتحقيقا، لأن الاحتلال يعلم بأن الشعب يكفر بفرنسا، ولو قالت له قل ( لا إله إلاّ الله ) لرفضها منها لأنها ماكرة والماكر لا يؤتمن ولو لوح بالحق كما قال الشيخ عبد الحميد بن باديس . والذاكرة التاريخية في هذه الأزمة تعيدنا إلى قيام فرنسا عقب حراك الشعب في (ماي 1945)، بإظهار هذه الورقة للعلن من خلال أياديها الذين أعدّوا إعدادا لهذه اللحظة الحاسمة، في محاولة لشرخ نسيج الحركة الوطنية وحزب الشعب الاستقلالي خاصة، والغريب أن النقاش في هذه اللحظات الحاسمة في تاريخ الجزائر من قبل هؤلاء ليس الاستقلال أو الاحتلال، إنما النقاش كان يدور حول مسألة قومية حزب الشعب ينبغي أن تغير من ( العربية الإسلامية )، إلى ( الجزائر جزائرية )، وهنا يطرح السؤال الكبير : لغاية من هذا النقاش وفي هذه اللحظات بالذات؟!!. وتعدّو النقاش إلى الإجراءات من خلال اختطافهم لفيدرالية حزب الشعب في باريس وإعلانهم لمشروعهم من خلال عقدهم لمؤتمر باريس سنة 1948، الذي طرح فيه على لجنة الاتحادية لائحة للتصويت تنص على اعتبار "الجزائر جزائرية" وتدين خرافة "الجزائر العربية الإسلامية"، وتمت الصادقة عليها من قبل 28 عضو من أصل 32، وأعقب ذلك شن حملة من طرف فيدرالية فرنسا لحزب الشعب ضد التوجه العربي الإسلامي للحزب مما أدى إلى انفجار الأزمة للعلن . كل هذه التطورات الكبيرة والمحاولات اليائسة من قبل الإدارة الاحتلالية في توجيه خنجر التفرقة المسموم ضد الشعب الجزائري وهويته، لم يستسغه أهلنا في عموم بلاد القبايل ولم يرضوا بالصمت عنه، فاجتمع سنة 1948 عروش القبايل، اجتماع أزمة أيضا دون صمت أو تأخير، وتدارسوا هذه الإجراءات الفرنسية وجرّموا وتبرؤوا من كل قبايلي يجسد هذه الإجراءات أو يدعوا لما تريد فرنسا تحقيقه فيها، أو أن يكون جزء من ورقة اللعب بهوية وثوابت ووحدة هذه الوطن، وصاغوا عارضة جماعية تكتب بماء الذهب سنة 1948 إلى حكومة الاحتلال جاء فيها : " فالزواوة الكبرى امة إسلامية عربية لا ترضى عن دينها وشرعها بديلا وإنها تعتقد أنها جزء لا يمكن فصله عن الجسم العربي الجزائري وأنها لا ترضى أن تكون نوعا جديدا على هامش العرب". دار الزمن وأتي حراك (فبراير 2019)، الذي وصفه مالك بن نبي قبل عشرات السنين وكأنه يراه، حينما قال : " كانت تلك ساعة اليقظة، وبدأ الشعب الجزائري المخدّر يتحرك، ويالها من يقظة جميلة مباركة، يقظة شعب ما زالت مقلتاه مشحونتين بالنوم، فتحولت المناجاة إلى خطب ومحادثات ومناقشات وجدل، وهكذا استيقظ المعنى الجماعي، وتحولت مناجاة الفرد إلى حديث الشعب، فتساءل الناس: كيف نمنا طويلاً؟ وهل استيقظنا حقاً؟ وماذا يجب أن نفعل الآن؟ ولقد كانت هذه الأسئلة على شفاه قوم غمرتهم الدهشة، ومازالوا يتقلّبون في خدر النوم، يتلمسون منه فكاكاً. لم يرق فرنسا هذا الاستيقاظ الذي أدرك من خلاله الشعب أن فرنسا هي بيت الداء وهي مكمن الشدّ الذي هوى بالجزائر سنين وسنين، وما جعل الشعب يتحرر والبلد يحقق مكانته كقوة ومكانة بين الدول مثلما أراد الله له في سنن تاريخه، فقامت فرنسا لأجل شدّ الشعب من جديد بتشكّيل خلية أزمة لإدارة مرحلة ما بعد حراك الشعب هذا، حتى لا تنفلت الذرة الجزائرية كما تراها فرنسا عن مدارها المعتاد طيلة هذه السنين الطويلة، وهي تعلم أن مشاعر وآفاق مرحلة ما بعد حراك (ماي 1945 ) هي ذاتها ما بعد (حراك فبراير 2019)، وبالتالي فإن مستخرجات خلية أزمتها الحالية كان مشابه تماما لما أعقب حراك (ماي 1945)، ولكن بمخرجات جديدة تساير طبيعة الواقع والضرورة والمرحلة، والذي يقوم على مشروعين مهمّين أيضا ووفق مسارات متعددة وبأوجه مختلفة : الأول مشروع الجزرة لتجميد جذوة التحرر والاستقلال والشعور بالشخصية من خلال الترويج والعمل من أجل الوصول إلى المرحلة الانتقالية طويلة الأمد تشابه المشروع الأمريكي في العراق سنة ( 2003 ) والتي تهيئ لها فرنسا أزمات لا تنتهي ( أزمة تلو الأزمة ) حتى لا يستطيع الشعب الخروج من تلك المرحلة، وستكون مشكلة اللا توافق العنوان الأبرز للمرحلة، والتي لن يخرج الشعب منها إلاّ وقد أنهك وانهار وتفرّق، وتمزّق كيان الدولة. وإن لم يتسنى ذلك فليكن الشعار (الجمهورية الثانية)، هذا الشعار الذي يحمل في ظاهره الرحمة من خلال معاني التغيير والتجديد، وفي باطنه يأتي من قبله التكبيل لكل معاني التغيير والتجديد والتحرر من المدار الفرنسي الذي لم يجعل من الجزائر سوى ذرة في المدار، وأن هذا الوضع الذي تعيشه الجزائر يعتبر فرصة التاريخ، إن فاتت فالانتظار سيطول وقد لا يكون، والتحرك عبر الشعار الذي ذكرنا، سيكون عبر آلياتها في الداخل ومن خلال وسائل متعددة، تقوم على الإعلام من خلال شعارات جاذبة كالديمقراطية والتغيير والإصلاح ووو......، في مقابل شيطنة كل فكرة أو شخصية تمثل إجماع الشعب وتصب في الإطار الذي يعرقل تلك الآمال، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الغرض الأكبر هو استغلال اللحظة التاريخية لدسترة قواعد اللعبة التي تحكم ما بعد الشرعية الشعبية، التي إن جاءت ستجد نفسها مكبلة بشرعية دستورية لا يمكن تجاوزها، وإن حصل ذلك فسيكون بابا كبيرا للتدخل الأجنبي لحماية الحقوق والحريات والأقليات ووووو........ 02 مشروع خنجر التفرقة المسموم وورقته الوحيدة هي (ورقة القبايل دائما) وتدار من باريس، وبثوب الأيادي الداخلية كالعادة، ومن خلال آليات متعددة وبمناهج شتى كالمعتاد (التاريخ مع علم الاجتماع مع علم النفس، وبتوظيف الجغرافيا وعلم اللسان .....الخ)، وهي ورقة تسير وفق مخطط وتدرّج زمني لغاية معدّة سلفا، هُيئ لها كل الوسائل المادية والمعنوية ووووو....، ولكن هذه المرة متبّلة بنكهة الكيان الجديد الذي ظهر على الخط وكأنه يدير خيوط هذه الورقة، والمقصد هنا (الكيان اليهودي المحتل)، لماذا وكيف وما الغاية ؟؟؟ والمتتبع للمواقف الجزائرية الثابتة والمؤثرة ضد كيان هذا العدو منذ بدايات القضية الفلسطينية إلى اليوم يدرك ذلك، خصوصا وأن عمله على إحداث الشرخ في هذه الشعب العظيم كان كبيرا ومتنوعا، والملفت أن هذا الكيان يتقاطع تماما في عقليته مع العقلية الفرنسية باعتبارها منشئة له من حيث الكيان السياسي أو القوة العسكرية خاصة النووية وتاريخها في صحراء الجزائر لا ينسى ولو بعد مليار سنة . هذا الكيان فكّر وقدّر في المسألة الجزائرية، ثم فكّر وقدر، ولم يجد من سبيل وبدّ للانتقام من هذا الشعب وكسر شوكته إلاّ (ورقة القبايل)، التي بدت في علن تصريحات كيان العدو المحتل من خلال منظومته الاستخباراتية التي تؤكد بأن ورقة التفرقة على أساس العرق، خاصة (ورقة القبايل) ستكون مفتاح تفجير الجزائر، وأنهم لن يهنئوا إلاّ بالانتقام من هذا الشعب العظيم بتمزيق وحدته وكسر شوكته وهدم أركانه. ومنه ينبغي أن نؤكد بأن مسار هذه الورقة سيشهد تطورات كبيرة متلاحقة، إذا لم يتدارك الشعب بأكمله الوضع والخيّرين والمجاهدين فيه وفي كل المؤسسات، وستظهر فيها مواقف جريئة متتابعة لم يتخيلها الشعب الجزائري أن تحدث يوما وبسيناريوهات مدروسة وبعقلية الجزائريين، وستأخذ أبعادا محلية وإقليمية ودولية... لذلك فإن الموقف جلل، وبناء على هذا الإرث التاريخي الكبير يستوجب اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يقف شيوخ وعلماء ومثقفي وأعيان بلاد القبائل للرد على هذه الدعوات التي تتكلم باسمهم وتعيد خطاب وإجراءات الزمن الذي نحسبه ميتا . وأن رد الخطاب ينبغي أن يكون بخطاب أقوى، ورد الإجراءات ينبغي أن يكون بإجراءات أعم وأبلغ، لأن الصمت لا يتولّد عنه إلاّ التمادي والمزايدة وإعطاء الشرعية لتلك الأيادي باختطاف منطقة القبائل وشعبها الحرّ الأبي، وإذا لم نتحرّك اليوم فإن الغد لا يضمنه أحد . لحظة الوعي التي نتغنى بها ينبغي أن تظهر في عموم الشعب الآن وليس غد، وأن يقف قويا اتجاه هذه الدعوات ويوسع نظره بعيدا لفهم المسألة بكل شموليتها الممكنة حتى تكون التحركات مدروسة وهادفة لا ردود أفعال، لأن ردّات الفعل دائما ما تكون محتومة وليست مدروسة، وأن المرحلة تتطلب أن يأخذ الجميع بأيدي بعضهم البعض، وأن تمدّ يدّ الوحدة إلى إخواننا في بلاد القبائل شعارا وسلوكا ويتبادل منهم الموقف أيضا، لأنهم والجزائر عموما في لحظة تاريخية مهيبة، وأنه يراد أن يجعل من منطقة القبائل ( سيدي فرج جديدة )، ولكن هذه المرة لهدم وتمزيق الجزائر، لذا ينبغي أن تحصّن بشعار وسلوك الوحدة والتلاحم، وأن لا نجعل فرنسا تتفرد بهم، لعزلهم وشحنهم وجعلهم وسيلة لهدم هذا الوطن العظيم . إن ورقة التفرقة هذه ستتوسع وتتنوع لاحقا وستتدحرج تدحرج كرة الثلج وتكبر وتمتن لتهدم الوطن بأكمله إذا لم يعي الشعب ذلك، ولا أدلّ من قول حكيم الوطنية المعاصرة المجاهد (عبد الحميد مهري) حينما قال : "يحاربون عروبة الجزائر بدعوى أن هناك أقليات لها خصوصيات غير عربية، وغدا سيحاربون الإسلام بحجة أن هناك أقليات نصرانية ويهودية، وبعدها سيحاربون الأديان بحجة أن هناك ملحدين في الجزائر، وهكذا دواليك إلى أن تضيع كل ثوابتنا القومية والهويات التي أعلن عنها بيان أول نوفمبر". فنحن في سفينة واحدة والخرق في جزئها يغرق الجميع ولا أبلغ من إشاعة بيان وسلوك الوحدة ونبذ وعدم سماع كل من يثير هذه الفرقة بأي داع ولو كان يريد به حقا، لأن حقّ قوة هذا الوطن ووحدته أقوى من كل حق تحته، فاللحظة لا تتحمل، ونعق أيادي هذه الورقة من أبناء الشعب الذين باعوا أنفسهم بلا ضمير ينبغي أن لا تعمم على شعب بأكمله فالجزائر اليوم تعيش أدق مراحلها التاريخية، وأن لهذه المرحلة فواصل، وللفواصل الحاسمة في تاريخ الشعوب والأمم ينبغي أن يكون لها رجال، والرجال فيها كل أفراد هذا الشعب الذين وعوا قيمة اللحظة، ولسان حالهم يقول: إِذَا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتَىً خِلْتُ أنَّنِي عُنِيْتُ فَلَمْ أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ فلا رجاء بعد الله في هذه اللحظات الفاصلة إلاّ الشعب، لأن عهد البطولات بالأفراد والرجل المنقذ قد ولّى، وأن تطور وعي الضمير المجتمعي لن يبلغ مداه في النضج، كما قال مالك بن نبي، إلاّ حينما يترسخ لدى الشعوب بأن عهد البطولات المبنية على جرأة الأفراد، وانتظار الرجل المنقذ قد ولّى، وأن الوثبات المجتمعية المعاصرة قد رسّخت وعيا جديدا جوهره أن الحراك النهضوي قوّته في الشعوب وتكاتف المجتمع، والرجاء معلق بهذا النشء، لعله يفعل ما لم توفق لفعله الأجيال الماضية، ولا أبلغ من قول رائد النهضة والوحدة والاستقلال في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس الصنهاجي حينما قال : يَانَشءُ أَنْتَ رَجَاؤُنَا وَبِكَ الصَّباحُ قَدِ اقْتَربْ خُذْ لِلحَياةِ سِلاَحَها وَخُضِ الخْطُوبَ وَلاَ تَهبْ وَاقلَعْ جُذورَ الخَائنينَ فَمنْهُم كُلُّ الْعَطَبْ حتَّى يَعودَ لقَومنَا من مَجِدِهم مَا قَدْ ذَهَبْ (*) الدكتور مصطفى داودي أستاذ التاريخ بجامعة الشهيد زيان عاشور الجلفة