مستشفى الأم و الطفل بالجلفة أقابل شاشة الجهاز و إنني حائرة من أين أبدأ ؟ و كيف أكتب على ما يعرفه الكثير منا في وطننا هذا و في ولايتنا الحبيبة إنني أكتب و يصادف كتابتي ذكرى أول نوفمبر التي كانت إنطلاقة ثورة على الإستعمار... و الآن إننا في ثورة ضد أنفسنا... في البداية سأحدثكم عن " ذات الخصال الحميدة " ...هي إمراة قد يظنها البعض ككل النساء... إلا أنها تميزت بخصالها و رقي فكرها و حنانها على من حولها و قمة عطاءها مما تعلمت و كم عملت حتى آخر يوم في حياتها... نعم إلى آخر نفس، لفظت أنفاسها و هي تدرك أن الموت مصيرها... ماتت و هي تحاول أن تحارب جهل البعض و قساوة قلوب الكثير ممن وقف في وجه الحق. ما هذا الإعصار الذي نحن في حاجة إليه ؟ إننا كل يوم نرى الظلم أو كما نسميه بيننا ب"الحقرة" التي تطالنا في الكثير من المصالح و المؤسسات الخدماتية التي لها علاقة مباشرة بحياتنا اليومية...إنني لست بصدد إتهام أحد أو حتى التخصيص... لكن حان الوقت أن نبث في قلوبنا إعصار من عيار " ساندي " أو أكثر من إعصار يحرك قلوبنا التي ماتت قبل موت أجسادنا ، لأننا كل يوم نسمع من هنا و هناك عن فلان مات لأنه يعاني من جوع ، فلان مات من سرطان، فلان مات من القهر النفسي ، فلان مات لأن لم يجد عمل، فلان مات لأنه تم التلاعب بحياته و بروحه بين من لا يخافون الله و لا يقدرون قيمة الروح تلك التي قال فيها الله تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} الإسراء، فأمر الروح عظيم فلما هانت عندنا؟، و كما قال عز جلاله : { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } التكوير... عند قراءتي لهذه الآيات إستشعرت مدى قيمة الروح و النفس، فهل من مدرك لهذه النفس التي أكرمها الله؟ هل من مستشعر لرعيته و من هو مسؤول عليهم ؟ هل بيننا من يصرح و يبوح بما في قلبه من إعصار لما يحدث ؟ ماتت ذات "الخصال الحميدة" و هي أم.. ماتت و هي تحاول أن تكون أماً مرة أخرى إلا أنها تركت أيتام لهم الله كفيل... ماتت و ذاك الرضيع لن يتلفظ بكلمة "أماه"، صارعت الموت و هي تظن أنها بين أخوانها سيرحمون ضعفها و مرضها سيحاولون السماع لها و لأنها فعلاً " ذات خصال راقية " ما إستطاعت أن تعلي بصوتها و تطالب برعايتها ولا حتى ذويها إيماناً منهم بأنه من المستحيل أن قلوب الناس قد خلت من الرحمة و الشفقة و الأهم الضمير... ذويها لحد اليوم و بعد مرور وقت ليس بالطويل عن رحيل الحبيبة " ذات الخصال الحميدة " -هكذا أسميها لأنها كانت كذلك- لايزالون تحت الصدمة مما حدث... كيف ماتت القلوب و ذهب الضمير؟ حيث كانت المرحومة تترجاهم بلطف و أدب أن يرحموها، أن يعينوها، أن يتفحصوا حالها و ألمها... كان الرد : إنها مجنونة في حاجة لإستشارة نفسية... نعم كأن ألم الجسد يحتاج لتفسير و تحليل نفسي. و ردت من شدة الصدمة لهذا الإتهام إلا بالسكوت و لوم نفسها مرددة : (( ما بك ؟ أنت تكذبيين ؟ تكذبين على ما في نفسك و عن آلم جسدك و وجعك الدائم )) هكذا ردت على نفسها... و بعد مرور صدمة اتهامها بالجنون إتصلت بأهلها و ودعتهم واحدا تلوى الأخر. أين أدركت أن مرضها لن يمر بسلام أو بالأصح ولادتها... و وكلت أمرها لله. ماتت " ذات الخصال الحميدة " و كم غيرها ذوي الخصال الحميدة و ذوي الحشمة و العفة ماتوا في صمت رهيب... ماتوا و لم يُرد إعتبارهم من ذويهم و لا من غيرهم إيماناً منهم أننا نعيش في دوامة الحقرة ... إنني لا أضع بين أيدكم أدلة و لا حتى أبحث عنها لأنني لن أجدها...أترك ذلك لحكم الله... ولا أضع أي إتهام لأحد لأنني أستطيع أن أوجه إتهام و لا يحق لي ذلك، و ليس هدفي ذاك .. أضع فقط بين أيدكم قصة ليست من ضرب الخيال بل من أرض الواقع الذي نعيشه، و نعرفه جميعاً لكن هل من صاغي ؟ هل من مجيب ؟ ليس المطلوب التنديد و الصراخ العبثي اللاواعي، إنما أريد أن نحيي ضمائرنا... أن نتكلم عندما يلزم الحال ذلك في وقته و ليس بعد فوات الآوان، ما حدث للمرحومة ليس بالجديد و ليس هي أول حالة أو آخرها ... فما الحل؟ ستطرحون أكيد هذا السؤال، فليس الحل إلا إحياء " الضمير الجمعي "... أن نقي أنفسنا من الفساد الذي نحن فيه ...ألا نترك أرواح ذوينا لمن لا ضمير لهم، ألا نخرق القانون بل نحترمه و نطالب غيرنا بإحترامه لأنه حقنا و واجب علينا و على غيرنا. لن تسعني صفات الكتابة، أترك لكم مجال التعبير عما يدور حولنا.. و كذا الوقوف عندها حتى لا تمر مرار الكرام و نقول بعدها : مسكين فلان و فلانة قد حدث له أو لها هذا وذاك ...و نطوي الكتاب و نعُد للمعتاد...