صورة للزاوية العثمانية بطولقة عندما طلب مني الأخ العزيز المحترم ،السعيد بلقاسم مدير موقع الجلفة إنفو مشكورا، المساهمة في مواضيع الموقع المتنوعة ، وبالنظر لما أحدثه هذا الموقع من نقلة نوعية في المجال الإعلامي و الذي لا تتوفر عليها جلّ الولايات المتقدمة وعلى رأسها العاصمة ، حيث لا تتعدى مواقع الولايات خمس أو ست مواقع، هذه النقلة التي ساهمت إلى حد كبير في تثقيف المتصفحين على اختلاف أعمارهم ومشاربهم ، وفتح بوابة الكترونية إعلامية تنقل الأحداث وتساعد الباحثين من خلال الأقسام و المنتديات الثّرية بالمعلومات ، فكرت مليّا في كيفية تسمية هذه المساهمات المتواضعة ، فذهبت بي ذاكرتي إلى إحدى لقاءاتي بالروائي الأمين الزاوي، أيام كان على رأس المديرية العامة للمكتبة الوطنية، حين قال لي : هل تأخذ مقابلا على ما تكتبه في الجرائد من مساهمات؟ فأجبته بالنفي ، من منطلق أنني لا أمتهن الصحافة التي تأتي في الدرجة الثانية بعد وظيفتي التي أتلقى مقابلها مرتبا، وبما أن الكتابة الصحفية حسب اعتقادي رسالة لها معاني كبيرة ومتعددة، وتتضمن أفكارا وتحاليلا ، فكتاباتي منذ التسعينيات كانت ومازالت بدون مقابل مادي، أعتبرها كالزكاة ، ولذلك سميتها الزكاة الفكرية ، لأن كل إنسان يزّكي بما عنده على أساس أن كل إناء بما فيه ينضح، فأنا لا أملك المال لكي أزكّي، وعليه أعتبر مساهماتي في الصحافة والإعلام كزكاة ، فضحك الأستاذ الزاوي وقال لي : هذه أول مرة أسمع بهذه الزكاة وتمنى لي التوفيق في مشواري المهني والصحفي. من خلال هذه المقدمة تندرج كتاباتي من مقالات وحوارات ودراسات مترجمة ، بصفة دورية، تحت عنوان : زكاة الفّكر في كل شهر الزّوايا...بين المرجعية والامتداد المغاربي بقلم :ع. بلقاسم مسعودي منذ بزوغ فجر الإسلام ظهر ما يسمى اليوم الهياكل الدينية التي تعتني بأمور الدين، حيث تعددت الأساليب وتنوعت الدروب مؤدية كلها إلى نشر تعاليم ديننا الحنيف، فبرزت عبر الأزمنة الغابرة ، الكتاتيب والمعاهد التي بقيت حتى اليوم رغم كل ما شهده العالم من تحولات ، فكان جامع الأمويين في دمشق ، وجامع الأزهر الشريف في مصر ، وجامع الزيتونة في تونس وجامع القرويين في المغرب ، وبالتوازي ظهرت الزوايا في ليبيا والجزائر وموريتانيا كمؤسسات دينية اجتماعية وروحية محاولة بذلك التكفل بتحفيظ القرآن الكريم للطلبة وتمكينهم من العلوم الشرعية دون التفريط فيهم عن طريق الإيواء والمأكل والمشرب مزودة إياهم بإجازات تمكنهم من مواصلة التعلم في العلوم الشرعية أو العمل في الإطار الديني . إلى جانب هذا ،كانت الزوايا وما زالت يقصدها عابر السبيل واليتيم وذو الحاجة باعتبارها مقصدهم الوحيد , كما عملت بجهد كبير في إصلاح ذات البيّن من خلال لجوء العائلات المتخاصمة والقبائل المتنازعة سواء بمحل وجود الزاوية أو بين قبائل المناطق المختلفة أي أن امتداد عمليات ومساعي الصلح كانت غالبا ما تتجاوز حدود تواجد الزاوية وبذلك يذيع صيتها ، ليس فيما يخص ما تقدمه من علوم شرعية فحسب بل يتعدى ذلك إلى نفوذها بين أوساط الجماعات والقبائل، إذ أن الفصل في النزاعات العائلية والعشائرية كان ملزما لكل الأطراف معتمدة في ذلك على مكانة شيوخها وحنكة علمائها , فهي المؤسسة الوحيدة التي تستقبل وتحتضن طلاب العلم بدون قيد ولا شرط ولا حتى مسابقة شكلية وبدون تمييز بين الناس فقيرهم وغنّيهم , صغيرهم وكبيرهم . وعلاوة على هذا , فالزوايا تقوم بمساعدة المحتاجين والذين على عاتقهم ديون ملزّمة كالدية التي تجمع لدفعها إلى أهل القتيل بسبب حادث ما . بيد أن المعاهد التي ذكرنا بعضا منها آنفا , لا تقبل أي كان إلا إذا امتحنته في معارفه وربما احتاج إلى واسطة وقد يذهب الأمر إلى اشتراط إجازات وشهادات معترف بها قانونيا , ورغم أن هذه المعاهد يشهد لها التاريخ أنها حافظت على رسالة الدين واللغة العربية , متحدية الصراعات الطائفية والمكائد من فترة لأخرى، وساهمت في تكوين علماء أجلاء من الوطن العربي والإسلامي إلا أنها كانت تختلف عن الزوايا فيما يخص الجانب الاجتماعي كالتكفل التام بالطلبة وبالمجان وقاسمها المشترك مع مؤسسات الزوايا هو تزويد الطلبة والمريدين بالمعارف وعلوم الدين . وبما أن الجزائر لم يكن لها الحظ في احتوائها على جوامع من وزن الأزهر أو الزيتونة أو القرويين باستثناء معهد أصول الدين بالعاصمة إلا أن الزوايا كان لها الفضل الكبير في تغطية العجز وسد هذا الفراغ المؤسساتي ولولاها لما كان الحظ للكثير في استظهار القرآن وتعلم لغته لغة الضاد , اللغة العربية الضاربة في جذور وأعماق تاريخنا , وقد أشار إلى هذا الفضل كذا من كاتب و عالم من أمثال الدكتور أبو القاسم سعد الله والعلامة ابن مرزوق التلمساني .فالزوايا هي مرجعية الشعب الجزائري بكل فخر. لقد مرت الزوايا بفترات عويصة بعد الاحتلال إلا أنها صمدت وساهمت في المقاومة الشعبية عن طريق ابنها البار الأمير عبد القادر العالم الصوفي والقائد المجاهد إلى جانب الشيخ بوعمامة والحداد والمقراني ولاله فاظمة نسومر وغيرهم كثير من أبناء وخريجي الزوايا . ومن الفترات التي مرت بها الزوايا هي محاولة فرنسا إقحامها في مساعدتها على الاحتلال من خلال الخونة ضعاف النفوس , لتشويه سمعة الزوايا لأنها كانت هي مرجعية الشعب الجزائري ، فعملت لإظهارها على أنها تؤيد الاستعمار بل ذهب بها الأمر إلى أنها تساعد في نشر فكره ، وعندما عجزت فرنسا على احتواء الزوايا، غيّرت الخطة وابتدعت بعض الأمور من خرافات وشعوذة لكي تنجح في بسط سياسة " فرق تسد " وبالفعل فقد نجحت نوعا ما في زرع الفتنة وعلى رأسها الصراع الذي كان بين جمعية العلماء وشيوخ الزوايا واستمرت الفتنة لمدة طويلة غير أن تغلب الحكمة في الأخير عجل بزوال هذا الصراع المفتعل والذي غايته تشويه صورة المؤسسات الدينية ومنها الزوايا على الخصوص . وفي سنة 2003 ظهر اتحاد الزوايا ، هذا التنظيم الذي يتميز بضم الأكاديميين والعلماء جاء ليوحّد الزوايا ويجمع الطرق الصوفية، وكانت البداية أنه استطاع جمع شيوخ أشهر الزوايا في الجزائر وأصحاب كل الطرق في ملتقى مستغانم سنة 2004، والذي شاركت فيه 48 ولاية وكان ذلك لأول مرة في تاريخ الجزائر , وكان الحدث مميزا شابه جو المحبة والألفة ونسيان الأحقاد ونبذ الخلافات بين شيوخ الزوايا وزعماء الطرق الصوفية وواصل الاتحاد نشاطه بتنظيم أكثر من 26ملتقى وطني في ظرف قصير، ويتطرق فيها كل مرة إلى حياة عالم من علماء الزوايا ودور هذه الأخيرة في الحفاظ على الدين والتكفل الاجتماعي و وإصلاح ذات البين , وهنا يظهر أن الزوايا باشرت عملية المصالحة التي أطلقها رئيس الجمهورية في سنة 2005، لأن الزوايا هي أولى وأحق بالمصالحة.، كيف ذلك ؟ بعبارة أخرى إن المصالحة هي من بين الوظائف والمهام الرئيسية للزوايا التي عرفت بها عبر المراحل والأزمنة دون غيرها من المؤسسات والتنظيمات حيث لا توجد مهمة إصلاح ذات البين في قانون أساسي أو نظام داخلي لتلك المؤسسات الأخرى ، وبذلك فهي كفيلة بعمل الكثير لرأب الصدع ولملمة الشتات ودفن الأحقاد والتطلع إلى المستقبل , وخير دليل على ذلك ، وكمثال لا على سبيل الحصر، هو ما قامت به زاوية القاهرة لعائلة طاهيري بولاية الجلفة ، والتي فقدت 11 فردا من عائلتها دفعة واحدة على أيادي الوحوش البشرية إبان العشرية الحمراء ولم تتأثر بذلك الزاوية بل واصلت التدريس و إكرام أبناء السبيل ، وهاهي قد أعطت درسا حيث كانت من الأولين الداعين للمصالحة ونسيان الماضي ، إلى جانب مثال أخر عن زاوية أخرى وهي زاوية سيدي عطية بيض الغول بمنطقة الجلالية الواقعة على مشارف مدينة الجلفة والتي ذاقت عائلتها ويلات التشرد وفقدت من أفرادها وخربت الزاوية عن أخرها إلا أن أصحابها وعلى رأسهم شيخ الزاوية هم من دعاة المصالحة ، وهذا أحسن مثال ودرس يوجه إلى المشوشين والاستئصالين الذين شرعوا آنذاك في نفخ الأبواق لكي يدفعوا بالشعب ضد تطبيق تدابير ميثاق السلم والمصالحة . ولأن المصالحة وإصلاح ذات البين هي عنصر هام من كيان أهل الزوايا وبعيدا عن كل الأمور المصطنعة ،فهذه مجرد إشارة إلى جنوح الزوايا إلى الصلح وزرع بذور الألفة والتضامن والتكافل الاجتماعي، رغم ما تعرضت له من انتقادات وعدوان إرهابي وعزوف الدولة عن معاونتها في وقت سابق . إن نظرة الاتحاد حسب علمنا ، هي إستراتيجية ذات بعد استشرافي وذلك من خلال تأسيس اتحاد زوايا المغرب العربي وخاصة أن التحركات الحالية على المستوى الحكومي بيننا وبين المغرب حسب تصريح السيد مدلسي ستكون مواتية للمساهمة في إزالة بؤر التشنج عند الرسميّين وترك المجال للشعوب المغاربية لبناء مغرب الشعوب الذي طالما حلمت به ، إنها مبادرة تستحق التشجيع والتنويه لما فيها من خير شعوب المغرب العربي وتقريب للأخوة الفرقاء . إنها صورة معبرة عن مصالحة تاريخية حقيقية بين أبناء الديانة الواحدة والوطن المشترك , فهل يحقق الاتحاد الوطني للزوايا هذه المصالحة وهل سيكون له الدور الفعال في التقارب المغاربي اجتماعيا واقتصاديا بعيدا عن الملف السياسي ,فلنجرب نظرة الاقتصاديين ، فلقد جربنا نظرة السياسيين لأكثر من 30 سنة ولم يتحقق شيء ، بل جنينا إلا توريث الأحقاد والسياسات الفاشلة. وهنا ومن باب القول للمحسن أحسنت ، يكفي أن نذكر أن اتحاد الزوايا نجح في إعداد القانون الأساسي للطالب ووضعه على مكتب رئيس الجمهورية ليصدره بأمرية رئاسية وبذلك بكفل حقوق طالب الزاوية من تأمين اجتماعي ورعاية صحية ومنحة شهرية ، إلى جانب مشروع دار للقرآن الكريم في كل بلدية ، حيث لم يقم بهذا أي تنظيم من قبل منذ الاستقلال ولا حتى من طرف وزارة غلام الله. الأيام القادمة كفيلة بالإجابة ونحن لا يسعنا إلى تمني الخير لأهل الخير , معتمدين في ذلك على قول الله تعالى " لاّ خير في كثير من نّجويهم إلاّ من أمر بصدقة أو بمعروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما " ( النساء 112 ) و ما كاتب هذه السطور إلا واحد من الكاظمين الغيض والعافين عن الناس ، ومن الذين تضرروا كثيرا من المأساة الوطنية لكي لا يقال له ليس لك الحق في التكلم، ولايحس بالجمرة إلا من اكتوى بها ؟ وها هو من الداعين إلى دفن الأحقاد والمضّي في إصلاح ذات البين امتثالا لقول المولى عز وجل في هذا الشأن ( يؤمنون بالله واليوم الأخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ) " آل عمران 113 " . وفي الأخير، يكفينا فرقة التي لم نجن منها إلا التخلف والدمار لمكتسبات الشعب ، وندائي موجه لكم يا دعاة التغيير والتشويش والفرقة وعلى رأسهم عميل فرنسا الطبيب المريض ، فحكموا عقولكم يا من بقي لديكم عقل، وفوتوا الفرصة على الذين يحرضونكم ويشجعونكم على إعادة زرع بذور الفتنة التي نهانا عن الله عز وجل ، ويكفي أنها أكبر من القتل وأن من يوقضها هو ملعون إلى يوم الدين، فيكفي الشعب ما عاشه من مآسي ومن جروح ما فتئت تندمل