يقع جبل "تقرسان" بتراب بلدية بن يعقوب حاليا في السفح الجنوبي الذي تنتهي عنده سلسلة جبلية متصلة في حلقات بناحية الشارف. ويسمى المكان الذي وقعت فيه المعركة ب "الڨرون" لأن به ثلاث مرتفعات على شكل نتوءات وقرون ويتوفر على غابة كبيرة وأشجار كبيرة من الصنوبر والعرعار والبلوط ونباتات الحلفاء والإكليل وشجيرات أخرى. يشكل هذا الجبل مع "جبل لزرڨ" بالأغواط في زمن الثورة همزة وصل بين جبل العمور غربا وسلسلة جبال أولاد نايل شرقا وقد شهد عدة معارك واشتباكات من بينها معركة "الڨرون" التي جرت أحداثها بتاريخ 08 افريل 1957 المصادف لليوم الثاني "02" من شهر رمضان الكريم. أسباب المعركة ... كانت المنطقة الصحراوية تعرف نشاطا ثوريا منقطع النظير مع مجيء "الشيخ زيان عاشور" مع منتصف 1956 فقد شهدت معارك عديدة كان لها صدى قويا لدى المستعمر الفرنسي الذي حاول القضاء على هذه الثورات وقادتها فتوجّه نحو هذه المناطق التي توسعت فيها رقعة الثورة وتوزعت بها الأفواج على الربوع الشاسعة. ولعل من بينها فوج "عبد الرحمان بالهادي" الذي توجه إلى "ڨعدة القمامتة" و"جبال العمور" بالجنوب الغربي. ومع حلول سنة 1957 بدأت كتائب الولاية الخامسة تزحف هي الأخرى نحو الجنوب فوقعت مناوشات بين هذه الفرق وفوج عبد الرحمان بالهادي وساءت العلاقة بين الطرفين، لكن بقدوم القوات الاستعمارية بمنطقة "ريشات السبعين" أسفرت عن استشهاد 70 شهيدا وأُسر القائد "عبد الرحمان بالهادي" الذي أُعدم فيما بعد. بعد انتهاء المعركة ... انسحبت الكتيبة التي كانت تابعة لجيش الصحراء لكن جيش المنطقة الثامنة تمكن من ملاحقتها إلى مناطق جبل تقرسان حيث أرسل ثلاث كتائب، كتيبان انطلقتا من القاعدة الشرقية بقيادة "سي عصمت" و"دربالي سليمان" ومروا ب "جبل لزرڨ" ومنه تحولوا نحو قرية "بن يعقوب". والكتيبة الثالثة خرجت من مركز خناق عبد الرحمان "مركز قيادة المنطقة" وكان يقودها "سي زكريا مدني" و"سي شعيب" ومساعد الكتيبة "سي خالد" ليتم احتجاز الكتيبة وذلك للأفكار المسبقة التي كان يحملها قادة المنطقة الثامنة التابعون للولاية الخامسة بأن وحدات جيش التحرير المتواجدة بجبال أولاد نايل هم فصائل تابعة لتنظيم مصالي الحاج "الحركة الوطنية الجزائرية M.N.A" لذا يجب محاربتهم والاستيلاء عليهم. ولما بلغ خبر احتجاز الكتيبة إلى الضابط "عمر ادريس" أرسل مساعده "فرحات الطيب" ليفاوضهم في شأن استرجاع الكتيبة المحتجزة وفي أمور أخرى تتعلق بضرورة التنسيق بين المنطقتين المتجاورتين لكن مسؤول المنطقة الثامنة "لطفي" ألح على ضرورة حضور قائد المنطقة الصحراوية "عمر إدريس". أطوار المعركة ... في تلك الفترة كانت المنطقة الثامنة من الولاية الخامسة تعيش جوا ثوريا متميزا خاصة بعد أن توجه إليها القائد "عمر ادريس" من أجل المحادثات مع "لطفي" حول انضمام جيش الصحراء للولاية الخامسة. ففي شهر آفريل من عام 1957 تنقلت كتيبة من المنطقة الثامنة التي كانت تحت قيادة القائد "زكريا" إلى جبل "تقرسان" بناحية بن يعقوب، وذلك بمساعدة رجال مخلصين للثورة كانوا يمدونهم بالمؤن والغذاء والأدوية و يؤمّنون لهم المخابئ. وعند وصول الكتيبة إلى المنطقة تمّ الالتقاء برجال "عبد الرحمن بلهادي" وهو من أحد قادة جيش الصحراء. ففي منتصف يوم الثامن من آفريل 1957 وعند وصولهم إلى منطقة "بن يعقوب" كانت قوافل المجاهدين تحمل الأسلحة والمؤونة والمواد الغذائية فوق البغال أين تمت مهاجمتهم من طرف الطائرات الفرنسية التي قامت بقنبلة مؤخرة القافلة حيث أوقعت خسائر في العتاد وجرح مجاهد. تضمنت قوات المحتل الفرنسي عدة كتائب من مختلف التشكيلات من البارا والحركى والقوات المحمولة جوا والرماة والطائرات المقنبلة والمروحيات والمدفعية الثقيلة. وهنا يذكر المجاهد مصطفى قليشة في مذكراته "بينما كان القادة يتحدثون عن الثورة التحريرية إذ بهم يتفاجؤون بزحف القوات العسكرية الفرنسية نحوهم وبدأت الأجواء تمتلئ بالطائرات واتضح لهم بأن خبر تواجدهم بالمنطقة قد تسرّب إليهم من طرف العملاء وما هي إلا ثوانٍ قليلة، حتى أخذ كل مجاهد سلاحه وحضّر نفسه للمواجهة بمشاركة الكتيبتين وبحوالي 220 جنديا، وبدأت المشادات بينهم وبين الجنود الفرنسيين الذين كانوا يضنون بأنهم مجرد قطاع طرق لا يملكون إلا سلاحا أبيضا وبنادق صيد وأنه يسهل القضاء عليهم، لكنهم تفاجؤوا بجيش منظّم و مدرب بكل المقاييس. كانت هذه المعركة مسرحا للقتال بكل بسالة وشموخ فهم أصحاب الحق ونذروا أرواحهم لله ولتحرير الوطن وكان هذا هو سر صمودهم وتصديهم لهذه الأرمادة من القوات الفرنسية وما كان على هذه الأخيرة إلاّ أن ضاعفت من القصف باستعمال المدافع والطائرات المقنبلة". من جانبه ذكر المجاهد "عبد القادر بوعسرية" في مذكراته أن "المعركة بدأت بعد منتصف النهار وكان تعداد قوات جيش التحرير وقوات العدو متقاربا من حيث العدد لكن الفارق الذي كان بينهم هو التغطية الشاملة لساحة المعركة واحتلالهم للمرتفعات المشرفة على ميدان القتال لذا كانت هجومات العدو بدون فعالية وكانوا في موقف لا يُحسدون عليه خاصة في الساعات الأولى من المعركة حيث تمكن المجاهدون من القضاء على فوج يتقدمهم ضابط فرنسي". وصلت شاحنات وآليات العدو في الجهة المقابلة من المعركة قادمة من الجلفة فإذا بالحارس ينادي إنكم محاصرون وبعد أخذ كل المجموعات مواقعها ومع ظهور قوات العدو تم استدراج جنوده على مرمى أسلحة المجاهدين لتتواصل بذلك المعركة مبرزة تماسك المجاهدين. وفي تلك الأثناء قامت إحدى المروحيات بإنزال عساكرها في قمة الجبل المقابل فتم تدميرها وقتل من فيها من طرف حامل القطعة الجماعية (رشاش ثقيل) فدفع العدو بمروحية أخرى أعطى حينها "سي خالد" الأمر لمجموعة سي محمد بن الهادي للتدخل بسرعة لغنم الأسلحة حيث أنهم تحصلوا على عدة قطع متعددة. واصلت المروحيات إنزال العساكر فوق قمة الجبل واستمر المجاهدون في سحقهم كلما نزل جندي من العدو، وقد بلغ عدد المروحيات المشاركة في العملية 07 مروحيات منهم واحدة استدرجت وتم إسقاطها وقتل من فيها فغنم خلالها المجاهدون خرائط وجهاز اتصال لاسلكي خاص بالقوات الفرنسية استعمل من قبل القائد "زكريا" الذي كان على دراية جيدة بهذا الجهاز كونه كان في السابق مُجندا في صفوف الجيش الفرنسي، أين تلقى تدريبات عالية المستوى في كل المجالات العسكرية وصار القائد يرسل تعليمات لقيادة الطائرات وكأنه ضابط فرنسي. وكان رحمه الله يتقن اللغة الفرنسية ولهذا السبب انخدع أولئك الطيارون فصاروا يضربون بقنابلهم أينما يوجههم القائد زكريا، فكانت التصويبات تقع كلها على مواقع الفرنسيين مما أحدث خسائر فادحة في صفوف العدو من أرواح وعتاد، وكان من أهم نتائج المعركة القضاء على عدد معتبر من القوات الفرنسية وإسقاط طائرة وغنْم قطع من الأسلحة. مع نهاية المعركة وبحلول الظلام انقسم المجاهدون إلى مجموعتين واحدة ذهبت إلى جبل "ڨطية" عند عرش العبازيز بمنطقة الشارف ليتناولوا وجبة العشاء والأخرى سارت بين "جبل لزرڨ" و"الادريسية" عند عرش المخاليف بالأغواط، ثم مروا بعدها إلى المكان المسمى "القارة" ليقضوا يوما كاملا لتكون وجهتم بعدها نحو جبل "الڨعدة" مرورا بالحاج "مخلوف بن دريس" بالمكان المسمى "لڨلات" منها إلى "عين الحمارة"، عين الشهداء حاليا، أين التقوا بالمجموعة الأخرى حيث تم نقل الجميع على متن شاحنة المسمى "بن عرعار" لتوصلهم إلى الڨعدة. نتائج المعركة ... تكبد العدو خسائر فادحة بين صفوفه حيث تم إسقاط طائرتين مروحيتين إحداهما استكشافية وعدد كبير من الجنود من بينهم ضابط وغنم عدة قطع سلاح متنوعة. من بينها رشاش خفيف وثقيل ومسدسات وجهاز اتصال وخرائط عسكرية. ومن جانب المجاهدين فقد نال الشهادة مساعد قائد الكتيبة "سي خالد" القادمة من مركز "خناق عبد الرحمان" وتسجيل عدد قليل من الجرحى. (للموضوع مصادر ومراجع) للبقاء على اطلاع دائم بالأخبار عبر جريدتكم "الجلفة إنفو" الإلكترونية و تلقي الإشعارات، قم بتحميل تطبيق الجلفة انفو